•بعد انتهاء حرب لبنان الثانية [تموز/يوليو 2006] اعتذر زعيم حزب الله، حسن نصر الله، أمام أبناء طائفته الشيعية في لبنان لأنه جرّهم إلى الحرب ضد إسرائيل موضحاً: "لو كنت أعلم ان إسرائيل سترد على خطف وقتل جنودها بشن حرب على لبنان، لما أمرت بتنفيذ عملية الخطف". ومنذ ذلك الحين التزم باعتذاره وحافظ محافظة شديدة على الهدوء على طول الحدود الشمالية.
•لكن هذا لم يعد قائماً. خلال السنة الأخيرة حدث تغير استراتيجي في الوضع على طول الحدود الإسرائيلية – اللبنانية – السورية. ولا يعود هذا التغيير بالضرورة إلى قرار اتخذه نصر الله بشن حرب على إسرائيل، بل على العكس إذ يبدو أنه غير معني بالحرب ويفضل الامتناع عنها قدر الإمكان. لكن جوهر التغيير يكمن في أن نصر الله لم يعد يخاف من إمكانية الحرب خلافاَ للسنوات التسع الأخيرة، وهو مستعد للقيام بمجازفات قد تجره وتجر إسرائيل إلى مواجهة جديدة. وإذا أردنا محاكاة كلامه بعد حرب لبنان الثانية، فإن رسالة نصر الله اليوم هي: حتى مع معرفتي بأن خطواتي قد تؤدي إلى حرب، فأنا مستعد للمخاطرة ودهورة المنطقة نحوها.
•يبدو إذن أن السنين التي مرت أضعفت ذاكرة نصر الله وأنسته أضرار الحرب السابقة، وربما أيضاً أعادت إليه ثقته بنفسه التي فقدها. ومن المحتمل أيضاً أنه بسبب ضعفه في الداخل في مواجهة خصومه السياسيين داخل لبنان وخارجه، وفي مواجهة الثوار في سورية حيث غرق في حرب أهلية دموية من دون حسم، فإنه يشعر بأن عليه أن يظهر شجاعته وأن يمتنع عن ضبط النفس خوفاً من أن تفسر إسرائيل ضبط النفس هذا ضعفاً. وفي الواقع، فإن غرق حزب الله في الوحل السوري لم يمس تصميمه على مواجهة إسرائيل، بل إن الحزب راكم تجربة عسكرية ثمينة وأصبح مقاتلوه وقادته أكثر ثقة بالنفس.
•برزت بوادر التغير في موقف نصر الله قبل ثلاث سنوات عندما أمر بتنفيذ الهجوم الارهابي ضد السياح الإسرائيليين في بورغاس في بلغاريا. لكن في السنة الأخيرة اتضحت أكثر فأكثر نياته من خلال سلسلة العمليات التي نفذها الحزب ضد قوات الجيش الإسرائيلي على طول الحدود، بدءاً من زرع العبوات الناسفة ووصولاً إلى اطلاق النار من مدى قصير في شهر كانون الثاني/يناير هذا العام على دورية إسرائيلية بالقرب من السياج الحدودي. وأعلن نصر الله بصوته مسؤوليته الكاملة عنها.
•تشير أحداث الأسابيع الأخيرة على طول حدود إسرائيل الشمالية إلى ارتفاع درجة التوتر. قد يبدو ما جرى سلسلة متواصلة من الأحداث ليست بالضرورة مترابطة، لكن مع ذلك فالثابت في معظم هذه الحالات أن الخيوط تقود إلى حزب الله سواء أكان المقصود شحنات سلاح مرسلة إلى الحزب هاجمتها إسرائيل وهي لا تزال في الأراضي السورية، أو مخربين سوريين من القرى الدرزية على طول الحدود جرت تصفيتهم أثناء محاولتهم التسلل إلى أراضي إسرائيل بأوامر وربما بتشجيع من حزب الله.
•علاوة على ذلك، امتنع الحزب طوال سنين عن الرد على العمليات الإسرائيلية في سورية انطلاقاً من مقاربته القائلة بأن عليه أن يركز نشاطه في لبنان ويترك للنظام السوري الرد على العمليات الإسرائيلية إذا أراد. ويمكن افتراض أيضاً أن حزب الله يعرف أنه سيجد صعوبة في أن يشرح للجمهور اللبناني لماذا يجرّه إلى مواجهة مع إسرائيل من أجل بشار الأسد. ليس هذا فحسب، فإن التدخل المتعاظم للحزب في ما يجري داخل سورية حوّل نصر الله، من وجهة نظره، إلى مسؤول عن مقاتليه الموجودين في سورية، وعن الوسائل القتالية التي هي في طريقها من سورية إلى لبنان، وربما مستقبلاً سيجعله يلتزم الدفاع عن بشار الأسد ضد إسرائيل. ومثل هذا الالتزام معناه المحتمل الرد على أي خطوة تقوم بها إسرائيل في المجال السوري، وهو أمر امتنع عنه الحزب حتى الآن وقد يجر رداً إسرائيلياً قاسياً لأن إسرائيل لن تستطيع السماح للحزب بتقييد حرية حركتها في المجال السوري.
•إن التدخل المتعاظم لحزب الله في ما يجري على طول الحدود الإسرائيلية – السورية، وكذلك جرأته المتزايدة في مواجهة إسرائيل، قد يشيران إلى أن العد العكسي لجولة القتال الجديدة هو في ذروته.