من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
•ليس هذا هو تماماً الشرق الأوسط الجديد الذي حلم به شمعون بيرس، بل هو واقع إقليمي جديد آخذ في التبلور. من الصعب قليلاً متابعة التطورات المتسارعة على الحدود الإسرائيلية، وخصاة عندما تخصص وسائل الإعلام معظم اهتمامها لأمور مصيرية مثل الدعايات الانتخابية ومصاريف عائلة نتنياهو المفرطة. ولكن للتغيرات الإقليمية انعكاسات على الوضع الأمني للدولة بدأت تظهر الآن. ومع أن الجيش الإسرائيلي لا يزال أقوى جيش في منطقة الشرق الأوسط على حد قول رئيس الأركان السابق بيني غانتس في حفل التسلم والتسليم مع غادي آيزنكوت، فإنه يبدو أقل ثقة بتفوّقه ولا سيما في قدرته على ترجمة هذا التفوّق إلى انتصار حاسم في حرب جديدة.
•والجبهة الشمالية هي مسرح التغيير الأبرز في مطلع العام الخامس من الاضطرابات التي اجتاحت العالم العربي، فعلى حدود إسرائيل مع سورية ولبنان، تتقاطع في الوقت الحالي ثلاثة مسارات: نجاح جهود بقاء نظام الأسد خلافاً لأكثر التوقعات الأولية؛ تطور رؤية متعددة الساحات للصراع ضد إسرائيل؛ والصعود الجلي للتدخل العسكري الإيراني في المنطقة، وهذا بارز أيضاً على مقربة من حدود إسرائيل.
•من جهة أخرى، خفّفت الولايات المتحدة في الشهور الأخيرة لهجتها المعادية للرئيس السوري على الرغم من أن النظام لا يزال يستخدم تكتيكات قتالية فتاكة ضد تنظيمات المعارضة والمواطنين في مناطق سيطرتها... ويستهدف الهجوم في جنوب [سورية] إبعاد خطر الثوار عن دمشق، لكن أيضاً عرقلة ما يعتبره الأسد وحلفاؤه خطر تشكّل شريط حدودي أمني مؤيد لإسرائيل. فهم يخشون سيطرة عدد من تنظيمات الثوار على هذا الشريط على طول الحدود في هضبة الجولان. ومن شأن استعادة سيطرة قوات النظام على المنطقة المحاذية للحدود التي يسيطر حالياً فقط على جزئها الشمالي، أن تعزز التهديد المستقبلي ضد إسرائيل، فالمحور الشيعي المتشدد وكباقي خصوم إسرائيل في المنطقة، يسعى الى إيجاد تهديد واسع متعدد الساحات يستطيع بواسطته مهاجمة إسرائيل (بالصواريخ أساساً) من عدة جهات. بالإضافة إلى ذلك، ذكرت وسائل إعلام عربية – نقلاً عن حركة "حماس" - أن الحركة تنوي إيجاد أرضية إرهابية تمنكها من إطلاق صواريخ باتجاه الجليل انطلاقاً من أراض لبنانية في حال اندلاع مواجهة أخرى مع إسرائيل في قطاع غزة.
•ومن جهته، ادعى أمين عام حزب الله [السيد] حسن نصر الله، في خطاب ألقاه في نهاية كانون الثاني/يناير [2015]، أن قواعد اللعبة تغيرت في الشمال، وألمح إلى تشكّل جبهة واحدة يستطيع حزب الله العمل فيها ضد إسرائيل انطلاقاً من سورية رداً على هجوم إسرائيلي في لبنان، أو العمل انطلاقاً من لبنان رداً على اعتداء منفَّذ في سورية. وفسّر المحللون في الصحافة المحسوبة على حزب الله أقوال نصر الله في الأسابيع الأخيرة، بكلام عن جبهة ممتدة من رأس الناقورة غرباً إلى القنيطرة شرقاً. وأيضاً إيران تفكر في بضع ساحات بشكل متواز. ويحصي تقرير صادر هذا الأسبوع عن "معهد بحوث إعلام الشرق الأوسط" (Memri)، ما لا يقل عن خمسة تصريحات لمسؤولين إيرانيين كبار حول الحاجة إلى تسليح فلسطينيين في الضفة الغربية لتنفيذ تفجيرات.
