معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
•إن الزيارة التي قام بها رئيس روسيا فلاديمير بوتين إلى مصر يومي 9 و10 شباط/فبراير 2015، هي الأولى منذ زيارته الأخيرة إليها العام 2005 في عهد مبارك. وكان أبرز نتائج هذه الزيارة التي عكست التحسن الملحوظ للعلاقات بين الدولتين في العامين الأخيرين، التوقيع على مذكرة تفاهم لبناء محطة طاقة نووية في غرب مصر [في منطقة الضبعة] بمساعدة روسيا. كما وقّع الجانبان على اتفاقيات إضافية، اقتصادية وتجارية، تعبيراً عن زيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين في الأعوام الأخيرة. وسبقت زيارة بوتين إلى مصر زيارات متبادلة لمسؤولين كبار من الجانبين: في تشرين الثاني/ نوفمبر 2013، وصل وفد روسي مشترك ضمّ وزيري الدفاع والخارجية في أوّل زيارة من نوعها إلى مصر؛ وفي شباط/فبراير 2014، قام [عبد الفتاح] السيسي (بوصفه آنذاك وزيراً للدفاع) ووزير الخارجية المصري بزيارة مشتركة إلى موسكو. ووصل السيسي إلى موسكو في آب/أغسطس 2014 في زيارة ثانية، لكن بوصفه رئيساً لمصر هذه المرة.
•هناك مسألة لم تتضح بعد في زيارة بوتين هذه إلى القاهرة، هي صفقة الأسلحة بين الدولتين. في أعقاب زيارة وزيري الدفاع والخارجية الروسيّين إلى مصر في تشرين الثاني/نوفمبر 2013، أُشيعت معلومات غير رسمية، أساساً من الجانب الروسي، حول اتفاق الدولتين على صفقة أسلحة روسية إلى مصر بقيمة تراوح بين 3 مليارات و3,5 مليارات دولار، على أن تشمل طائرات مقاتلة من طراز "ميغ-29"، ومروحيات هجومية من طراز "مي-35"، وأنظمة دفاع جوي متطورة بعيدة المدى. وكان من المفترض أن تموِّل العربية السعودية والإمارت العربية المتحدة هذه الصفقة. ولكن، لا يوجد تأكيد رسمي لبدء تنفيذ الصفقة أو لخبر إبرامها. كما أشيعت معلومات خلال زيارة بوتين، من الجانب الروسي أساساً، أفادت أنه جرى التوقيع على الخطوط العريضة للصفقة، لكن التصريحات الرسمية للجانبين لم تأتِ على ذكرها.
•عكست سلسلة الزيارات المتبادلة هذه التقاء مصالح بين روسيا ومصر. فمن ناحية مصر، فإن التقارب مع روسيا هو إلى حد بعيد نتيجة لحدوث احتكاكات في العلاقات بين نظام السيسي والولايات المتحدة. فالقيادة المصرية غاضبة من تدخل إدارة أوباما في شؤون مصر الداخلية في بداية "الربيع العربي" عندما دعت الإدارة مبارك علناً إلى التنحي عن السلطة. علاوة على ذلك، وجّهت القيادة المصرية انتقادات حادة لتحفظ الإدارة الأميركية من إطاحة حكم "الإخوان المسلمين" وعزل الرئيس السابق محمد مرسي من قبل المجلس الأعلى للقوات المسلحة في منتصف العام 2013. ويسود شعور في قمة هرم نظام السيسي بأن الإدارة الأميركية فضّلت حكومة "الإخوان"، المنتخبة بديمقراطية وحرية، وأنها لا تدرك أن غالبية الشعب المصري أيّدت إطاحة حكم "الإخوان" من جراء سياسته الفاشلة. وينبع غضب المصريين أساساً من قرار الإدارة الأميركية في صيف 2013، تجميد قسم من المساعدة العسكرية وعدم إرسال طائرات إف-16 ومروحيات "أباتشي" إلى مصر، وإلغاء مناورات عسكرية مشتركة كانت مخططة سابقاً. وقد أعلن السيسي أنه لن ينسى للإدارة الأميركية ذلك.
