من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
•من المحتمل أن يكون الأمر انتهى. ووفقاً لما بدت عليه الأمور أمس، فإن الهدوء النسبي عاد إلى حدود الشمال. واستناداً إلى الرسائل التي تبادلتها إسرائيل مع حزب الله بعد ظهر أول من أمس بواسطة قوات الطوارئ الدولية اليونيفيل والجيش اللبناني، فإن الطرفين ينظران إلى هجوم حزب الله الذي وقع في ذلك الصباح على سفوح هار دوف [مزارع شبعا] وأدى إلى مقتل قائد سرية ومقاتل في فرقة غفعاتي، على أنه نهاية الرد، على الأقل في الجولة الحالية.
•إن حوادث الأسبوعين الأخيرين- عملية الاغتيال التي نسبت لإسرائيل في سورية حيث قتل جنرال إيراني وستة عناصر من حزب الله، وإطلاق الصواريخ من سورية إلى جبل الشيخ والجولان، وإطلاق صواريخ مضادة للدروع على قافلة غفعاتي، تدل على ما يبدو على نهاية مرحلة في الشمال. فبعد حرب لبنان الثانية صيف 2006 ساد الحدود هدوء نادر كان يخرق على فترات متباعدة. فالطرفان [إسرائيل وحزب الله] خرجا من هذه الحرب مصابان بجروح، ومنذ ذلك الحين فضّلا الامتناع عن الاشتباك المباشر والتركيز على جبهات أخرى، فيما هما يعدان نفسيهما لمواجهة محتملة جديدة.
•لكن خلال السنة الماضية حدث أمر جديد في الشمال، فالعاصفة الهائلة التي تعصف بسورية منذ قرابة أربعة أعوام تنزلف بالتدريج إلى خارج حدودها. وبنتيجة ذلك برزت جبهات ثانوية جديدة، فحزب الله يرسل آلاف من مقاتليه إلى سورية لمساعدة نظام الأسد في صراعه على البقاء، وإسرائيل تعلن أنها ستعمل على منع انتقال شحنات السلاح من سورية إلى حزب الله في لبنان، وتنظيمات المعارضة السورية تسيطر على أغلبية منطقة الحدود مع إسرائيل في الجولان، وبعض هذه التنظيمات تقيم علاقات مع إسرائيل دون إظهارها بوضوح، في وقت تقوم إيران ومعها حزب الله ببناء موقع لهما في الجزء الشمالي من هذه الحدود من أجل استخدامه قاعدة للعمليات ضد إسرائيل في هضبة الجولان.
•وبنتيجة الاضطرابات في سورية، نشأت للطرفين شبكة معقدة من المصالح جزء منها جديد، وأحياناً تؤدي إلى مواجهة موقتة. لكن الهدوء المستمر منذ 40 عاماً في الجولان منذ حرب يوم الغفران [حرب تشرين الأول/أكتوبر] سنة 1973، والهدوء المستمر منذ سبعة أوثمانية أعوام في لبنان بعد 2006، لن يعودا إلى ما كانا عليه. وأصبح أكثر احتمالاً توقع جولات من الضربات المتعاقبة: ضربة ورد عليها ثم رد على الرد، تعقب ذلك اتصالات مكثفة من خلال تدخل دولي في محاولة لمنع حرب شاملة.
•إن الوضع على مثلث الحدود الشمالية بدأ يذكر بقطاع غزة حيث نفذ الجيش الإسرائيلي ثلاث عمليات كبيرة خلال خمس سنوات ونصف السنة. لكن على الرغم من ذلك، هناك فارق جوهري بين الجبهتن يتعلق بقوة التدمير المتبادلة. يتمتع الجيش الإسرائيلي سواء في مواجهة غزة أم في الشمال بتفوق عسكري واضح على خصومه، لكن الضرر الذي يستطيع حزب الله إلحاقه بإسرائيل وبجبهتها الداخلية أكبر بما لا يقاس من الضرر المحتمل أن تلحقه "حماس" في الجنوب. وبناء على ذلك، فإن إسرائيل تستطيع (ويبدو أنها ستضطر إلى)، المس بصورة كبيرة بالبنى التحتية المدنية المتطورة للدولة اللبنانية إذا نشبت الحرب هناك.
•هذه الحقائق هي التي تدعم توازن الردع بين الطرفين وتساهم في ابعاد الحرب. ولكن نظراً لأن الأمور في منطقة الشمال تجري بسرعة وبطريقة غير منتظرة، وأكثر من مرة من دون نية مقصودة من جانب الطرفين، فإن الحرب المستقبلية في الشمال في السنوات المقبلة لم تعد سيناريو بعيداً وغير محتمل.
•يوم الجمعة في 15 كانون الأول/يناير أجرى تلفزيون المنار مقابلة مع الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله تطرق خلالها إلى الهجمات على شحنات السلاح لحزبه التي تنسب إلى إسرائيل. وقال إن الرد على الاستفزازات الإسرائيلية : "سيأتي في أي لحظة.. ومحور المقاومة لن يسكت عن أي هجوم في سورية". وقد فُسر كلامه في إسرائيل بأنه تلميح إلى نية حزب الله استغلال الجولان للعمل ضدها والامتناع عن التصعيد على الحدود اللبنانية خوفاً من احتمال أن يؤدي ذلك إلى رد إسرائيلي قوي في جنوب لبنان.