•وأفادت وسائل إعلام عربية عن لقاء بين قائد فيلق القدس [في الحرس الثوري] الإيراني الجنرال قاسم سليماني، والقيادي في حركة "حماس" خالد مشعل، الغاية منه تحسين العلاقات الثنائية التي فترت حتى بلغت شبه القطيعة الكاملة بسبب الحرب الأهلية في سورية، عقب تأييد حركة "حماس" المعارضة السنية للنظام.
•إن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وبمعزل عن مبالغاته الدرامية، هو على حق. ففي الوقت الذي يلوي العناد الإيراني مواقف المجتمع الدولي في المفاوضات حول الملف النووي الإيراني، تمدّ إيران أذرعتها إلى مسافة أقرب من إسرائيل على الجبهة الشمالية.
•لكن السؤال المطروح هو التالي: ألا يفاقم خطاب نتنياهو المقرر في الكونغرس الأميركي بعد أسبوع ونصف، المشكلةَ بدل أن يسهم في معالجتها؟ ذلك أن تموضع رئيس الحكومة كإسفين بين الديمقراطيين والجمهوريين، ركيزتي الدعم الثنائي لإسرائيل، يزيد من صعوبة سن قانون جديد لتشديد العقوبات ضد إيران. والشحّ الذي تمارسه الآن الولايات المتحدة في نقل معلومات حول مفاوضات الملف النووي إلى إسرائيل، مقلق ومؤشر على ما سيأتي. وفي أسوأ سيناريو إذا تفاقمت المواجهة مع نتنياهو، فقد يتشدد الأميركيون في تزويد أسلحة وقطع غيار إلى إسرائيل التي اتضح بشكل ملموس ارتهانها للمساعدة [العسكرية الأميركية] إبان الحرب في قطاع غزة. ولم يكن تلميح غانتس في خطاب الوداع حول ضرورة التصدي للتهديدات البعيدة بمساعدة دول حليفة مقرّبة، من قيبل المصادفة.
•ويزيد تداخل المسارات المذكورة أعلاه من حدة المعضلة الإسرائيلية في مسألة معالجة قافلة الأسلحة القادمة التي ستحاول عبور سورية إلى حزب الله في لبنان. هل سيحاول حزب الله تحدي الحكومة الانتقالية الإسرائيلية قريباً، أو رئيس هيئة الأركان العامة الجديد؟ وكيف سيتصرفان؟ حتى الآن، يبدو أن أسلوب العمل الإسرائيلي في الشمال كان جيداً عموماً. كانت تلك استراتيجيا رصينة جمعت بين مبادرة محدودة - قصف قافلة أسلحة متجهة إلى حزب الله، بحسب وسائل الإعلام الأجنبية – والتقاء مصالح غير مباشر مع أحد تنظيمات المعارضة السورية في هضبة الجولان. وكان الاستثناء الرئيسي لهذه المقاربة الحذرة، أيضاً بحسب الإعلام الأجنبي، هو التفجير الذي قتل فيه الجنرال الإيراني وستة من مقاتلي حزب الله في الجولان (في 18/1/2015). لقد اختار حزب الله الرد المحدود بعد نحو عشرة أيام عبر كمين صاروخ مضاد للدروع أدى إلى مقتل ضابط وجندي من لواء جفعاتي في مزارع شبعا، لكن يبدو أن جولة الضربات لم تكن بعيدة عن التدهور إلى حالة حرب.
•إن الواقع الجديد في الشمال يستدعي أن يكون تصرف إسرائيل حكيماً ومضبوطاً، فالتغييرات على الحدود متسارعة جداً، ولا يوجد يقين بأن الاستخبارات [الإسرائيلية] تقرأ بالضرورة بصورة صحيحة نيات العدو، مع أنه يظهر مبدئياً أنه ليس للأسد وحزب الله مصلحة في فتح حرب شاملة ضد إسرائيل في الوقت الحالي. ولكن إلى جانب إلى عناصر حزب الله، هناك خصوم للأسد من بين التنظيمات المتطرفة جداً في معسكر المعارضة، من الذين قد يحاولون إشعال الحدود.
