معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
شرط ضروري: انفصال عن الفلسطينيين من خلال ترسيم الحدود
•إن دولة إسرائيل هي الوطن القومي للشعب اليهودي وعليها ضمان استمرار وجودها على هذا النحو. وتقتضي مصلحتها الوطنية، وأمنها القومي، وقيمها اليهودية الأساسية، الأخلاقية والعالمية، حلّاً سياسياً للنزاع الإسرائيلي - الفلسطيني. وهذا يمكن تحقيقه عبر تقسيمٍ جغرافي للمنطقة الممتدة من نهر الأردن حتى البحر المتوسط، إلى دولتين قوميتين. ومن المفضل القيام بذلك عن طريق مفاوضات تؤدي إلى تسوية سياسية.
إسرائيل والفلسطينيون: صورة الوضع
•إن محاولات حلّ النزاع من خلال التفاوض منذ عقدين ونيف لم تتكلل بالنجاح. واحتمالات التوصل اليوم إلى تسوية دائمة تضع حداً للنزاع وللمطالبات المتبادلة، منخفضة. وهذا يعزى لبضعة أسباب رئيسية: أ) اختار الفلسطينيون السعي لتحقيق مكاسب سياسية عبر استخدام متزايد للوسائل القانونية والدبلوماسية بدلاً من المفاوضات؛ ب) انعدام ثقة عميق متبادل بين الجانبين؛ ج) فجوة لا يمكن تجسيرها في الوقت الحالي بين مواقف الجانبين بالنسبة لقضايا جوهرية، وفرضية أن حكومة إسرائيل لن تقدم للفلسطينيين مقترحات مماثلة لتلك التي رُفضت من قبلهم في السابق (في مؤتمر كامب ديفيد عام 2000 وفي أنابوليس عام 2008)؛ د) جولات العنف المتكررة بين إسرائيل والفلسطينيين.
•إن عدم إجراء مفاوضات لتسوية دائمة يزعزع شرعية نشاطات إسرائيل السياسية والعسكرية في مجالات عديدة في المنظومة الدولية: دبلوماسياً، وقانونياً، واقتصادياً، وما إلى ذلك. أضف إلى ذلك أن العلاقات المتداعية إلى حد القطيعة على صعيد المحادثات السياسية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، يجري استغلالها من قبل جهات سياسية ومنظمات غير حكومية في أرجاء العالم بهدف تشويه سمعة إسرائيل. فهي تُصوَّر من قبل هذه الهيئات على أنها دولة عدوانية وغير إنسانية، تعمل بطريقة غير متناسبة ضد شعب أضعف منها ومن دون تمييز. لم يسجّل حتى الآن نجاح عملي لهذه الحملة، لكنها تنطوي على تأثير متراكم يؤدي إلى تأكل التعاطف مع مواقف إسرائيل لدى أصدقائها. وتجلّى عدم ارتياح أنصار إسرائيل في المجتمع الدولي إزاء السياسة الإسرائيلية، من بين عدة أمور، عبر اعتراف، وإن كان غير ملزم، لبرلمانات أوروبية بدولة فلسطينية حتى في غياب مفاوضات. يضاف إلى ذلك تأييد ثماني دول أعضاء في مجلس الأمن الدولي- أقل بصوت واحد من العتبة المطلوبة لإجراء نقاش- لمشاريع قرار فلسطينية طرحها الأردن على جدول أعمال المجلس في كانون الأول/ديسمبر 2014. وقد دعا مشروعان منها إلى فرض اتفاق على إسرائيل في غضون عام واحد وإلى سحب قواتها من الضفة الغربية في غضون ثلاثة أعوام.
•ينبغي على إسرائيل أن تواجه تحدّي حملة نزع الشرعية بمجموعة من الأدوات في متناولها. لكن، بالإضافة إلى ذلك، وفي معرض بلورة سياسة عامة، على الحكومة أن تدرس كيفية استغلال تداعيات وفرص التطورات الجارية في المنطقة لصالحها، في إطار استراتيجيا سياسية مبادره.