•في حزيران/يونيو 2014، وبعد مرور نحو عام على نشوء توتر بين الإدارة الأميركية والقيادة المصرية، وبعد انتخاب السيسي رئيساً لمصر، وصل وزير الخارجية جون كيري إلى القاهرة في محاولة لترميم العلاقات بين الدولتين. وأعلن كيري خلال الزيارة أن الانتخابات الرئاسية المصرية تُعدّ "انتخابات تاريخية"، وبذا منح شرعية لإطاحة حكم "الإخوان" ولقيادة السيسي. وقبيل الزيارة وفي أعقابها، أعلنت الإدارة الأميركية استئناف منح أموال المساعدة العسكرية لمصر بشكل كامل، وشحنات الطائرات المقاتلة والمروحيات، المعلقة منذ عزل الرئيس مرسي. وعلى الرغم من ذلك، بقي بعض التوتر في العلاقات بين الدولتين. ولا تزال الإدارة الأميركية تنتقد سجن صحافيين وقمع معارضين سياسيين، وانتهاكات أخرى لحقوق الإنسان من قبل النظام المصري. كما تشكك الإدارة بزعم النظام المصري القائل بأن "الإخوان" مرتبطون بتنفيذ أعمال إرهابية، وتطالبه بالتحاور مع هذه الجماعة. وتبعاً لذلك، تشعر القيادة المصرية بأن دعم إدارة أوباما لها متحفّظ لأن الإدارة لا تفهم مشكلات مصر الداخلية وضرورات محاربة "الإخوان" والتنظيمات الجهادية.
•في المقابل، روسيا دعمت نظام السيسي منذ البداية من دون تحفظ، وأعربت عن تفهم إجراءاته في مجالات أمن الجبهة الداخلية، وأقدمت على خطوات تهدف إلى تطوير العلاقات معه. ومن هنا، يميل نظام السيسي إلى توطيد وتوسيع نطاق العلاقات مع روسيا، كي يُفهِم الإدارة الأميركية أنه لا يعتمد عليها فقط.
•إن مصلحة روسيا في توسيع مجالات التعاون بينها وبين مصر بما يشمل تزويدها بوسائل قتالية لم تزودها لأحد مثلها في منطقة الشرق الأوسط، لا تنبع من اعتبارات اقتصادية فحسب، بل وأيضاً لأنها تريد لعب دور فاعل في المنطقة بهدف ترميم مكانتها فيها كلاعب مؤثر. ويهمها تعزيز هذه المكانة من قبيل الرد على وضعها الدولي المعقد والإشكالي نتيجة المواجهة المتفاقمة بينها وبين الغرب بسبب الأزمة في أوكرانيا التي احتلت صدارة جدول الأعمال الدولي خلال العام الأخير. وتهدف جهود تعزيز الوجود الروسي الفاعل في منطقة الشرق الأوسط إلى تحصين وضعها الإقليمي، واكتساب أداة لمناطحة الغرب في المواجهة المتصاعدة معه. وترمي محاولة روسيا فتح جبهة مواجَهة في منطقة الشرق الأوسط ضد الغرب، ضمن أمور أخرى، إلى تعزيز مكاسبها في هذه المنطقة، من أجل تخفيف الضغط عن كاهلها في شرق أوروبا. وفي الوقت ذاته، من شأن إعادة روسيا توطيد أقدامها في الشرق الأوسط أن يعوّضها عن تأكل نفوذها في هذه المنطقة نتيجة سلسلة من التطورات: الضعف المتزايد لسورية التي هي ركيزة روسيا الرئيسية في منطقة الشرق الأوسط؛ سلوك إيران الملتبس إذ أنها تجري حواراً مباشراً مع الغرب- أساساً في مسعى لحل أزمة الملف النووي- في موازاة حوارها الدائر مع روسيا؛ خسارة مواقع لها في أكثر من دولة عربية في أعقاب ثورات "الربيع العربي". وعليه، يشكل استئناف الحوار مع مصر وتطوير العلاقات معها بالنسبة إلى روسيا، مكسباً سياسياً استراتيجياً مهماً.
