•خلال مراسم تبديل رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي قبل عدة أيام، أرسل أحد أفراد لواء غولاني السابقين ملاحظة تحذيرية إلى رئيس الأركان المنتهية ولايته الجنرال بني غانتس كتب فيها أنه وفقاً لتجربة الماضي عندما يحل أفراد من لواء غولاني محل أفراد من سلاح المظليين، ينتهي الأمر بتبادل الضربات وسرقة العتاد. ويجدر بغانتس الذي أتى من سلاح المظليين أن ينتبه إلى هذا الأمر على وجه السرعة، فمع أنه في واقع الحال أنهى فترة أربعة أعوام في رئاسة هيئة الأركان من دون حروب مع أفراد لواء غولاني الذي أتى منه رئيس الأركان الجديد الجنرال غادي أيزنكوت، فإنه كان عرضة لقدر غير قليل من تبادل الضربات مع سياسيين عسكريين سابقين أعلى منه في السلم الوظيفي.
•هذا ما يحدث لجميع قادة الجيش منذ أن تولى شاؤول موفاز رئاسة هيئة الأركان. فموشيه يعلون ترك منصبه بعد صدمة خطة الانفصال [عن قطاع غزة] التي طرحها رئيس الحكومة السابق أريئيل شارون، ودان حالوتس تلقى ضربة حرب لبنان الثانية وحملها على كتفيه، وغابي أشكنازي خاض حرباً شرسة مع [وزير الدفاع السابق] إيهود باراك. أما بالنسبة إلى بني غانتس فقد كان هناك سياسيون حرصوا خلال عملية "الجرف الصامد" في قطاع غزة الصيف الفائت على إصدار بيانات صحافية تنتقد أداءه في رئاسة هيئة الأركان.
•بناء على ذلك يمكن القول إنه بعد 67 عاماً على إقامة دولة إسرائيل ما زال يتوجب على رئيس هيئة الأركان أن يقاتل على جبهتين، واحدة عربية وأخرى يهودية. فمن حولنا جبهة تنظيمات "إرهابية" وجيوش عربية، وعندنا في القدس جبهة أخرى مع السياسيين. وليس هناك من يمكنه التملص من القتال على الجبهة اليهودية، وليس هناك أيضاً من يستطيع توفير مخبأ من النار المتقدة فيها. إن ميزة غانتس أنه ذو طبع هادئ وتركيز سليم وطبيعي للأنا، ولولا هذه الصفات لكانت عملية "الجرف الصامد" انتهت بحرب بيانات كما كانت حال عملية "الرصاص المصهور".
•بموازاة ذلك لا يمكن التهرّب من استنتاج أن حروب إسرائيل المقبلة ستكون شبيهة تماماً بالحروب التي خضناها في الآونة الأخيرة. وستظل السمات الغالبة عليها هي التالية: تنظيمات إرهابية ذات قدرة صاروخية لجيش نظامي، واستخدام المدنيين كدرع بشري، والضغط الدولي وفقدان الشرعية والتبعات القانونية لكل قرار يتخذه قائد حتى في أدنى المراتب.
•في هذه الحروب هناك احتمالان لا ثالث لهما: الحسم أو كيّ الوعي. الإمكانية الأولى تستلزم دخول قوات الجيش لفترة طويلة وتوفر دعم دولي وإبادة مطلقة لمركز الثقل لدى العدو وسعة صدر الجمهور، وأساساً تستلزم قراراً مسبقاً. ولقد فعلنا ذلك في الماضي. أما الإمكانية الثانية فترتكز إلى توجيه ضربة سريعة وموجعة من أجل كي وعي العدو. وعندما نخوض حروباً كهذه تُطلق فوهات المدافع نيرانها والدبابات تراوغ وتقوم الطائرات بالقصف حتى تبلور الوعي لدى الطرف الآخر.
•تبقى المشكلة مع الوعي أنه لا سيطرة عليه نظراً إلى كونه موجوداً في أدمغة الناس هنا وفي الطرف الآخر. ففي انتفاضة الأقصى قررت إسرائيل أن تهزم الإرهاب. وفي غزة تحاول إسرائيل منذ خطة الانفصال من دون نجاح، بلورة الوعي. إن القرار بشأن أي حرب من هاتين الحربين سنخوض في المستقبل، يعود إلى المؤسسة السياسية.
•تنتظر رئيس هيئة الأركان الجديد غادي أيزنكوت صدمة شبيهة. فبرغم نتائج عملية "الجرف الصامد" وتباهي بعض الوزراء في المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية - الأمنية، فليس هناك أي قرارات رسمية تتعلق بكيفية مواجهة حركة "حماس". وعلى حدّ علمي ليست هناك مداولات ولا مبادرة للتنمية الإقليمية أو قرار بتصفية "حماس". وفي ظل هذا الواقع، سيضطر أحد ما إلى تحمّل المسؤولية بعد الحرب المقبلة. وإذا كان الأمر متعلقاً ببعض السياسيين، فإن الطرف الذي سيتحملها سيكون مرة أخرى المستوى العسكري، وعلى وجه الدقة من يقف على رأس المنظومة العسكرية.
•هنا تدخل الانتقادات الإشكالية حول قيام وزير الاقتصاد نفتالي بينت [رئيس "البيت اليهودي"] بالنزول إلى الميدان خلال عملية "الجرف الصامد". لو كنت أنا رئيس هيئة الأركان الجديد، لشجعت أعضاء المجلس الوزاري المصغر على التوجه من الآن للميدان لدرس الواقع والتعرف على المشاكل والبحث عن حلول. لو كنت رئيس هيئة الأركان الجديد لطلبت من رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست نشر الجزء العلني من التقرير الذي أعد في اللجنة حول "الجرف الصامد" على الفور، حتى يعرف الجمهور أين يتوجب تحسين الوضع وما هي الحاجات المتعلقة بالميزانية الأمنية التي أحجمت الحكومة عن تلبيتها.
•إن السياسيين كعادتهم يحبون التباهي بالنجاحات فقط، وهم دائماً الوزراء الجيدون للاقتصاد وللمال، بينما الآخرون وزراء سيئون، وهم وزراء الدفاع للعمليات العسكرية الناجحة لا للحروب السيئة، وهم وزراء الإسكان للمباني التي يتم تشييدها لا لارتفاع ثمن المساكن. وبناء على ذلك، يمكن لأيزنكوت أن ينتصر في أول حرب سيخوضها مع السياسيين فقط إذا ما دفع الوزراء نحو التداول في القرار منذ الآن حتى لا يقولوا له بعد ذلك إنهم لم يعلموا. وفي حال عدم قيامه بذلك فمن المتوقع بعد الحرب المقبلة أن تُوجّه النيران إليه فقط.