•في هذه الظروف، يعمل رئيس هيئة الأركان العامة الجديد بسرعة فائقة، فإن سلسلة التعيينات التي أعلنها آيزنكوت هذا الأسبوع، الثانية في غضون شهر (الأولى تمت بموافقته قبل تسلمه منصبه)، تستكمل منذ الآن تبديل ثلث عدد جنرالات هيئة الأركان العامة. فعلى عكس غانتس الذي استُدعي لملء منصب رئيس هيئة الأركان في اللحظة الأخيرة، كان لآيزنكوت الوقت الكافي لإعداد خطط برغم تأخر نتنياهو في الموافقة على تعيينه. وهو يعلم أن عليه ترك بصمته بسرعة وأنه لا يوجد يقين بأن الهدوء الأمني الحالي سيبقى على حاله. وتبعاً لذلك، ينجز آيزنكوت تعيينات جديدة في القيادة العسكرية حسب ما يراه مناسباً دون أن تردعه الشتائم والانتقادات المحتملة. والرسالة واضحة: هناك عملية نفض في هيئة الأركان العامة. ومنذ الاجتماع الأول مع جنرالات هيئة الأركان، في اليوم الثاني، أعلن آيزنكوت أن الهيئة ستجتمع مرة واحدة في الأسبوع بدلاً من مرتين، "لأنه لا يوجد مجلس إدارة في العالم يجتمع مرتين في الأسبوع"، ومن الأفضل أن يستغل الجنرالات الوقت للعمل. وذهب إلى التلميح بأنه سيضطر للتخلي في العام المقبل عن جزء كبير من أعضاء الهيئة لأنه لن يكون لديه مهام كافية لهؤلاء الجنرالات في الولاية الثانية. وهذا يعني أنه يتجه إلى إدخال عنصر الشباب إلى هيئة الأركان العامة من خلال استقدام وترقية ضباط من رتبة عميد.
•بيد أن التعيينات هي الجزء السهل، والسؤال الحقيقي يتعلق بمدى جهوزية وكفاءة الجيش الإسرائيلي لأي مواجهة على الجبهة الشمالية في حال اندلاعها، مع العلم بأن رئيس هيئة الأركان العامة الجديد لا يعطي أفضلية للتركيز على جبهة واحدة. ففي اليوم الثالث على تسلمه مهامه، قام آيزنكوت بزيارة لقيادة المنطقة الجنوبية التي حظيت أخيراً بمكان رئيسي في قائمة أولويات استخبارات الجيش الإسرائيلي، إذ تشير تقديرات المؤسسة الأمنية أكثر فأكثر إلى أن استمرار الجمود على صعيد إعادة إعمار [قطاع غزة]، والشرخ المتواصل بين حركة "حماس" والسلطة الفلسطينية وتشديد الحصار المصري على قطاع غزة، يحشر حركة "حماس" في الزاوية.
•إن إسرائيل عموماً تبني ردعها من خلال إظهار الثمن الباهظ الذي تُكبِّده للجانب الثاني. لكن هناك شك في أن يكون ذلك كافياً هذه المرة، لأنه لم يبق لأهل غزة في نظرهم، ما يخسرونه.
كما أن الوضع في الضفة الغربية ليس مشجعاً أكثر. وتستعد قيادة المنطقة الوسطى لتصعيد في الربيع الآتي، على ضوء الجمود السياسي والتوجه الفلسطيني إلى المحكمة الجنائية الدولية في مطلع نيسان/ أبريل.
•لقد شهد الجيش الإسرائيلي في الأعوام الأخيرة استعدادات لمواجهة سيناريوات لم تتحقق في المناطق. لكن الفرق هذه المرة قد يكون كامناً في المساهمة الإسرائيلية [في هذا التصعيد]، فإن احتجاز أموال الضرائب الخاصة بالسلطة الفلسطينية، وهي خطوة عارضها جميع قادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، من شأنه أن يفاقم سوء الوضع الاقتصادي في الضفة، وأن يقوض التنسيق الأمني مع الجيش الإسرائيلي وجهاز "الشاباك" (الشين بيت).
•قال نتنياهو لآيزنكوت خلال مراسم التسلم والتسليم: "أضمن لك أمراً واحداً. لن يكون لديك لحظة راحة واحدة". لكن رئيس الحكومة امتنع عن الإشارة إلى أنه هو بذاته من يتسبّب للجيش ببعض هذه المشكلات.