معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
•تشدد أطر الاتفاق بين إيران والدول العظمى الغربية كما نشرتها الإدارة الأميركية الأسبوع الماضي، على إشكالية التفاهمات التي جرى التوصل إليها بين الدول العظمى وإيران. نعرض في ما يلي رؤى تلقي الضوء على الدلالات المعقدة للأطر التي نشرت، كما نقدم توصيات تتعلق بالسياسة الواجب انتهاجها في المفاوضات مع إيران بشأن الموضوع النووي. وسنشدد على الحاجة إلى حوار صادق وموثوق به بين حكومة إسرائيل والإدارة الأميركية يساهم في اعادة برنامج إيران النووي إلى الوراء، وفي إبعاد إيران قدر الممكن عن العتبة النووية، والدفع قدماً بالاتفاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل بحثاً عن رد إذا خرقت إيران الاتفاق.
دلالات مبادئ الاتفاق
•لا يمكن اعتبار الاتفاق "سيئاً جداً"، ولكنه ليس "إنجازاً تاريخياً". هو في الواقع أقرب إلى تسوية تنطوي على إنجازات مهمة بالنسبة للدول العظمى هي التالية: ارجاع برنامج إيران النووي إلى الوراء؛ فرض قيود مهمة على أي تطوير مستقبلي للبرنامج النووي الإيراني ورقابة لم يسبق لها مثيل. لكن الاتفاق يمنح إيران شرعية أن تصبح دولة على عتبة النووي، ويسمح لها بقدر معين من التقدم في التطوير، ويبقي في تصرفها موارد كثيرة من أجل الاستمرار في دعمها للتخريب والإرهاب.
•ومن أجل ضمان تحول الاتفاق إلى إنجاز يغلق كل السبل أمام إيران نحو القنبلة النووية، فإنه يجب القيام بمسار يتضمن ثلاث مراحل: أ- بلورة اتفاق حتى 30 حزيران/يونيو 2015 يغلق كل الثغرات في الاتفاق الحالي. ب- تشكيل نظام رقابة اختراقي وشامل لا يسمح للإيرانيين بالتقدم في البرنامج النووي. ج- أن نوضح بصورة قاطعة للإيرانيين أن أي محاولة للالتفاف على الاتفاق أو الخروج عن إطاره ستؤدي إلى رد عنيف.
•حتى الآن ليس هناك اتفاق موقّع بل هناك اعلان مبادئ مشتركة غير موقعة ستستخدم اساساً لمواصلة النقاشات إلى حين التوصل إلى اتفاق في 30 حزيران/يونيو 2015. وترافق هذا الاعلان مع نشر وثيقة أميركية تناولت أغلبية المشكلات المهمة بصورة تفصيلية. لكن لم تمر 24 ساعة على نشر تلك الوثيقة حتى اتهم وزير الخارجية الإيراني ظريف الإدارة الأميركية بنشر ورقة تفاهمات لا تمثل "الاتفاق". وهنا يتعين علينا أن نعير الاهتمام إلى الصمت المدوي للمرشد الأعلى الإيراني في هذا الشأن، وهو الذي في نهاية العقد الماضي رفض الموافقة على اتفاق بلوره آنذاك أحمدي نجاد مع تركيا والبرازيل من أجل تقييد البرنامح النووي الإيراني. من الضروري دراسة الرد الإيراني على الوثيقة الأميركية وموقف المرشد الأعلى منها.
•تشكل الحصيلة التي جرى التوصل إليها في لوزان تسوية إشكالية بين المفاوضين وهي تكشف الحرص الأميركي على التوصل إلى اتفاق وخوفاً واضحاً من مغبة عدم التوصل إليه ومن الحرب ومن عدم موافقة الدول العظمى الأخرى على فرض جولة جديدة من العقوبات. أما الإيرانيون فجاؤوا إلى طاولة المفاوضات من أجل تحقيق هدف واضح واحد هو الرفع الفوري للعقوبات التي أضرت بشدة بقطاعي الطاقة والمال في إيران. وهذه الرغبة في رفع العقوبات أجبرت الإيرانيين على إظهار المرون، لا سيما بعدما شعروا بأن الولايات المتحدة الأميركية تريد التوصل إلى اتفاق، وبعدم وجود بدائل لانهيار المفاوضات من دون اتفاق، ولذلك أجروا مفاوضات أكثر تشدداً من الدول العظمى.
•لذا نوصي بأن تدرس الولايات المتحدة من جديد إطاراً لبدائل شاملة، وأن تطور خيارات لمواجهة احتمال عدم التوصل إلى اتفاق، تشمل جولة عقوبات جديدة وخيارات دبلوماسية وعسكرية مقنعة.
