•النشاط الذي أظهره رئيس الأركان اللواء غادي أيزنكوت خلال الشهر الأول من توليه منصبه يهدف إلى تحقيق هدفين، الأول: أن يقدم إلى مواطني إسرائيل "رزمة أمنية جديدة ونحيلة" تتلاءم مع الشرق الأوسط غير المستقر والمتفجر، ومع العدو الذي يستخلص الدروس ويراكم القدرات في مواجهتنا. أما الهدف الآخر فهو تقديم هذا الرد الأمني في ظل الغموض بشأن الموارد التي ستضعها الحكومة الجديدة والمجتمع في إسرائيل في متناول الجيش والمؤسسة الأمنية، وكذلك في ضوء عزلة إسرائيل الآخذة في الازدياد على الساحة الدولية، والأزمة في العلاقات مع الإدارة الأميركية.
•يواجه رئيس الأركان الجديد واقعاً تقلصت فيه الموارد الموضوعة في تصرفه ولم تعد كافية. وهو يأمل أن تكون هناك مع حلول ميزانية العام 2016 ميزانية تسمح للجيش ببلورة خطة عمل وتسلح منتظمة مداها الزمني عدة سنوات من أجل بناء القوة وتطويرها. في كل شهر يحصل الجيش على 1/12 من ميزانية 2014 التي مددت صلاحيتها بسبب الانتخابات، لكن لهذا الوضع ثمنه. ففي الوضع الحالي للميزانية من الصعب تمويل إعداد الجيش وتأهيله بما في ذلك بناء منظومة للدفاع عن الجبهة العسكرية والمدنية في الداخل في مواجهة الصواريخ والقذائف، وفي الوقت عينه تمويل تطوير التزود بالوسائل الجديدة التي تمنح الجيش تفوقاً نوعياً تكنولوجياً لما بين 5 أعوام و 20 عاماً.
•لقد كانت سنة 2015 أول سنة في تاريخ الجيش الإسرائيلي لا يحدث فيها تطوير وشراء سلاح جديد بحجم كبير. وجرى ذلك بناء على تعليمات من أيزنكوت بوصفه نائباً لرئيس الأركان ثم بوصفه رئيساً للأركان. وباتخاذه هذا القرار، أخذ رئيس الأركان على عاتقه مسؤولية كبيرة ومخاطرة ليست قليلة. ولا أحد يستطيع أن يضمن اليوم أن الجيش سيحصل في ميزانية 2016 على المطلوب، كما أنه لا أحد يستطيع أن يضمن لأيزنكوت بأن يوافق المجلس الوزاري الجديد على خطة العمل للسنوات الخمس المقبلة التي يقوم رجاله بإعدادها. فالمجلس الوزاري السابق لم يوافق بسبب صراعات القوى السياسية على أي من خطتي العمل اللتين أعدهما رئيس الأركان السابق بني غانتس ورجاله، فلماذا يُتوقع مع التركيبة الحالية للائتلاف الحكومي أن يحدث ذلك؟ لكن أيزنكوت قرر المخاطرة حيال المستقبل من أجل المحافظة على القدرة والتأهب الكاملين في الحاضر. وثمة سببان يدفعانه إلى هذه المخاطرة:
1-من الواضح في الوضع الحالي أن المعركة المقبلة قد تنشب في أي لحظة ومن دون إنذار على أي جبهة من الجبهات، وربما في جميع الجبهات في وقت واحد.
2-الدورس التي استخلصها أيزنكوت من فقدان الكفاءة والاستعداد لدى سلاح البر خلال حرب لبنان الثانية، وفي الفترة التي سبقت عملية "الجرف الصامد" في الصيف الأخير. ويعود هذان السببان إلى سعي الجيش للتأقلم مع ظروف عدم توفر موارد مالية كافية.
•ويكفي التذكير أنه بسبب التقليصات في الميزانية التي واجهها الجيش في النصف الثاني من سنة 2013 ومطلع سنة 2014، قرر رئيس الأركان السابق غانتس الوقف الكامل لجميع التدريبات في ربيع ذلك العام. وتسببت هذه الخطوة بتراجع استعداد سلاح البر وقدراته بصورة كبيرة وبخاصة فرق الاحتياطيين.
•
•إن فقدان التأهب في الجيش يؤدي إلى تأكل الردع ويقرّب الحرب بدلاً من إبعادها. لا يريد أيزنكوت التورط في وضع لا يستطيع فيه الرد بالقوة الكاملة في أي لحظة. وهذا يتطلّب تدريبات شاملة في جميع أذرع الجيش، واستكمال مخازن السلاح وقطع الغيار في مخازن الطوارئ، والتأهيل الكامل لكل طائرة وقطعة بحرية، وللدبابات ولناقلات الجند المدرعة، والاستكمال السريع قدر الممكن لمنظومة الدفاع الجوية.
•ومن أجل فهم المسألة بعمق يجب أن نعرف أن الوضع المفترض الذي يتدرب عليه الجيش يسمى "دينامية التصعيد". فمنذ بدء الاضطرابات في العالم العربي قبل أربعة أعوام، لم تعد الحروب في الشرق الأوسط نتيجة مبادرة مخطط لها من جانب طرف معين، بل لم يكن أي طرف من الأطراف المتورطة وزعاماتهم ترغب فيها.
