•"سأوقع الاتفاق مع إيران ومن بعدي الطوفان" - هذا ما قاله الرئيس الأميركي باراك أوباما في واقع الأمر الليلة قبل الماضية في سياق المقابلة التي أجرتها معه الإذاعة الأميركية العامة.
•ولا بُد من القول إن أوباما تصرّف باستقامة وقال الحقيقة للجميع من دون وجل، وهي أنه بعد 13 - 15 عاماً، أي بعد انتهاء مفعول الرقابة المشددة التي ستفرض على إيران، ستتمكن هذه الأخيرة من الاندفاع فوراً نحو إنتاج قنبلة نووية.
•إن كل التفسيرات التي جاءت بعد ذلك من البيت الأبيض وكذلك كل محاولات الطمس التي سعت إلى القول إن الرئيس لم يُفهم كما ينبغي مجرد هراء.
•لا شك في أن حديث أوباما لم يكن موجهاً إلى إسرائيل بل إلى الشعب الأميركي وأساساً إلى مجلس الشيوخ. إن نتنياهو لا يهم أوباما على الإطلاق، فهو يمقته ويحتقره ولا يكلف نفسه عناء إخفاء ذلك. إن كل منظومة الدعاية الأميركية وعلى رأسها الرئيس موجهة الآن إلى مجلس النواب في هضبة الكابيتول حيث من المتوقع أن يدور الصراع الحقيقي. ففي مجلس الشيوخ بدأت تلوح أغلبية لن تسمح للإدارة الأميركية بإلغاء العقوبات المفروضة على إيران في إجراء قصير. فضلاً عن ذلك، إذا ما تبيّن أن الإيرانيين يفسرون الاتفاق بشكل مغاير تماماً عما يفهمه النواب الأميركيون، فسيكون هؤلاء أكثر تصميماً على الحاجة إلى توسيع العقوبات ضد إيران وتعميقها. ومنذ الآن يتحدث عدد كبير منهم عن أنه حتى في حال رفع مجلس الأمن العقوبات وإعفاء الدول الأوروبية نفسها من نظام العقوبات، سيشدد الكونغرس العقوبات المفروضة على إيران من جانب الولايات المتحدة. بناء على ذلك، فإن أوباما ورجاله لا يتحدثون إلى إسرائيل بل إلى الآذان الأميركية، وهنا لا يمكن أن يسمحوا لأنفسهم بأن يكذبوا.
•إذاً ما الذي قاله أوباما في واقع الأمر؟ أولاً، يُفهم من كلامه أنه لا يوجد اتفاق بعد حول المدة الزمنية للرقابة المشدّدة على إيران. ثانياً، يتحدث أوباما عن أجهزة طرد مركزية جديدة سيواصل الإيرانيون تطويرها - خلافاً لتفاهمات يتم ادعاء أنها ستمنعهم من الانشغال ببحث وتطوير تلك الأجهزة ـ وستدفع إيران نحو مكانة دولة نووية. إن الأمر المستغرب هنا هو أنه بالرغم من عدم وجود اتفاق مفصل، فإن أوباما يعرف منذ الآن أنه ستكون بحيازة الإيرانيين أجهزة طرد مركزية جديدة تدفعهم بصورة فورية نحو القنبلة.
الجميع يتحدثون عن رقابة مشددة لكن ليس واضحاً بعد كيف سيضمنون أن
•يتضمن الاتفاق الذي سيوقع في حزيران/ يونيو المقبل فعلاً رقابة مشدّدة في كل لحظة وكل نقطة في سلسلة الإنتاج من مناجم اليورانيوم وحتى المادة المخصبة. إن قدرة الرقابة على السلاح النووي التي طورتها الولايات المتحدة مذهلة، ووسائل الرقابة - بدءاً بالمختبرات المتنقلة لتشخيص مخلفات المادة النووية المتفجرة، مروراً بالمجسّات والكاميرات وباقي وسائل الرصد والاستشعار التي طورها المختبر الوطني للبحوث النووية في نيومكسيكو- تسمح نظرياً برقابة ناجعة، غير أن الإيرانيين أعلنوا منذ الآن أنهم لا يعتزمون السماح بإدخال كاميرات إلى منشآتهم النووية مثلاً. ويتوافق هذا على نحو جيد مع ما قاله رئيس الوكالة الذرية الإيرانية علي أكبر صالحي أول من أمس، أنه لو أرادت إيران إنتاج قنبلة نووية فلديها القدرة على تحقيق ذلك منذ الآن.
•وبقدر ما هو معروف في الغرب، فإن صالحي بالغ قليلاً، لكن على ما يبدو لم يكن بعيداً جداً عن قول الحقيقة. وما قاله يشكل دليلاً آخر على أن الرقابة هي بمثابة عقب أخيل في الاتفاق النووي.
•ربما من المثير في ضوء الاتفاق النووي مع إيران العودة إلى بروتوكولات المداولات في "مجلس الثمانية وزراء" [المجلس الوزاري المقلص للشؤون السياسية - الأمنية في حكومة بنيامين نتنياهو الثانية 2009- 2013] ولدى رئيس الحكومة نتنياهو ووزير الدفاع السابق إيهود باراك خلال سنتي 2010 - 2011 وطرح عدة أسئلة صعبة: هل كان صحيحاً عدم شنّ هجوم عسكري على المنظومة النووية الإيرانية حين كان هذا لا يزال ممكناً؟ لماذا بذل المهنيون في المؤسسة الأمنية كل الجهد لعرقلة إمكان شن هجوم عسكري كهذا؟ وهل في ضوء الاتفاق المتبلور يمكن أن نقول الآن إنهم كانوا على خطأ؟
إن الحكومة الإسرائيلية لا يمكنها أن تكنس هذه الأسئلة تحت الطاولة. وإذا ما تم التوصل إلى اتفاق نهائي مع إيران وفقاً لمبادئ اتفاق الإطار التي تم الوصول إليها في لوزان [سويسرا]، فإن هذه الأسئلة ستصبح أكثر واقعية لأن إسرائيل ستجد نفسها بمفردها في مواجهة التهديد النووي الإيراني.