فرص إقليمية
•إن لدولة إسرائيل قواسم مشتركة آخذة بالتزايد مع دول عربية رئيسية: مصر، المملكة العربية السعودية، الأردن، والإمارات العربية المتحدة، التي تحتاج جميعها إلى مواجهة عدة تهديدات على رأسها طموحات إيران النووية؛ ومنها صعود تنظيم "داعش" والإسلام المتشدّد؛ حركة "حماس" والإرهاب الفلسطيني، وفي هذا الإطار منع تهريب الأسلحة والتسلل عبر الحدود. وبما أن لهذه الشراكة طابعاً محلياً، لا يمكن أن تفضي بحد ذاتها إلى تعاون مكشوف. لكن المبدأ الذي تقوم عليه هو أن الاستقرار- في الداخل والخارج - هو مصلحةً حيويةً.
•وبمقتضى هذا المبدأ، هناك دول عربية مستعدة لاستخدام القوة ضد عناصر إرهابية متطرفة من طراز "داعش" وما يشابهها، وهي تعمل- كل منها في مجالها وبأدواتها- ضد حركة حماس. بالإضافة إلى ذلك، تدعم هذه الدول إرساء تسوية إقليمية بروحية مبادرة السلام العربية. وترتكز هذه المبادرة من بين جملة أمور، على مبادئ ينبغي أن تُعتبر إيجابيةً من منظور إسرائيلي: اعتراف بالسلام كخيار استراتيجي؛ استعداد عربي لإجراء مفاوضات مباشرة مع إسرائيل، وهذا معناه اعتراف بالقرار 181 للجمعية العامة للأمم المتحدة؛ تعهد عربي بدعم المبادرة في المحافل الدولية؛ موافقة على حل النزاع والتطبيع مع إسرائيل، وإيجاد حلّ متفق عليه لمشكلة اللاجئين. وتشير جميع هذه الأمور إلى وجود فرصة لحشد تأييد دول عربية لجدول أعمال من شأنه أن يساعد على اقتراح حلول مفيدة لإسرائيل- أيضاً (ولكن ليس فقط) بالنسبة للمسألة الفلسطينية.
الممارسة العملية
•ينبغي أن ترتكز بلورة استراتيجيا سياسية متكاملة على ثلاثة محاور نشاط:
أ) تشجيع التوصل إلى تسويات إقليمية لكل المسائل المشتركة ما بين إسرائيل، والسلطة الفلسطينية، ودول عربية معتدلة، والجهات الدولية المعنية؛
ب) الحصول على التزام بدعم المفاوضات الإسرائيلية - الفلسطينية من أجل إحراز تقدّم تدريجي- عبر تسويات مرحلية وتسويات جزئية- نحو واقع دولتين [لشعبين] بروحية خطة كلينتون لكانون الأول/ديسمبر 2000، ومبادئ "خطة الطريق" لعام 2003؛ ج) تطبيق اتفاقات وتفاهمات بهدف تغيير فعلي للواقع على الأرض من خلال مواصلة بناء المؤسسات الفلسطينية، وتأهيل الاقتصاد وتعزيز القيادة الفلسطينية المعتدلة.
•ولهذه الغاية، مطلوب شروط مرجعية (terms of reference) مرنة كفاية، متفق عليها وملزمة لكل الأطراف المعنية، بحيث تتيح نجاحات وموافقات في كل مجال توليد زخمٍ إيجابي يسهم بدوره في إحراز تقدّم في مجالات النقاش الأخرى وفي احتواءٍ فاعلٍ لإخفاقات.