•على هذه الخلفية بدأت تتجمع المعلومات الاستخباراتية عن استعدادات لحزب الله والحرس الثوري الإيراني على الحدود، وعن بنية تحتية جديدة وقوة نخبة مؤلفة من عشرات المقاتلين بقيادة جهاد مغنية مدربة على عمليات ارهابية معقدة نسبياً، سيقوم التنظيمان بتنفيذها على حدود الجولان. وكان من المفترض بالقوة التي يقودها مغنية القيام بهجمات متطورة من الجولان مثل إطلاق نيران القناصة والصواريخ الدقيقة المضادة للدروع، وحتى هجمات كوماندوس على مواقع الجيش الإسرائيلي أو مستوطنات إسرائيلية. ثمة شك في أن تكون هذه المخططات قد أصبحت جاهزة لمرحلة التنفيذ، لكن في إسرائيل هناك من يدعي أن هذه البنية التحتية كانت قريبة من العبور إلى مرحلة التنفيذ.
•بعد مرور ثلاثة أيام [على مقابلة نصر الله]، قُصفت قافلة القادة التي كان فيها مغنية وخمسة قادة عسكريين أساسيين في هذه البنية التحتية وجنرال إيراني. وجاء رد حزب الله أسرع من المتوقع، فبعدها بتسعة أيام جرى إطلاق قذائف كاتيوشا قصيرة المدى على الجولان، وبعدها بيوم جرى كمين الصواريخ المضادة للمدرعات التي أطلقت على دورية غفعاتي. في هذه الأثناء، من الممكن أن يبدو ميزان [الربح والخسارة] المرحلي إيجابياً: إسرائيل (استناداً إلى التقارير الأجنبية) وجهت ضربة استراتيجية إلى القيادة الجديدة للبنية التحتية للإرهاب في الجولان، ورداً على ذلك تلقت ضربة تكتيكية لحقت بدوريتها. صحيح أن هناك خسائر في الأرواح ، لكن إسرائيل مستعدة لضبط نفسها من أجل إعادة الهدوء.
•لكن من الضروري الإشارة إلى أن هذا التقويم [أن الميزان إيجابي] نتيجة رؤية متفائلة بما حدث. طوال عشرة أيام حافظ الجيش الإسرائيلي على حالة التأهب القصوى في الشمال، ومع ذلك تعرض لهجوم نجمت عنه إصابات. ويطرح التصعيد وثمنه تساؤلات ما إذا كانت عملية 18 كانون الثاني/يناير ضرورية وما إذا كان ينبغي الامتناع عن القيام بها والأخذ في الحسبان تهديدات نصر الله ووجود جنرال إيراني في القافلة.
•في الساعات التي تلت كمين الصواريخ المضادة للدروع، انشغلت وسائل الإعلام الإسرائيلية مطولاً بمعالجة مسألتين أساسيتين: قوة الهجوم الإسرائيلي المضاد؛ ومسألة ارسال مقاتلين في مركبة غير مصفحة إلى منطقة هار دوف [مزراع شبعا]. وفي الواقع، فإن الرد الضعيف للجيش الإسرائيلي اوضح لحزب الله في مرحلة مبكرة وقبل تبادل الرسائل السياسية، أن توجه إسرائيل هو نحو احتواء التوتر. أما في ما يتعلق بالقافلة، فحتى السيارات العسكرية المصفحة لا تستطيع في أغلبية الأحيان الصمود في وجه صاروخ مضاد للمدرعات من طراز كورنيت.
•إن الأسئلة التي يجب بحثها هنا هي: لماذا في ظل التوتر وخطورة المنطقة أرسلت خمس مركبات عسكرية إلى محور جزء منه مكشوف أمام حزب الله؟ وهل جرى تحليل شامل لخطوط الرؤية من لبنان ومروحة مدى النيران من هناك في ضوء التحذيرات المتعلقة بإطلاق صواريخ مضادة للدروع من المنطقة؟ عندما يكون هناك تحذيرات مباشرة من هجوم على الحدود، فإن التوجه يجب أن يكون تقليص الحركة من أجل تقليل الخسائر. بكلام آخر، يبدو أن الجيش الإسرائيلي قدم أهدافاً سهلة لحزب الله كانت في مهمة ليست ضرورية من ناحيته.
•في ما يتعلق بالتهدئة السريعة من الجانب الإسرائيلي بعد هجوم أول من أمس، جرى الحديث مرات عدة عن طلب حزب الله وقف جولة الضربات الحالية والعودة إلى الهدوء. وما لم يذكر أبداً هو دور إيران في المعادلة. ففي إيران جرى التقليل نسبياً من قضية مقتل الجنرال في الجولان، لكن هذا لا يعني أن الحساب أغلق من جانب الإيرانيين. فردهم على اغتيال الأمين العام السابق لحزب الله عباس الموسوي في 1992 جاء من خلال هجومين في الأرجنتين حدثا على مدى عامين. وهذه المرة أيضاً، إذا تهاوت سفارة إسرائيلية في مكان ما في أميركا الجنوبية بعد بضعة أشهر، فمن الممكن أن نخمّن من يقف وراء هذا العمل حتى لو لم يعلن احد مسؤوليته.
•على الرغم من الهدوء الظاهري في الشمال، من الأفضل النظر إلى الأمور بطريقة يقظة. فما بدأ بهجوم على قافلة سلاح والرد بإطلاق كاتيوشا على الجولان، تدهور إلى اغتيال مسؤولين كبار في الأراضي السورية وهجمات بالصواريخ المضادة للمدرعات في هار دوف [مزارع شبعا]. نقطة البدء في التصعيد المقبل ستكون على ما يبدو في مكان التصعيد الحالي، حتى بعد مرور أسابيع أو أشهر. ومن المفارقات أنه من المحتمل أيضاً أن يكون الاغتيال الذي شلّ قيادة البنية التي بناها حزب الله في سورية، قد قوّى إرادة المعسكر الراديكالي بقيادة إيران لتحويل الجولان ومزارع شبعا إلى جبهة مواجهة مستقبلية.