•إن التقدير الحديث لشعبة الاستخبارات في الجيش هو أنه في الفترة الحالية ليس هناك لدى جميع أعداء إسرائيل، القريبين منهم والبعيدين، أي سبب للدخول في مواجهة معها في ساحة القتال. كما ليس لدى إسرائيل سبب للمبادرة إلى شن حرب ضدهم. لا بل على العكس، فإن جميع الأطراف بمن فيهم الإيرانيون وإسرائيل، لديهم مصلحة واضحة لتأجيل الجولة المقبلة والحرب المقبلة أطول وقت ممكن.
•لكن على الرغم من ذلك، فإن "دينامية التصعيد" قد تدفع الجميع إلى التصرف بطريقة تتعارض مع رغباتهم ومصالحهم. وخطر حدوث ذلك كبير خاصة بين نهاية آذار/مارس وحزيران/يونيو.
•إن "الانتفاضة السياسية" التي بادر إليها ويقودها أبو مازن على الساحة الدولية، والخطوات الانتقامية الاقتصادية التي اتخذتها إسرائيل ضده من خلال تجميد نقل أموال الضرائب إلى السلطة الفلسطينية، من شأنها ان تؤدي إلى تأجيج العنف والارهاب الشعبي على نطاق واسع في يهودا والسامرة [الضفة الغربية]. وكذلك في غزة، فإن أزمة إعادة الإعمار والضائقة الاقتصادية المدنية قد تدفع "حماس" إلى الدخول في مواجهة مع إسرائيل، على الرغم من أن القيادتين السياسية والعسكرية للحركة تقولان بوضوح إنهما لا ترغبان في مواجهة معنا.
•ويجب ألا ننسى أن استمرار أزمة العلاقات بين حكومة نتنياهو وإدارة أوباما قد يدفع الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة إلى استنتاج أنهم قادرون على المخاطرة في مواجهة مع إسرائيل، وأن الأميركيين والأوروبيين سيتجندون من أجل كبح الجيش الإسرائيلي.
•وتزداد خطورة "دينامية التصعيد" على الجبهة الشمالية، ففي نهاية 2014 وبداية السنة الحالية بدا أن الإيرانيين قرروا مع حلفائهم، حزب الله والسوريين، أنهم لم يعد في إمكانهم ممارسة المزيد من ضبط النفس تجاه إسرائيل.
•في نهاية حزيران/يونيو سيوقع الاتفاق بين الدول الكبرى وإيران بشأن موضوع البرنامج النووي الإيراني. وإذا لم يوقع الاتفاق، فثمة احتمال أن يحاول الإيرانيون المضي قدماً نحو صنع قنبلة نووية. وستضطر إسرائيل في حال حدوث ذلك أن تقرر ما إذا كانت ستهاجم المنشآت النووية في إيران أو ستمتنع عن ذلك.
•وستواجه الإدارة الأميركية القرار عينه. وفي ضوء هذا كله يمكن أن نفهم لماذا لا يسمح أيزنكوت لنفسه بالإقدام على مخاطرة مدروسة مثل تلك التي قام بها غانتس خلال السنة الماضية؛ ولماذا قرر أن يكون الجيش الإسرائيلي في أقصى حالات الجهوزية والأهلية في أي لحظة.
•ولكن أيزنكوت من خلال تجربته نائباً لرئيس الأركان يعرف أن تقليص الشراء والتسلح لن يوفر له الميزانية المطلوبة من أجل القيام بالاستعدادات والتأهب. ولهذا قرر عندما أصبح رئيساً للأركان الاستمرار في تقليص جذري لعدد النظاميين في الجيش. علاوة على ذلك، يلغي أيزنكوت المزيد من وحدات الاحتياطيين ويقيل الآلاف منهم من الخدمة من أجل السماح بتوظيف المال في تدريبات وحدات الاحتياطيين النوعية وبصورة خاصة النظامية.
•كما قرر أيزنكوت إعادة النظر في العقيدة القتالية للجيش الإسرائيلي تحت إشراف اللواء يوآف هار- أيبان، وأصبحت عملية صوغ هذه العقيدة في مراحل متقدمة بعد أن برزت الحاجة إلى ذلك بإلحاح بعد "الجرف الصامد" عندما خرج أنصار "حماس" من المخابئ تحت الأرض ومن تحت الركام وهم يرفعون شارة النصر معلنين أنهم "انتصروا". وسيكون هدف خطة العمل استخدام القوة في مواجهة تنظيمات غير دولتية و"الانتصار" عليها بسرعة، وليس في عشرات من الأيام تتعرض فيها الجبهة الخلفية للضربات.
•من المهم الإشارة إلى ان رئيس الأركان الـ21 لم يكتشف البارود، فجزء من الخطوات التي اتخذها اتخذت خلال فترة غانتس عندما كان أيزنكوت نائباً له ومشاركاً كبيراً في قيادة الأركان العامة، كما شارك مع وزير الدفاع يعالون في استخلاص دروس "الجرف الصامد" وفي إدارة المواجهة المحدودة مع حزب الله في الشمال. لكنه لم ينتظر وبدأ بتطبيق هذه الخطوات فوراً.