•علاوة على ذلك، يستحسن أن تستعدّ حكومة إسرائيل لاحتمال اضطرارها لأن تبادر إلى تنفيذ انفصال [عن الفلسطينيين] إلى حدود موقتة تقوم بتحديدها بنفسها: "خطة ب"، والمقصود عملياً إعادة تموضع- عسكرية ومدنية- تسمح بأن تنقل إلى السلطة الفلسطينية السيطرة على معظم الضفة الغربية باستثناء غور الأردن، والأراضي الواقعة شرقيّ الخط الأخضر وصولاً إلى خط الجدار الفاصل، وذلك ما لم توجد تسوية دائمة. ومغزى هذه الخطوة إخلاء تدريجي لنحو 100 ألف مواطن [مستوطن] وفق التطورات على الأرض. وينبغي أن تتمّ هذه الخطوة بالتنسيق مع الولايات المتحدة، والأردن، ومصر، والسلطة الفلسطينية- قدر الإمكان. وتتطلب هذه الخطوة بلورة خطة أولويات وطنية لاستيعاب المواطنين [المستوطنين] الذين يقطنون اليوم وراء الجدار الأمني، وسنّ قانون الإخلاء الطوعي والاستيعاب الذي يضمن تعويضاً منصفاً وملائماً. كما أن على الحكومة أن تجري حواراً داخلياً حول هذه الخطوة مع جمهور المستهدفين بالإخلاء بخاصة، ومع مواطني إسرائيل بعامة. لن يبدّد هذا الحوار الخلافَ العميقَ حول خطوة كهذه داخل المجتمع الإسرائيلي، لكن بمستطاعه أن يساعد على بلورة أدوات للتعامل مع قرارات قومية حرجة في هذا السياق.
•إن السياسة المقترحة ترتكز على عناصر حيوية لأمن إسرائيل القومي، وهذه تشكل جزءاً لا يتجزأ من كل مسار التقدم الموصوف أعلاه. والمقصود أولاً وقبل كل شيء، هو إبقاء حرية عمل كاملة للجيش الإسرائيلي والأجهزة الأمنية لإحباط أعمال إرهابية ولمنع تعاظم مجموعات إرهابية؛ سيطرة على المجال الجوي والطيف الكهرومغناطيسي؛ تنسيق أمني مع الأردن ومصر وقدر الإمكان مع السلطة الفلسطينية، وكذلك التصدي لأعمال عنف- سواء من إسرائيليين أو من فلسطينيين- على خلفية أي إعادة تموضع في الضفة الغربية. مع التشديد على أنه ينبغي تمكين السلطة الفلسطينية من ترميم نسيج الحياة في الضفة، وتحسين الوضع الاقتصادي فيها، وتشجيع بناء المؤسسات وفق مبادئ "خطة الطريق".
•إن عدم إحراز تقدم في المفاوضات مع السلطة الفلسطينية يسهم في التوجه لنزع الشرعية عن دولة إسرائيل في الساحة الدولية. ولكن على الرغم من ذلك، على المستوى الإقليمي، فإن إسرائيل وجاراتها هي في نفس الخندق ضد تهديدات مشتركة. وبناءً عليه، على حكومة إسرائيل أن تصوغ سياسة مبادِرة، تسخّر المصالح المشتركة مع دول عربية لصالح التقدّم في الساحة الفلسطينية. ومن هنا يمكن أن نتوقع أن يساعد تحسّن العلاقات بين إسرائيل والفلسطينيين، وبين إسرائيل ودول الجوار المعتدلة، في تخفيف اندفاع حملة نزع الشرعية التي تجعل من الصعب على إسرائيل حشد التأييد لمواقفها ولاحتياجاتها، وعلى الأخص، احتياجاتها الأمنية..
•ومن شأن مبادرة بروحية التوصيات المقترحة هنا، أن تتيح للحكومة أن توفر لإسرائيل بيئة استراتيجية ملائمة للوطن القومي للشعب اليهودي. ينبغي تحديد واضح لحدود- قابلة للدفاع عنها ومتفق عليها قدر الممكن- بين دولة إسرائيل ودولة فلسطينية. وينبغي أن ترتكز الحدود على خطوط 1967 مع إبقاء الكتل الاستيطانية داخل دولة إسرائيل في مقابل تبادل للأراضي. وهكذا، تقوم ضمن حدود إسرائيل دولة ديمقراطية وآمنة فيها أغلبية يهودية تتمتع باعتراف دولي من قبل جميع الأمم.
•يشكر كاتبا المقال غيلعاد شير وليران أوفيك الباحثان في معهد دراسات الأمن القومي، مايا كورنبرغ وكيرين أفيرام وعيناڤ يوﻏﻴﭫ.