•وفي إطار إعادة روسيا توطيد أقدامها في منطقة الشرق الأوسط، علاوة على الحفاظ على العلاقات الوثيقة مع كل من سورية والعراق وإيران وتحسين العلاقات مع مصر، بعد فترة طويلة من البرودة، تمكنت، من تحسين علاقاتها مع معظم الدول السنية، ومن بينها العربية السعودية ودول الخليج والأردن ولبنان ودول شمال أفريقيا. وفي كانون الأول/ديسمبر 2014، بعد سنوات من التوتر بين روسيا وتركيا، قام بوتين بزيارة إلى أنقرة. وفي كانون الثاني/يناير 2015، زار وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو إيران. وتسعى روسيا لأن تنظم في موسكو مؤتمراً يجمع ممثلي الأطراف المتنازعة في سورية. ويُذكر أن جولة بوتين الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط، والتي زار فيها مصر، كان من المفترض أن تشمل زيارة لإسرائيل والسلطة الفلسطينية، لكن هذه الزيارة أُرجئت إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية في شهر آذار/مارس المقبل.
•وعلى خلفية هذه التطورات، يتعين على روسيا أن تناور في صراعات النفوذ في منطقة الشرق الأوسط بين الشيعة والسنة، كما عليها أن تأخذ في الحسبان صراع التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ضد تنظيم "الدولة الإسلامية"، علماً بأن روسيا لم تتبنّ تجاهه حتى الآن سياسة واضحة على الرغم مما يمثله الإسلام المتشدد من تهديد مباشر لها. ومن هنا، قد تكسب روسيا من خلال الاستناد إلى لاعب مركزي كمصر، مزيّةً إضافيةً في إطار سعيها إلى تحقيق أهدافها في منطقة الشرق الأوسط وفي الساحة العالمية.
•يتوقف مدى توسيع وتعميق العلاقات بين مصر وروسيا منذ الآن وصاعداً على مصر بشكل أساسي، فلروسيا مصلحة واضحة في توسيع هذه العلاقات قدر الإمكان، ولا سيما في المجال العسكري، بعد تجميدها إثر تعليق توريد الأسلحة الروسية إلى مصر منذ العام 1974. ولكن، لا تبدو فرصةُ استئناف التعاون بين روسيا ومصر مثلما كان عليه في حقبة الاتحاد السوفياتي، أي قبل أن تنفتح مصر على الغرب، كبيرةً. فمن الأرجح أن تفضل مصر الحفاظ على تعاونها الاستراتيجي مع الولايات المتحدة إذ تعتمد مصر منذ ثمانينيات القرن الماضي على السلاح الأميركي وعلى شبكة علاقات تربطها بالجيش الأميركي، وليس لها مصلحة في إلحاق الضرر بهذه العلاقة الحيوية وبالمساعدة الاقتصادية والعسكرية الأميركية. كما أن روسيا، برغم مكاسبها الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط، لا تزال بعيدة عن احتلال مكانة مساوية لمكانة الغرب – سواءً في المنطقة أو في الساحة العالمية. ولهذا السبب، تركز مصر في هذه المرحلة على توسيع العلاقات الاقتصادية والتجارية والتكنولوجية مع روسيا، بما في ذلك في المجال النووي. ويبدو أنه حتى لو قررت مصر شراء سلاح من روسيا، فهي ستفضل صفقة محدودة نسبياً بحيث لا تدفع الإدارة الأميركية إلى الردّ بتقليص علاقاتها العسكرية معها.