معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
•منذ بداية العام 2015، تعيش إسرائيل وضعاً من الهدوء في مواجهة لاعبين اشتبكت معهما عسكرياً في الأشهر الأخيرة، فالحرب ضد حركة "حماس" في قطاع غزة في صيف العام 2014، والهجمات المتبادلة بينها وبين حزب الله على الجبهة الشمالية في كانون الثاني/يناير 2015، توقفت مؤقتاً ولم تتجدد.
•ووفق تحليل خريطة المصالح الشاملة، لا يرغب أي من الأطراف المعنية - إسرائيل وحركة "حماس" وحزب الله - في البدء بجولة أخرى من القتال في الوقت الحالي. بيد أنه وفق خريطة القوى الفاعلة التي تؤثر في الاعتبارات الاستراتيجية للاعبين، وخصوصاً في المزاج العام في كل من قطاع غزة ومصر وسورية حسب ما تعكسه مواقع التواصل الاجتماعي، يبدو أنه إذا استمرت الاتجاهات الحالية على الجبهتين، وعلى الرغم من عدم الرغبة المشتركة [في التقاتل]، فلا مفر من مواجهة في المستقبل المنظور على الجبهتين.
•في ضوء ما تقدم، علينا أن نسأل كيف تجد إسرائيل نفسها حالياً في خضم هذه المفارقة، التي يفتقر فيها تنظيما المقاومة المذكوران إلى الرغبة والمشروعية العامة في الوقت الحالي لشن حرب ضدها، فيما هي لا ترغب في ذلك أيضاً، من جهة، بينما من جهة أخرى يشير تحليل الأحداث والاتجاهات العامة في قطاع غزة وجنوب سورية، إلى أن مواجهة عسكرية على هاتين الجبهتين لا مفر منها عملياً في المستقبل المنظور. وعليه نتساءل كيف أن اللاعبين الثلاثة الذين يجمعهم حالياً قاسم مشترك بوصفهم غير معنيين بخوض حرب جديدة، يجدون أنفسهم على قاب قوسين منها؟
قطاع غزة أشبه بقدر يغلي
•لكي نفهم الواقع السياسي في قطاع غزة، من الضروري أن نركز على جانبين رئيسيين مؤثّرين في حركة "حماس". الأول وأكثرهما تأثيراً هو سياسة مصر مثلما هي آخذة في التشكل في ظل رئاسة عبد الفتاح السيسي، إذ ترى مصر في جماعة الإخوان المسلمين وحركة "حماس" تهديداً لاستقرارها. عندما انتخب السيسي رئيساً لمصر صرح متعهداً بأنه"لا وجود لما يسمى بجماعة الإخوان المسلمين في فترة رئاستي". وهذه مقاربة مطبّقة بشكل منهجي منذ لحظة تسلّمه زمام الحكم، بل هي أضحت أكثر تشدداً بعد موجة التفجيرات في شبه جزيرة سيناء في كانون الثاني/يناير 2015 حين قتل أكثر من 30 من الجنود والضباط المصريين على يد التنظيم السلفي "جماعة أنصار بيت المقدس".
•وفي أعقاب سلسلة التفجيرات في سيناء، وعلى الرغم من عدم وجود صلة مباشرة بين جماعة الإخوان المسلمين- لا أيديولوجية ولا عملانية – وبين المنظمة التي أعلنت مبايعتها لتنظيم "داعش"، اتهم النظام المصري الإخوان بممارسة العنف، بل هو زعم أن الجناح العسكري لحركة "حماس" شارك في الاعتداء وأن قسماً من السلاح الذي تم العثور عليه في مكان التفجيرات مصدره قطاع غزة. وأخيراً، قضت محكمة في القاهرة [للأمور المستعجلة] باعتبار "[كتائب] عز الدين القسام"، الجنــــاح العسكري لحركـــة "حماس"، منظمة إرهابية. وفــي موازاة ذلـــك، هنــاك ضغط إعلامي وجماهيـــري للعمــل ضد التنظيم – بل إن قنوات تلفزة مصرية تشجع السيسي على القضاء على حركة "حماس" حتى لو استدعى الأمر الدخول إلى قطاع غزة. كل هذا يُضاف إلى العداوة القائمة بين القاهرة والنظام في قطاع غزة، ويؤكد التقديرات المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي والتي مفادها أن مصر في ظل رئاسة السيسي لا ترغب في رؤية إعادة إعمار قطاع غزة في ظل حكم "حماس" بعد عملية "الجرف الصامد".
•علاوة على ذلك، يتضح من مواقع التواصل الاجتماعي أنه من وجهة نظر مصر، فإن إسرائيل "لم تنجز المهمة"، وأن مصر معنيّة بإسقاط حكم "حماس" في قطاع غزة.
•أما العامل الثاني والثانوي من حيث الأهمية، والذي يدفع حركة "حماس" إلى الزاوية، فهو ميزان القوى الداخلي في مواجهة السلطة الفلسطينية. في الوقت الراهن، اتفاق المصالحة بين الضفة الغربية وقطاع غزة غير قابل للتحقيق. ومن الواضح أن عودة السلطة إلى قطاع غزة غير قابلة للتحقيق. إن تضافر الوضع الصعب في قطاع غزة نتيجة عملية "الجرف الصامد" مع إجراءات مؤثرة من الجانب المصري تستهدف التضييق على حركة "حماس" (إقامة منطقة عازلة في الجانب المصري على الحدود مع شبه جزيرة سيناء ورفح، وإغلاق معبر رفح وتدمير منازل في رفح، ورغبة النظام المصري في القضاء على حركة "حماس")، وأيضاً عدم تحويل أموال من السلطة الفلسطينية إلى حركة حماس وتجميد أموال المساعدات التي تعهدت بها الدول العربية من أجل إعمار القطاع، كل ذلك يؤدي إلى إضعاف قدرة حركة "حماس" على الحكم في قطاع غزة وإلى غضب وغليان جماهيري عام فيه.
