•يمكن القول إن أمراً جللاً يحدث أمام أبصارنا في الشرق الأوسط. فعلى مدار أكثر من 30 سنة يقوم النظام في طهران بنشاطات تآمرية وإرهابية في المنطقة بهدف توسيع سيطرته ونفوذه. ومع ذلك، فحتى الأسبوع الأخير لم يتجرأ أحد على الخروج للقتال ضد إيران أو وكلائها، وانفردت إسرائيل بمحاربة حزب الله من داخل الحزام الأمني [في جنوب لبنان] لمدة 18 سنة، وما تزال تقف أمامه منذ 15 سنة أخرى في منطقة الحدود اللبنانية، وربما ستقف أمامه في المستقبل في الجولان أيضاً. وفي جولات الحرب الثلاث في غزة - خلال السنوات 2008 و2012 و2014 - كانت إيران مصدر الصواريخ التي استخدمت ضدنا.
•في الأشهر الأخيرة سيطر المتمردون الحوثيون على الجزء الغربي من اليمن بما في ذلك على شاطئ البحر الأحمر. ويطل الشاطئ الغربي من اليمن على مضائق باب المندب وهي المدخل الضيق لمسار الإبحار في البحر الأحمر الذي يربط بين المحيط الهندي وقناة السويس. وإغلاق باب المندب يقطع التجارة بين آسيا والغرب ويستوجب التفافاً باهظ الثمن من جنوب قارة إفريقيا. وتلقى المتمردون الحوثيون وهم شيعة من ناحية دينهم، تدريباً عسكرياً من طرف حزب الله ودعماً من إيران. وبالنسبة لإسرائيل تشكل السيطرة الإيرانية على مداخل البحر الأحمر خطراً استراتيجياً حقيقياً.
•للسعودية حدود برية مع اليمن يبلغ طولها 1800 كيلومتر. ولا شك في أن انقسام الدولة اليمنية وإقامة دولة لتنظيم القاعدة في شرقها ودولة بحماية إيرانية في غربها، تهديد خطر على أمن المملكة. ولذا بادرت السعودية الأسبوع الفائت إلى شن هجوم عسكري ضد الميليشيات الحوثية التي تسيطر على غربي اليمن. وقد ضمت إليها كلاً من مصر ودول الخليج والسودان والمغرب. ولأول مرة يحارب ائتلاف من عشر دول عربية ضد السيطرة الإيرانية، ولم تعد إسرائيل تقف وحدها في مواجهة إيران.
•يمكننا أن نستخلص عدة استنتاجات من التطورات الأخيرة التي تحدث في اليمن الآخذ في الانقسام: أولاً، أن الجبهة الإقليمية ضد إيران التي تتكون أساساً من الضحايا المحتملين لعدوانها وطموحها للسيطرة، لم تعد فكرة نظرية بل باتت جبهة حقيقية ومقاتلة؛ ثانياً، أن السعودية تحت حكم العاهل الجديد الملك سلمان تتخذ موقفاً قيادياً رائداً في المنطقة ولا سيما في كل ما يتعلق بإقامة جيش مشترك لدول الخليج ومصر؛ ثالثاً، أن مصر التي أرسلت قوة بحرية إلى مياه اليمن لن تتردّد في استخدام جيشها الذي يُعد الجيش الأكبر في المنطقة بعيداً عن حدودها.
•كما يمكننا أن نستخلص من هذه الحملة في اليمن أن السعودية نفضت عن كاهلها التبعية المطلقة للولايات المتحدة، وأنه حين يدور الحديث حول مصلحة أمنية حيوية، فإن السعودية ستعتمد على نفسها وعلى شركائها الطبيعيين.
•ما هي الزاوية الإسرائيلية لهذا التحول الإقليمي الجديد؟ إن الدول الأعضاء في الائتلاف المحارب في اليمن ليست من محبي صهيون، لكن معظمها يتوق الى التعاون مع إسرائيل في مواجهة التهديد الإيراني. غير أن تعاوناً كهذا لن يحدث ما دامت إسرائيل تسيطر على مناطق الضفة الغربية وطالما أن حكومتها تتعامل باستخفاف مع مبادرة السلام العربية التي بادرت إليها السعودية سنة 2002 وما تزال تتمسك بها حتى يومنا هذا. وإسرائيل لا يمكنها أن ترتبط بشركائها المحتملين في المنطقة مع سيطرة الحكومة التي تم انتخابها هذا الشهر.
•وفي مضائق باب المندب ثمة شاطئ آخر مقابل اليمن هو شاطئ إريتريا التي فُرضت عليها عقوبات دولية بمبادرة من الولايات المتحدة بسبب الدعم الذي تقدمه لمنظمة الشباب الإسلامية في الصومال على الرغم من كونها دولة شبه مسيحية. وبوسع إسرائيل أن تكون الجهة المبادرة إلى رفع العقوبات عن إريتريا ودمجها ضمن نظام أمني جديد في البحر الأحمر. لكن حتى هذه المبادرة السياسية المتواضعة لا يمكن لحكومة بنيامين نتنياهو أن تتخذها بسبب وضعها الدولي السيئ.