ملاحظات قانونية وسياسية على مشروع القرار الفلسطيني - الأردني الذي رفضه مجلس الأمن
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال

•على الرغم من عدم إقرار صيغة مسودة القرار التي قدمها الأردن إلى مجلس الأمن باسم "فلسطين"، إلا أنها تستحق الدرس. وتشكل مسودة القرار المقدمة باسم الفلسطينيين خرقاً واضحاً للتعهدات الفلسطينية الواردة في اتفاقات أوسلو، وفيها وافقت منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل على "عدم المبادرة إلى أي خطوة أو اتخاذ أي موقف يغير الستاتيكو في الضفة الغربية وقطاع غزة، في انتظار النتيجة النهائية لمباحثات الوضع النهائي".

•في البداية، يجب التشديد على أن مجلس الأمن كيان سياسي، وقراراته قرارات سياسية. ولذلك، حتى لو كان جرى تبني القرار، فإن هذا لا يجعله مستنداً قانونياً أو إعلاناً قانونياً دولياً، بل تعبيراً عن مواقف أغلبية الدول الأعضاء في المجلس. واستناداً إلى الميثاق الأساسي للأمم المتحدة، يستطيع مجلس الأمن اتخاذ قرارات ملزمة فقط طبقاً للبند السابع حين يكون هناك "تهديد للسلام، أو انتهاكاً للسلام، أو خطوة عدوانية". ومنذ العام 1948 لم يتخذ أي قرار في مجلس الأمن بالاستناد إلى البند السابع في ما يتعلق بالنزاع الإسرائيلي- الفلسطيني. حتى القرار 242 لم يتخذ طبقاً للبند السابع، وأصبح ملزماً بعد موافقة جميع أطراف النزاع عليه. كما أن مشروع القرار الأردني لم يستخدم البند السابع.

•وبينمااستخدمت في القرار 242 لغة غامضة من أجل تمكين جميع الأطراف من إجراء مفاوضات، فإن مسودة القرار الأردني عبرت بصورة كاملة عن الموقف الفلسطيني من دون أن تترك تقريباً شيئاً للمفاوضات بين الطرفين. ومن الواضح أنها مستوحاة من مبادرة السلام للجامعة العربية والعائدة إلى سنة 2002، لكنها تختلف عنها في عدد من النقاط المهمة، إذ تضع المسودة الأردنية جدولاً زمنياً مفصلاً وصارماً لإنهاء "الاحتلال" حتى كانون الأول/ديسمبر 2017، في حين لم تحدد مبادرة الجامعة العربية أي جدول زمني من هذا النوع. علاوة على ذلك وبعكس مبادرة الجامعة العربية، تتطرق المسودة الأردنية في مقدمتها إلى قرار "التقسيم" الصادر عن الأمم المتحدة سنة 1947. وهذا أمر مفاجئ لأن قرار التقسيم يخرج مدينة القدس من الدولة اليهودية المقترحة ومن الدولة العربية، كما أن القرار تحدث صراحة عن دولة "يهودية" تقوم جنباً إلى جنب دولة عربية. 

•ومن المكوّنات الإيجابية بصفة خاصة في مبادرة السلام للجامعة العربية سنة 2002 الاعلان الذي أشير فيه إلى أنه نتيجة تبني اتفاق مع الفلسطينيين، ستعتبر جميع الدول العربية أن "النزاع العربي- الإسرائيلي كأنه انتهى، وستوقع اتفاقاً للسلام مع إسرائيل"، كما أنها "ستقيم علاقات طبيعية مع إسرائيل في اطار هذا السلام الشامل". وهذا التعهد الإيجابي من جميع الدول العربية تم حذفه من مشروع القرار الأردني.

•ومع ذلك، فإن مسودة القرار الأردني تدعو إلى انسحاب شامل من جميع المناطق بما في ذلك القدس الشرقية، لكنها تتطرق إلى إمكانية "تبادل مناطق متفق عليه من الجانبين، محدود ومتساوي القيمة"، وهذا الاقتراح لم تتضمنه مبادرة الجامعة العربية.

•وإلى جانب الجدول الزمني الصارم بصورة مصطنعة والدعوة إلى الانسحاب الكامل، فإن مشروع القرار الأردني يقترح أيضاً حل مشكلة اللاجئين العرب بالاستناد إلى القرار رقم 194 الصادر عن الأمم المتحدة. ومثل مبادرة الجامعة العربية يحاول مشروع القرار الأردني بصورة غير مباشرة إدخال ما يسمى "حق العودة" كشرط لإجراء المفاوضات. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الدول العربية صوتت في الماضي ضد القرار 194، ولم يتضمن القرار 242 أي اشارة له. وحتى اتفاق كامب ديفيد مع مصر سنة 1978 واتفاق السلام معها في 1979، واتفاق السلام الأردني- الإسرائيلي، وحتى اتفاقات أوسلو، كلها لم تتطرق إلى القرار 194. وما يجري الحديث عنه هنا محاولة إدخال عنصر مرفوض بصورة قاطعة من جانب إسرائيل تم إهماله فعلياً في جميع الاتفاقات الموقعة سابقاً معها.