•ومن خلال رصد المحادثات على مواقع التواصل الاجتماعي في قطاع غزة، ترتسم صورة قاتمة للوضع توحي بأن قطاع غزة على وشك الانهيار وأنه أشبه بقنبلة يدوية سحبت منها حلقة الأمان.
•وتبعاً لذلك، وعلى الرغم من أن حركة "حماس" غير معنية بالحرب، فهي تعاني من ضائقة شديدة وهي مجدداً على منحدر زلق قد يفضي بها إلى اختيار المواجهة العسكرية مع إسرائيل لتخليص نفسها من الضائقة التنظيمية ومن الانتقاد العام الذي تتعرض له داخل قطاع غزة.
•المعادلة الشمالية: أما حزب الله، فعلى رأس جدول أعماله ثلاثة تحديات ليست المواجهة المباشرة مع إسرائيل إحداها.
•أولاً، منذ أيار/مايو 2014، لا يوجد رئيس في لبنان. وعلى هذه الخلفية، حزب الله منشغل في حوار مع "تيار المستقبل" الهدف منه صوغ تفاهمات لتسوية موضوع الرئاسة، وفي الوقت نفسه ضمان موقع التنظيم في الدولة اللبنانية. ثانياً، يسعى حزب الله إلى صدّ تغلغل التشدد السني المتنامي بقيادة جبهة النصرة وتنظيم "داعش" إلى داخل لبنان. وثالثاً، الحرب التي يشنها حزب الله في سورية للدفاع عن نظام بشار الأسد وإضعاف خصومه، والتي تقتضي توظيف موارد كثيرة - طاقات بشرية ووسائل قتالية - والتي تجبي منه ثمناً عسكرياً وسياسياً.
•وفي العام الخامس من اندلاع الحرب الأهلية في سورية، وجد حزب الله نفسه أمام معضلة استراتيجية جوهرية، فقد تحصّن الثوار بقيادة "جبهة النصرة" في مرتفعات هضبة الجولان من مدينة القنيطرة وإلى الجنوب منها، في حين تعاظمت سيطرة حزب الله شمالي هذه المنطقة. ويشكل تقدم الثوار شمالاً باتجاه مدينة دمشق والحدود السورية - اللبنانية، تهديداً استراتيجياً لنظام الأسد ولحلف إيران - سورية - حزب الله. ومن هنا، فإن حزب الله مضطر للعمل على صدّ تقدم الثوار ودحرهم عن المناطق التي تحصنوا فيها، وقد بدأ عملية عسكرية مع قوات فيلق القدس الإيراني في محافظة درعا. وتراقب إسرائيل بقلق إنشاء بنى تحتية حصينة لحزب الله بدعم إيراني في هضبة الجولان، إذ أن سيطرة إقليمية لحزب الله في هضبة الجولان هي بمثابة تهديد كامن ضدها. وإذا لمست إسرائيل أن الأمر بات ينذر بتهديد ملموس، فسوف يزداد احتمال أن تعمل على إحباطه. وتبعاً لذلك، إذا أقدم حزب الله على تحقيق طموحه بالسيطرة على هضبة الجولان، فمن المتوقع أن يجد نفسه في مسار تصادم مع إسرائيل.
خلاصة
•على الرغم من الفوارق، جغرافياً واستراتيجياً، بين الجبهة الشمالية، وبين الجبهة الجنوبية، فإن أياً من الأطراف لا يبدو معنياً بالتصعيد. وفي المقابل، يمكن القول إنه في الحالتين، من شأن التطورات الإقليمية، ولا سيما صعود الجهاد السلفي، أن تولّد ردود أفعال متسلسلة تضرب موجاتها قطاعاً محدوداً، وتزعزع بشكل غير مباشر الاستقرار في ساحات المواجهة بين إسرائيل ودول الجوار. وفي شبه جزيرة سيناء ينشط تنظيم "أنصار بيت المقدس" ضد النظام المصري ويعمل على زعزعة استقراره- بوسائل متعددة من ضمنها ما يُنسب له من اتصالات بحركة "حماس" في قطاع غزة. إن تصعيد نشاط "أنصار بيت المقدس" ورداً معاكساً من النظام المصري قد يشمل ضغطاً إضافياً على حركة "حماس" في قطاع غزة، من شأنهما التسبب في انفجار في قطاع غزة قد يُوجّه ضد إسرائيل. كما أن وجود قوات جبهة النصرة في هضبة الجولان يشكل خطراً على مصالح نظام الأسد وحزب الله في نطاق نفوذهم من دمشق جنوباً وصولاً إلى بيروت. وقد يؤدي رد معاكس من حزب الله إلى اندلاع مواجهة بينه وبين إسرائيل.
•يبدو هذان السيناريوان، أي مواجهة عسكرية بين إسرائيل وحركة "حماس" في قطاع غزة، وبين إسرائيل وحزب الله في جنوب سوريا، محتملَين في المستقبل المنظور.
•والتقييم السائد هو أن تغييراً استراتيجياً للواقع في قطاع غزة وفي جنوب سورية، قد يكون نتيجةً مبادرة سياسية، أو بسبب تغير في موازين القوى الإقليمية، أو أي تطور آخر، يمكن أن يحرف اللاعبين عن مسار التصادم.