الاتفاق من وجهة نظر
المؤيدين والمعارضين
•يعرض المؤيدون للاتفاق ثلاثة إنجازات أساسية: الأول: إعادة عجلة القدرة النووية في إيران إلى الوراء، ومنع إيران من تطوير قدرات جديدة لمدة تراوح بين 10 و15 عاماً، إلى جانب آليات رقابة غير مسبوقة. أما في ما يتعلق بتخصيب اليوارنيوم، فإن الاتفاق يعني تحييد 13 ألف جهاز طرد مركزي، وإخراج 10 أطنان من المواد المخصبة من إيران وهي كمية تكفي لصنع 7 إلى 8 قنابل نووية. وسيجري تخصيب اليوارنيوم فقط في أجهزة الطرد المركزي من الجيل الأول وعلى نسبة 3,67 %. وستتحول منشأة فوردو إلى منشأة أبحاث من دون مواد ذرية. أما مسار إنتاج البلوتونيوم فسيتوقف من خلال تحويل المفاعل في أراك إلى مفاعل لا يمكن فيه إنتاج البلوتونيوم من أجل السلاح. ثمة أمر مهم آخر هو منع الإيرانيين من بناء مفاعلات مياه ثقيلة ومراكز تخصيب في إيران خلال العقد القادم. وفي النهاية سيخضع الإيرانيون إلى رقابة وفق البروتوكول الملحق للجنة الطاقة الدولية الذي يضمن شفافية وامكانية وصول إلى عدد أكبر بكثير من السابق من المنشآت، إلى جانب رقابة تشمل للمرة الأولى المشتريات ومصانع إنتاج أجهزة الطرد المركزي.
•أما المعارضون للاتفاق فيعرضون وجهة نظر مختلفة تماماً ويتوقفون أمام مجموع القدرة التي ستبقى في متناول الإيرانيين، ويعبّرون عن تخوفهم من تطوير إيران قدرات جديدة، كما يستعرضون الثغرات الموجودة في نظام الرقابة ومحدوديته.
•ليس من المستغرب عدم تطرق الاتفاق إلى الأعمال السلبية الأخرى التي تقوم بها إيران مثل الأعمال التخريبية في الشرق الأوسط، وتهريب السلاح، وتطوير صواريخ بالستية بعيدة المدى، وتشجيع الإرهاب والمس بحقوق الإنسان. لكن في الاتفاق الذي وقع في كانون الثاني/يناير 2014 جرى فصل الموضوع النووي عن سائر القضايا التي تتورط فيها إيران، وأعطيت الأولوية إلى الموضوع النووي بوصفه تهديداً استراتيجياً وأكثر خطورة من المشكلات الأخرى في السياسة الإيرانية الخارجية والداخلية.
•لذ يتعين على الولايات المتحدة أن توضح أن الاتفاق النووي الجاري بلورته لا يعطي "ضوءاً أخضر" للإيرانيين من أجل مواصلة التخريب والإرهاب، كما يجب عليها أن تبدد الخوف الكبير في العالم العربي والسني وفي إسرائيل، من مغبة تحالفها الاستراتيجي مع إيران. ويجب عليها أن تبقى ملتزمة بالعقوبات المفروضة على إيران بسبب تورطها في الإرهاب وتهريب السلاح وانتهاك حقوق الإنسان، وتطوير صواريخ ونشرها.
إسرائيل والولايات المتحدة
•بسبب العلاقات السيئة وفقدان الثقة والاستقطاب في المواقف من الموضوع الإيراني بين إدارة أوباما وحكومة نتنياهو، لم يجر التوصل إلى اتفاقات ثنائية بين الدولتين.
•لذا نوصي بإجراء اتصالات بين الدولتين على المستوى المطلوب كي تستخدم الانتقادات الإسرائيلية للعيوب الواردة في الاتفاق أساساً من أجل ادخال تعديلات عليه قبل 30 حزيران/يونيو، ومن أجل التوصل إلى تفاهمات مشتركة وملائمة والحد من مخاطر الاتفاق على إسرائيل. ونوصي بالعمل على المستويات التالية: تحسين الاتفاق كي لا تستطيع إيران التقدم في ظله ببطء نحو العتبة النووية؛ التأكد من أن الرقابة والشفافية هما في الحد الأقصى وتشكيل آليات ثنائية للكشف المسبق عن الخروق؛ تعزيز قوة إسرائيل من خلال تقديم المساعدات ووسائل القتال التي تضمن ردع إيران عن خرق الاتفاق، وتعميق التفاهمات بشأن الرد الحازم على أي خرق.