الهجوم في الجولان حادث خطير ينبئ بتصعيد حقيقي في الشمال
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

•بلغ التوتر في الشمال أمس [الأحد] الذروة في أعقاب عملية الاغتيال المنسوبة لإسرائيل التي وقعت على الحدود السورية في هضبة الجولان وأسفرت عن مقتل ستة قادة من حزب الله بينهم جهاد مغنية ابن القائد العسكري العام للحزب عماد مغنية الذي اغتيل في عملية مشابهة قبل 7 سنوات. واستناداً إلى تقارير لم يجر التأكد من صحتها بعد، فقد قُتل في الهجوم أبو علي طبطبائي الذي هو ضابط إيراني قيل إنه قائد قوة خاصة، وذكرت وسائل إعلام الحزب أمس أن الحزب لا يمكنه السكوت على هذا الاغتيال الذي اتهم به إسرائيل.

•في القيادة الأمنية في إسرائيل كان التقدير أمس أنها تتوقع رداً عسكرياً من جانب حزب الله، لكن قوته ليست واضحة حتى الآن. ورفعت درجة التأهب في مستوطنات الشمال إلى درجة عليا خوفاً من تصعيد محتمل. وفي الفترة الأخيرة تحدثت تقديرات الاستخبارات العسكرية عن أن الحزب لا يرغب في مواجهة مباشرة مع إسرائيل بسبب تورطه العميق حالياً في الحرب الأهلية في سورية وتعرضه للهجمات في لبنان من جانب تنظيمات سنية جهادية متطرفة من بينها الدولة الإسلامية وتنظيمات محلية تابعة للقاعدة.

•وعلى الرغم من ذلك، فإن حادثة الجولان من شأنها أن تغير إلى حد ما الظروف الإقليمية لأن التنظيم الشيعي سيعتبرها تحدياً يستوجب الرد كي لا يبدو ضعيفاً في نظر اللبنانيين. من المحتمل أن يؤجل الحزب رده إلى حين تتوفر ظروف عملانية مواتية له، وهو يستطيع أن يختار لتحركه عدداً من الجبهات مثل مهاجمة أهداف إسرائيلية في الخارج (مثل الهجوم في بلغاريا في تموز/يوليو 2012)، أو هجوم في هضبة الجولان (مثلما فعل في عدد من الحوادث السنة الماضية)، أو هجوم في منطقة هاردوف [مزارع شبعا] (كما حدث قي آذار/مارس وأيلول/سبتمبر الماضيين)، أو هجوم "نوعي" موجه ضد هدف مهم جداً على الحدود اللبنانية أو وسط إسرائيل. وفي الواقع، فإن حجم القوة التي سيستخدمها الحزب ونتائج تحركه هما اللذان سيحددان الرد الإسرائيلي.

•ومثل عادتها في الهجمات الأخرى المنسوبة إليها في السنوات الأخيرة في سورية ولبنان، امتنعت إسرائيل بالأمس عن اعلان مسؤوليتها رسمياً عن عملية الاغتيال في الجولان التي نفذت بواسطة مروحية عسكرية، الأمر الذي يختلف عن الهجمات على شحنات السلاح من سورية إلى لبنان التي كان آخرها في شهر كانون الأول الأخير وجرت داخل الأراضي السورية. والحادث الأخير الذي وقع بالقرب من حدود هضبة الجولان لا يطرح أي تساؤل بشأن هوية المسؤول عنه. فمن المعروف أن سلاح الجو الإسرائيلي هو العدو الوحيد لحزب الله الذي يستخدم مروحيات عسكرية في هذه المنطقة، ولا تملك تنظيمات الثوار السوريين مروحيات ومن الصعب أن تكون لديها معلومات استخباراتية دقيقة تسمح بالقيام بعملية اغتيال مركزة جداً ضد قادة كبار في حزب حريص جداً على إخفاء أية معلومات تتعلق بخطوات عملانية.

•على هذه الخلفية، فمن المثير للدهشة إلى حد ما القرار الإسرائيلي بعدم التطرق إلى الاتهامات المباشرة من لبنان. نظرياً، هذ يمكن أن يدل على أن الطبقة السياسية في إسرائيل تجد نفسها في وضع غير مريح. فهل كان الاغتيال، مثلاً، ثمرة تحذير استخباراتي مباشر وصل قبل وقت قليل من وصول قافلة قادة حزب الله إلى مكان قريب من حدود إسرائيل؟ ومن الذي ضغط من أجل تنفيذه واستغلال هذه الفرصة العملانية؟ وهل حدث هذا بتوجيه من الطبقة السياسية أم بتوصية من الجيش؟

•ثمة أهمية لهذه التساؤلات بسبب الانعكاسات المحتملة للاغتيال التي قد تؤدي إلى تصعيد حقيقي في الشمال، وبالطبع على خلفية المعركة الانتخابية التي يبدو الليكود فيها اليوم في حالة تراجع إلى حد ما استناداً إلى استطلاعات الرأي في إسرائيل. في كانون الأول/ديسمبر الماضي عندما نسب إلى إسرائيل الهجوم على قافلة سلاح من سورية إلى لبنان، جرى الحديث حينها عن دوافع سياسية وراء الهجوم، لكن البحث مع مصادر عسكرية مختلفة قوبل بإنكار قاطع، وبالقول أن جميع الاعتبارات وراء هذا الهجوم كانت موضوعية.

