•في الأيام الأخيرة استكمل تنظيم داعش السيطرة على الرمادي، المدينة المهمة في العراق، وعلى معسكرات ومخازن سلاح الجيش العراقي الذي لاذ بالفرار. ظاهرياً هذا الحدث هو إنجاز عسكري ومعنوي كبير من شأنه أن يرفع المعنويات في هذا الكيان الشبيه بالدولة [داعش]، المضطر لمواجهة عملية سحق جوية من جانب قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة. لكن إلى جانب الإحساس بالإنجاز قد يجد تنظيم داعش نفسه في وضع تجاوز فيه "قمة النجاح"، ومن الممكن أن يتحول الإنجاز الأخير تحديداً إلى عامل سيدفع بقوى إقليمية ودولية إلى أن تشحذ همتها وإلى التحرك ضد داعش بقوة أكبر بكثير.
•والمؤشر الأول المهم في هذا السياق شاهدناه في العملية التي قامت بها "قوة دلتا" الأميركية لاغتيال أبو سياف، أحد كبار قادة داعش، والذي كان مسؤولاً عن قطاع النفط في الدولة الإسلامية الذي يشكل المورد الاقتصادي الأساسي بالنسبة إلى التنظيم.
•والآن، وبعد نجاح داعش في إلحاق الهزيمة بالجيش العراقي، يبدو أن الولايات المتحدة والقوى الأخرى بدأت تستوعب مدى بؤس الجيش العراقي وقدراته المحدودة جداً. من هنا، إلى جانب السعي لإعداد قوات جديدة وتسليح الجيش العراقي، ستضطر الولايات المتحدة إلى زيادة جهودها القتالية، سواء من خلال العمليات البرية، مع تفضيلها استخدام القوات والعمليات الخاصة، أو من خلال تحفيز سائر الشركاء. والأهم من ذلك، يدور في الولايات المتحدة منذ وقت حوار يتعلق بضعف الاستراتيجيا الأميركية في هذه الساحة، وبالفجوة الكبيرة بين الاستراتيجيا الحالية (أو غير الموجودة أصلاً) وبين جوهر التحدي. وتساهم الانتقادات الحادة في الدفع بعمليات تفكير وتسريعها بهدف تعلم كيفية التعامل مع هذا الخطر ليس فقط من منظور عسكري. وقد بدأ الأميركيون يستوعبون أن جوهر الخطر هو ثقافي وفكري ويتطلب عمليات تعلم مهمة، بالإضافة إلى تطوير رد منهجي.
•ويتطرق المسعى الأميركي أيضاً إلى مكانة إيران، إذ يرى الأميركيون في هذه الأخيرة عامل استقرار يساعد في كل ما له علاقة بالحرب ضد داعش، مع أنهم يدركون أيضاً الثمن الذي ينطوي عليه مثل هذا التعاون. ولا يمكننا أن نستبعد إمكان أن تكون الحماسة الأميركية للتوصل إلى اتفاق مع إيران في الموضوع النووي له علاقة بمحاولة إدخال إيران إلى التحالف الدولي ضد داعش بصورة تسمح للولايات المتحدة بعدم زيادة وجودها العسكري البري في العراق وسورية. فإذا كان هذا صحيحاً فإن ثمن الاتفاق مع إيران في الموضوع النووي، على الرغم من مخاطره، يستحق، في نظر الولايات المتحدة، ذلك.
•مما لا شك فيه أن هذا الموقف يثير عدم الارتياح وحتى التخوف لدى حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، ولا سيما السعودية والأردن ومصر وحتى إسرائيل. ففي نظر المعسكر العربي البراغماتي، وفي رأي إسرائيل، إيران هي عدوة شرسة لداعش وستبذل كل ما في وسعها من أجل ضرب هذا التنظيم ومنعه من زعزعة النظام السوري الحالي أكثر فأكثر، بيد أنها، أولاً وقبل كل شيء، عدوة شرسة لهم، وتشكل خطراً على مصالحهم الاستراتيجية الحيوية.
•إن تخوف المعسكر البراغماتي قد يدفعه إلى زيادة مساعيه لضرب داعش إلى جانب المسعى الأميركي لتوسيع الهجوم على هذا التنظيم وتحسين عمليات التعلم والتطوير الاستراتيجي، ناهيك عن تمدد داعش بعد احتلاله الرمادي، الأمر الذي سيخلق معادلة جديدة، إذ ستتقلص قدرة داعش على الدفاع عن المناطق التي تسيطر عليها وستصبح أكثر عرضة للإصابة بسبب حاجتها إلى تأسيس حكمها لضمان سيطرتها على الأرض والسكان، وستزداد القدرة الهجومية للولايات المتحدة والدول العربية المشاركة في الحرب عليها.
•في مثل هذا السيناريو قد يجد تنظيم داعش نفسه ضحية مفارقة النجاح، وذلك عندما يتحول الإنجاز العسكري والمعنوي لاحتلال الرمادي إلى النقطة القصوى التي سيبدأ بعدها الانحدار نحو الأسفل. لا يمكننا الاستنتاج من ذلك أن أيديولوجيا وروحية الثورة الإسلامية الراديكالية لداعش ستختفي، إذ من الممكن أن تبرز تنظيمات جديدة بعده وأن تواصل كفاحه، لكن بالتأكيد من الممكن أن داعش كتنظيم وكيان شبيه بالدولة سيضعف.