•في مثل هذا الأسبوع قبل 15 عاماً، انسحب الجيش الإسرائيلي من جانب واحد من لبنان. لقد كان هذا القرار خطوة صحيحة وشجاعة اتخذها رئيس الحكومة آنذاك إيهود باراك. لكن السياسة التي جرى تبنيها بعد الانسحاب كانت غير صحيحة، وكان لها انعكاسات خطرة على المستقبل.
•إن قرار الانسحاب كان صحيحاً لعدم وجود سبب يدفعنا إلى البقاء هناك، وإلى دفع ثمن هذا البقاء 25 قتيلاً في السنة. وعلى الرغم من الأخطاء التي ارتُكبت خلال الانسحاب فإن هذا لا يغير حقيقة كونه خطوة صحيحة من الناحية الاستراتيجية. فقد كان باراك يفكر في نيل الشرعية الدولية، وهذا ما ناله فعلاً عندما انسحب الجيش الإسرائيلي إلى الخط الذي حددته الأمم المتحدة، لكن في هذه النقطة بالذات بدأ تفويت الفرصة.
•فقبل الانسحاب كان الجيش الإسرائيلي يحظى بشرعية محاربة حزب الله، التنظيم الإرهابي المدعوم من سورية وإيران، ولم يكن بحاجة إلى الخروج من لبنان كي يحظى بالشرعية لمواصلة حربه ضد الحزب في حال واصل هذا الأخير استهدافه. أمّا الشرعية التي حصلنا عليها بعد الانسحاب الإسرائيلي من آخر سنتيمتر من الأرض اللبنانية فهي تسمح لنا بالعمل ضد الدولة اللبنانية إذا ما تعرضنا لأي هجوم إرهابي من أراضيها. وقد أخطأنا بأننا لم نوضح ذلك مسبقاً، كما أخطأنا جداً في الطريقة التي خضنا فيها حرب لبنان الثانية [تموز/يوليو 2006]، إذ حاولنا الانتصار على حزب الله، لكننا سمحنا للدولة اللبنانية التي تقدم الدعم الكامل للحزب بالتهرب من تحمل أي مسؤولية.
•ماذا سيحدث في حال نشبت حرب لبنان الثالثة غداَ؟ إذا خضنا هذه الحرب بالطريقة التي خضنا فيها الحرب السابقة فإننا سنجد أنفسنا أمام كارثة كبيرة. لقد حسّن الجيش الإسرائيلي بصورة بارزة من قدراته منذ حرب لبنان الثانية، لكن في الميزان التكتيكي فإن حزب الله قد تحسن أكثر. وستكون النتيجة المحتملة لمثل هذه الحرب التي قد تستمر 33 وحتى 50 يوماً أقسى بكثير من نتائج حرب لبنان الثانية. ويجدر بنا الاعتراف بأن الجيش الإسرائيلي ليس قادراً على الانتصار على حزب الله من دون أن تدفع الجبهة الداخلية الإسرائيلية ثمناً لا يُحتمل.
•والاستنتاج واضح، إذا فُتحت علينا النار من الأراضي اللبنانية، وقررت إسرائيل خوض المعركة، فإن علينا اعلان الحرب على لبنان وتوجيهها ليس فقط ضد حزب الله، بل أيضاً ضد الجيش اللبناني وضد البنى التحتية والمؤسسات اللبنانية.
•ونظراً إلى أن أي طرف في المنطقة، لا سورية ولا إيران ولا السعودية أو أي من الدول الغربية وحتى حزب الله نفسه، مستعد لأن يتحمل مسؤولية تدمير الدولة اللبنانية، فإن نتيجة هجوم إسرائيلي على لبنان ستؤدي إلى دعوة عاجلة من جميع الأطراف إلى وقف إطلاق النار. وأي وقف لإطلاق النار بعد ثلاثة أيام من بدء القتال، وليس بعد 33 يوماً، هو السبيل إلى الانتصار في الحرب المقبلة، وإلى خلق ردع ناجع.
•قد يقول البعض إن العالم لن يسمح لنا بالقيام بذلك. إن هذا القول غير صحيح، فالمجتمع الدولي لن يطلب منا وقف إطلاق النار والسماح لحزب الله بالاستمرار فيه، بل سيطلب من جميع الأطراف وقف إطلاق النار وفي وقت واحد. وكلما حدث ذلك في وقت مبكر، كلما كان الميزان في مصلحة إسرائيل.
•إن السبيل الأكثر نجاعة لتأجيل حرب لبنان الثالثة هو في أن نقول مسبقاً كيف وضد مَنْ ستوجه هذه الحرب، لأنه في اللحظة التي ستُطلق علينا النار لن يعود في الإمكان شرح السياسة الجديدة. وهذا هو الدرس الأساسي الذي استخلصناه من الأعوام الـ 15 الماضية.
•من الأفضل بالنسبة إلى إسرائيل دائماً أن تكون الحرب [أو التسوية] مع دولة لا مع تنظيم إرهابي، الأمر الذي ينطبق على لبنان كما ينطبق على غزة.