أزمة المشروع النووي الإيراني والإدارة الأميركية: مشكلة العقوبات في ضوء المساعي للتوصل إلى اتفاق
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال
المؤلف

•في الخطاب عن حال الأمة الذي ألقاه الرئيس باراك أوباما يوم 20 كانون الثاني/يناير 2015، قال إن الحوار الدائر بين الدول العظمى (الخمسة + واحد) وإيران بشأن القضية النووية أدى إلى وقف تقدم إيران نحو الحصول على قدرة نووية عسكرية، وقلّص مخزونها من المواد ذات الإمكانية النووية. وحتى تموز/يوليو 2015 أي نهاية فترة التمديد الثانية للاتفاق الموقت الموقع في تشرين الأول/نوفمبر 2013، من المفترض أن تتوصل إيران والدول العظمى إلى صيغة اتفاق شامل يتم الاتفاق على مبادئه بحلول آذار/مارس 2015. واستناداً إلى كلام الرئيس، فإن هذه الفترة تمنح الفرصة للتوصل إلى اتفاق يمنع استكمال المشروع النووي الإيراني ويضمن أمن الولايات المتحدة وحلفائها بمن في ذلك إسرائيل، ويحول دون وقوع مواجهة عسكرية في الشرق الأوسط. لكن على الرغم من ذلك، فقد شدد الرئيس على أنه ليس من المؤكد أن تتوصل المفاوضات إلى اتفاق، لذا فإن الولايات المتحدة تبقي جميع الاحتمالات مطروحة على الطاولة.

•وأعرب الرئيس في خطابه عن معارضته الشديدة للمبادرة التي بلورها أعضاء كونغرس من الحزبين الديمقراطي والجمهوري (والتي لم تعد مطروحة حالياً)، لفرض عقوبات جديدة على إيران. وحذر من أن مثل هذه الخطوة ستؤدي إلى انفصال الولايات المتحدة عن شركائها في مساعيهم لعرقلة المشروع النووي الإيراني، حيث أنهم يعارضون توسيع العقوبات الذي من المحتمل أن يتسبب برأيهم، في انهيار الحوار مع إيران، وبالتالي، مواصلة مشروعها النووي. 

•علاوة على ذلك، أوضح الرئيس أنه سيستخدم الفيتو ضد أي مبادرة للكونغرس بتوسيع العقوبات، ومعنى ذلك أنه سيكون هناك حاجة إلى أكثرية الثلثين لطرح الاقتراح مجدداً على التصويت في مجلسي النواب والشيوخ من أجل إقراره وإلغاء فيتو الرئيس.

•إن إصرار الرئيس في هذا الشأن جرى التعبير عنه من خلال قوله إنه لن يتبنى سياسة الإدارات السابقة التي اتخذت قرارات متسرعة لدوافع شعبوية بدلاً من التصرف بحكمة واتّزان. ففي رأيه تسرعت هذه الإدارات في استخدام الوسائل العسكرية في مواجهة التحديات التي واجهتها وورطت الولايات المتحدة في معارك عسكرية غير ضرورية، وأهملت الحاجة إلى وضع استراتيجية واسعة النطاق من شأنها أن تنتج واقعاً دولياً أكثر أمناً. وأوضح الرئيس أن سياسة الإدارة الحالية تعتمد على المزج بين القوة العسكرية والدبلوماسية، وعلى الاصرار والمتابعة وليس على تهديدات فارغة ومتبجحة.

•... من الصعب افتراض أن الإدارة الأميركية تقدر أنها حتى ربيع 2015 ستتمكن من التوصل إلى اتفاق يضمن أن تتركز النشاطات النووية لإيران على الأغراض السلمية فقط، وأنها ستتمكن من منع تقدم المشروع النووي الإيراني منعاً كاملاً. والافتراض الأكثر احتمالاً هو أن مسؤولي الإدارة يعتقدون أنهم قادرون على التقدم نحو اتفاق شامل ضمن إطار مشابه للاتفاق الموقت الذي جرى التوصل إليه في نهاية 2013. وهذا الاتفاق يمنح إيران شرعية المحافظة على قدرتها والعمل ضمن النطاق القائم (parameters) في المجال النووي على أساس رقابة أكبر من السابق. ومعنى هذا عملياً احتفاظ إيران بخيار التقدم في تطوير قدرتها النووية في الموعد الذي تختاره. من المحتمل أن مثل هذا الاتفاق، حتى إذا لم يكن الأمثل، وعلى افتراض أن نظام العقوبات الحالي سيبقى كما هو، يُعتبر في نظر الإدارة الأميركية أنه سيمنح الولايات المتحدة "مزيداً من الوقت" لمواصلة الحوار مع إيران، في ظل عدم خوف حقيقي من أن تقوم إيران بالتقدم في مشروعها النووي خلال الفترة الزمنية المقبلة.