•لإسرائيل تاريخ طويل من الاغتيالات لمسؤولين كبار في حزب الله وفي "حماس" وتنظيمات إرهابية أخرى. وجزء من هذه الاغتيالات كان ثمرة فرصة عملانية بعد تحذير استخباراتي مباشر. وقد طرحت في الماضي أيضاً مسألة العلاقة بين العمليات العسكرية والخلفية السياسية، كما طرحت أيضاً خلال العمليتين العسكريتين في قطاع غزة "الرصاص المصهور" في 2008، (التي خاضتها حكومة أولمرت- ليفني قبل 3 أشهر من الانتخابات)، وعملية "عمود سحاب" سنة 2012 (التي خاضتها حكومة نتنياهو قبل 4 أشهر من الانتخابات).

•حتى اليوم اتّسم التوجه الإسرائيلي حيال الاضطرابات في سورية ولبنان بسياسة حذرة نسبياً. وأعلنت إسرائيل أنها سترد فقط لدى تجاوز "الخطوط الحمر" مثل تزويد حزب الله بسلاح متطور من سورية أو الاعتداء على سيادة اسرائيل. وردت على حوادث سقوط قذائف من سورية ولبنان على أراضيها بهجمات محدودة بواسطة سلاح الجو والمدفعية الأرضية. ونُسب إلى إسرائيل نحو عشر هجمات أخرى– غارات جوية على شحنات سلاح، وحادثة اغتيال واحدة لمسؤول كبير في حزب الله هو حسن اللقيس في بيروت- لكن من دون أن تعترف القدس رسمياً بذلك. وسبق أن أوضح مسؤولون إسرائيليون في عدد من المناسبات أن إسرائيل لا تقف مع طرف ضد آخر في الحرب الأهلية السورية وأنها قلقة من وحشية الطرفين؛ معسكر الأسد وحزب الله وإيران، ومعسكر تنظيمات الثوار وأبرزها التنظيمات الجهادية السنية. ومن الصعب اعتقاد أن رئيس الأركان بيني غانتس وخليفته المنتظر غادي إيزنكوت يؤيدان حالياً خطوات من شأنها أن تؤدي إلى التصعيد. 

•ومع ذلك، فمما لا شك فيه أن عملية الاغتيال بحد ذاتها هي إنجاز عملاني كبير تخرج من ساحة المواجهة قادة متمرّسين ومن ذوي الخبرة في الحزب إلى جانب قائد شاب يعتبر رمزاً. 

•واستناداً إلى استخبارات غربية، فإن مغنية عمل في الأشهر الأخيرة على تأسيس شبكة ارهابية استخدمها حزب الله ضد إسرائيل على الحدود السورية، وكانت مسؤولة عن سلسلة اطلاق نار وزرع عبوات في هضبة الجولان. ومن المعلوم أن مغنية الابن عمل على التخطيط لهجمات أخرى. ويمكن افتراض أن اغتياله سيجعل من الصعب تنفيذ هذه الهجمات في وقت قريب.

•وعلى الرغم من صغر سنه، تحول مغنية إلى رمز في الحزب بسبب والده عماد مغنية الذي كان قائداً لجهاز عمليات حزب الله حتى اغتياله سنة 2008. 

•واستناداً إلى التقارير، فإن المسؤولين الكبيرين الآخرين اللذين قتلا لهما علاقة بقوة خاصة تابعة لحزب الله. ففي الفترة الأخيرة أكثر الأمين العام للحزب حسن نصر الله من الحديث عن استعدادت يقوم بها حزبه لتوجيه ضربة عسكرية ضد إسرائيل في حال نشوب حرب. ويبدو أن الخطة العسكرية للحزب هي مهاجمة مستوطنات إسرائيلية بالقرب من الحدود، كمقدمة للحرب، والسيطرة على مستوطنة ليوم أو اثنين من أجل تحقيق إنجاز معنوي واضح. ومثل هذه العملية المحتملة تستطيع القيام بها قوة مؤلفة من أشخاص مثل المسؤولين الكبار الذين استهدفوا بالأمس، الأمر الذي سيساعد إسرائيل في إحباط الخطط الهجومية. 

•يعتبر الهجوم في هضبة الجولان بالأمس حادثاُ مهماً قد ينبئ بتدهور على الجبهة الشمالية. وبرغم أن المصالح الأساسية للطرفين- اللذين هما غير متحمسين للحرب - لا تزال على حالها، لكن عاملاً جديداً دخل على هذه المعادلة المعقدة في صورة هجوم مهين على الحزب سبق أن حذر الناطقون باسمه بأنهم لن يستطيعوا السكوت على مثله.