•في الفترة الأخيرة طرأ تحول دراماتيكي على الوضع الأمني في جانبي خط وقف إطلاق النار في الجولان، وظهرت مكونات الوضع الجديد يوم الثلاثاء الماضي كالتالي:
•أولاً، قيام المحور الشيعي الراديكالي بقيادة حزب الله بتحويل هضبة الجولان إلى جبهة ناشطة ضد إسرائيل. ويعمل حزب الله والجيش السوري والميليشيات الموالية للنظام الآن على تحقيق أمرين: منع تقدم الثوار نحو دمشق والقيام بعمليات هجومية سرية ضد إسرائيل من دون أن تحمل توقيعاً واضحاً. وتسمح هجمات ضد الجيش الإسرائيلي يقوم بها عملاء محليون (أغلبهم دروز أو فلسطينيون) لحزب الله والإيرانيين بالانتقام من إسرائيل واستنزافها من دون التورط معها، ومن دون تعريض سكان لبنان أو مخازن الصواريخ الضخمة التي قدمتها طهران للخطر. وبالنسبة للمحور الشيعي الراديكالي، فإن هضبة الجولان اليوم هي "منطقة إنكار" يمكن القيام فيها بهجمات وإلحاق الأذى بالسياحة الإسرائيلية ثم الصمت وادعاء عدم حدوث شيء على الاطلاق. وغياب سلطة حاكمة يعطي تفوقاً لمن يريد استغلال هذا الغياب أو له القدرة على ذلك.
•المكون الثاني هو سيطرة الثوار على هضبة الجولان ودفع الموالين للأسد والمحور الشيعي نحو الزاوية الشمالية للهضبة. وهذا قد يبدو أخباراً جيدة، لكن الأخبار السيئة هي أن العناصر المسيطرة في المنطقة هي المجموعات الجهادية التابعة لجبهة النصرة وللسلفيين في منطقة القنيطرة. أما الثوار "المعتدلون" من أبناء المنطقة فهم يريدون المحافظة على بقائهم ولقمة عيشهم، وهم في وضع ضعيف وتراجعت قوتهم في وجه أصحاب الرايات "السوداء".
•هذه تقديرات متشائمة بالنسبة للمستقبل. وفي الواقع يجري الآن في الجولان ما يُتوقع أن يجري في سورية كلها إذا انهار نظام الأسد. فمن المتوقع حينها أن تدور معركة دامية بين تنظيمات الثوار على الوراثة، مثل الذي جرى في أفغانستان حيث استمرت الحرب على الزعامة بدرجات مختلفة الشدّة 20 عاماً. وفي الجولان هذا ما يحدث الآن. واللافت للاهتمام أن كل مجموعة ثوار بمن فيهم المجموعات المتطرفة تفضل أن تقيم قواعد عملياتها وقياداتها على بعد مئات الأمتار من السياج الحدودي مع إسرائيل. ويقيم أهالي القرى الذين يغادرون قراهم بسبب القتال خيمهم أيضاً حيث الوجود البارز للقوات الإسرائيلية، لأنهم متأكدون من أن قوات النظام لن تقصفهم من الأرض أو من الجو بواسطة البراميل المتفجرة التي ترميها الطوافات.
•نتيجة هذين التطورين، ونتيجة التقدير الصحيح أنهما سيحدثان عاجلاً ام آجلاً، غيّر الجيش في السنوات الأخيرة استعداداته في هضبة الجولان، وبرعاية رئيس الأركان السابق بني غانتس والحالي غادي إيزنكوت (الذي كان يومها نائباً لرئيس الأركان)، انتقل الجيش من الاستعداد للتصدّي والهجوم في عمق الأراضي السورية، إلى الاستعدادات الدفاعية فقط.
•إن التحدي الأساسي في الهضبة اليوم ليس طابور المدرعات السورية، بل إطلاق الصواريخ ذات المسار المنحني والهجمات على السياج بقيادة حزب الله وبمبادرة من إيران.
•في العامين الأخيرين أقيمت منظومة دفاعية جديدة تماماً تعتمد على فرقة جديدة 210 "فرقة هَبَشان"، وخلافاً للفرقة السابقة 36 (الفرقة المدرعة الثقيلة كانت موجودة في الجولان منذ احتلاله في 1967)، فإن الفرقة الجديدة التي هي فرقة مناطقية لديها مهمة واحدة: الانذار والدفاع ضد أي هجمات على السياج والقصف الصاروخي وتأمين الحماية الجسدية ومنح الشعور بالأمن للسكان ومنع الاعتداء على السيادة الإسرائيلية في الجولان.
•بهذه الطريقة، فإن الجيش الإسرائيلي مستعد اليوم في هضبة الجولان لدفاع مرن يستند إلى منظومة ردع مع جهاز استخباراتي وتكنولوجي وبشري موسع، وإلى منظومة حدودية صلبة وصعبة الاختراق. وعملياً فإنها أقرب إلى جدار من الفولاذ يمكنه أن ينذر بوقوع محاولات لاختراقه والقيام برد مباشر على إطلاق النار من الجانب الآخر.
•المكون الثالث هو العمليات المتحركة للجيش في المنطقة طيلة الـ 24 ساعة، والمراقبة والكمائن، و"فتح محور"، ويجري ذلك بصورة منهجية وفي أوقات تتغير على الدوام. والهدف هو جعل جمع المعلومات الاستخباراتية عن قواتنا والتحضير لأي هجوم أمراً صعباً على العدو.
•وفي الواقع تدور اليوم على طرفي خط ألفا في هضبة الجولان منافسة في التعلّم بين عناصر المحور الراديكالي الشيعي وعلى رأسه حزب الله، وقادة ورجال الاستخبارات في فرقة "بشان" وقيادة المنطقة الشمالية. في هذه الأثناء ينجح الجيش الإسرائيلي في أن يسبق بخطوة أو خطوتين التحديات والذين يتحدونه. والإنجاز هو أن الردع يمنع التدهور. لكن المشهد على الأرض يتغير بسرعة ويتطلب من سكان الجولان وبخاصة من قادة الجيش الإسرائيلي في المنطقة، أن يكونوا يقظين وفي حالة تأهب دائم.