•وحتى الآن، وما دامت المفاوضات مستمرة، فإن الإدارة الأميركية مصرة على موقفها بأن عقوبات جديدة ستؤدي إلى انسحاب إيران من الحوار وتحررها نظرياً وعملياً من الالتزامات التي فرضها الاتفاق الموقت. لكن في الوقت عينه، يمكن افتراض أن هذه الإدارة تستند إلى الضغط الذي يمارسه عليها أعضاء الكونغرس لفرض عقوبات جديدة على إيران من أجل محاولة حث الزعامة الإيرانية على إبداء مرونة في مواقفها بحيث يمكن التقدم نحو اتفاق (عبر تقليص أهمية الخيارات الأخرى بما فيها الخيار العسكري من أجل مواجهة الأزمة).

•ومن هنا، فإن دعوة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو للحديث عن المشكلة الإيرانية أمام الكونغرس، في وقت تجرى فيه صياغة المبادرة لفرض عقوبات جديدة على إيران، زادت مخاوف الإدارة من موقف جارف في الكونغرس يفرض قيوداً كبيرة على هامش مناورتها في هذا الموضوع. ولهذا السبب أعربت الإدارة عن استيائها العلني حيال نيّة نتنياهو القيام أمام أعضاء مجلس النواب ومجلس الشيوخ بعرض مواقفه من موضوع المفاوضات مع إيران ومخاوف إسرائيل من بلورة اتفاق لا يتضمن جواباً على مصالحها الأمنية الأساسية. وعلى هذه الخلفية أرسلت الإدارة تلميحاً واضحاً للغاية ربطت فيه بين مواقف إسرائيل من مسألة المفاوضات مع إيران ومشكلة العقوبات، واستعداد الولايات المتحدة لمساعدة إسرائيل في التصدي للمساعي الفلسطينية لاستخدام الضغط القانوني - الدولي على إسرائيل. 

•علاوة على ذلك، فإن نية رئيس الحكومة نتنياهو إلقاء خطاب في الكونغرس لم تؤد فقط إلى زيادة التوتر الحالي بين الإدارة الأميركية وحكومة إسرائيل، بل فاقمت من التوتر بين الرئيس أوباما وأعضاء الكونغرس من الديمقراطيين الذين كانوا ينوون دعم مشروع قانون عقوبات موسعة على إيران. وأدى قرار هؤلاء النواب الوقوف صفاً واحداً مع الرئيس وتجميد دعمهم لاقتراح القانون في الوقت الحاضر، إلى تأجيل التصويت على هذا الموضوع حتى نهاية الفترة الزمنية المخصصة لبلورة اتفاق شامل مع إيران. 

•إن تأجيل التصويت بحد ذاته من شأنه أن يمنح فترة زمنية أطول للإدارة للمناورة في مواجهة إيران. ومن المحتمل أن تستغل الإدارة هذا التأجيل من أجل أن توضح لإيران بأن هذا موقت وأن طهران إذا واصلت التمسك بمواقفها ولم تسمح بالتقدم نحو اتفاق يضمن ابتعادها عن العتبة النووية، فإن أعضاء مجلس الكونغرس المؤيدين لتشديد المواقف حيالها سيعودون للعمل من أجل توسيع العقوبات. 

 

•كما أن هذا التأجيل خفف من التوتر الذي نشأ بين إسرائيل والإدارة الأميركية في أعقاب نية نتنياهو إلقاء خطاب أمام الكونغرس. ويتعين على حكومة إسرائيل من الآن فصاعداً أن تأخذ في حسابها الربط الذي أقامته الإدارة بين تأييد إسرائيل على الساحة الدولية، وعدم تدخل إسرائيل بواسطة الكونغرس في اعتباراتها المتعلقة بالمفاوضات مع إيران.

 

 

المزيد ضمن العدد 2064