•إن تصويت الولايات المتحدة ضد مشروع القرار لا يعبر عن عدم رضاها السياسي فقط، بل عن وفائها بالتعهدات التي أعطتها كجزء من اتفاق السلام الإسرائيلي- المصري سنة 1979، حيث كررت الولايات المتحدة التزامها "الوقوف ضد أي مبادرة تطرح في مجلس الأمن والتصويت ضدها إذا اقتضت الحاجة، إذا كانت تدعو إلى تغيير صيغة القرارين 242 و338 بصورة لا تتطابق مع أهدافهما الأصلية".

•ومما لا شك فيه أن التصويت الذي جرى في مجلس الأمن في 30 كانون الأول/ديسمبر 2014 هو بمثابة انتصار ديبلوماسي إسرائيلي ولا سيما في ضوء القرارات السابقة لمؤسسات الأمم المتحدة، والقرارت التي تبناها في الأشهر الأخيرة عدد من البرلمانات في دول أوروبية. وقد تبددت الشكوك التي كانت موجودة بشأن كيفية تصرف الولايات المتحدة إزاء الخطوة الفلسطينية جرّاء الموقف الصلب الذي أعلنته في الأسابيع التي سبقت التصويت وبسبب التوضيحات إلى الأعضاء الآخرين في مجلس الأمن، بأن الولايات المتحدة ستستخدم الفيتو حتى ضد الصيغة الأكثر مرونة من الصيغة الأولى. لكن يجب ألا ندع هذا التصويت الأميركي يخدعنا بشأن الأجواء التي تسود واشنطن هذه الأيام والأصوات الصادرة عن الإدارة الأميركية. وخطاب السفير البريطاني الذي شرح فيه سبب امتناع دولته عن التصويت والذي جاء فيه أن بريطانيا وافقت على صيغة القرار المقترح وأنها كانت ستؤيد اعادة درس الفكرة التي تتحدث عن "قرار يحدد المعايير (البرامترات) المتعلقة بعملية السلام في الشرق الأوسط خلال سنة 2015"، وكل هذا يمكن أن يعكس جيداً الآراء الأخرى الموجودة في واشنطن.

•واستناداً إلى ذلك، ليس التصويت الفرنسي وحده ما يشكل سبباً للقلق، بل الإصرار على مواصلة التقدم نحو تبني قرار في المستقبل. هناك أربعة أصوات من الاتحاد الأوروبي توزعت بين دولتين امتنعتا عن التصويت (بريطانيا، ولاتفيا) ودولتين أيدتا القرار (فرنسا ولوكسمبورغ). وإذا جرى طرح الموضوع مجدداً على طاولة النقاشات سنة 2015 فلا يوجد أمل بتحسن تصويت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي حين ستحل إسبانيا محل اللوكسمبورغ في عضوية مجلس الأمن. ومع أننا نستطيع أن نجد عزاء في تصويت الدول الإفريقية، فإن تصويت الدول اللاتينية أيد مشروع القرار الأردني- الفلسطيني. 

•لقد فوجئ العديد من الإسرائيليين بدور الأردن في التطورات الأخيرة التي قادت إلى التصويت في كانون الأول/ديسمبر 2014. يجب أن نوضح في هذا السياق أنه بسبب كون الأردن مندوباً عن الجامعة العربية في مجلس الأمن، فلم يكن أمامه أي خيار سوى تقديم المشروع والتصويت إلى جانبه. لكن التحرك الفلسطيني في مجلس الأمن لم يجر تنسيقه تقريباً مع البعثة الأردنية في الأمم المتحدة، وقد أثار هذا التكتيك الفلسطيني غضباً في عمان.

•والسؤال هو: لماذا لم ينتظر الفلسطينيون لطرح مشروع القرار على التصويت حتى تتغير عضوية مجلس الأمن بصورة أكثر ملاءمة بالنسبة إليهم، وكان يفصلهم عن ذلك ساعات قليلة فقط؟ وهل جاء ذلك نتيجة معلومات مغلوطة بشأن كيفية تصويت أعضاء محددين؟ أم أنه جاء كما يقول البعض نتيجة إدراكهم أن القرار سيرفض من دون أن تضطر الولايات المتحدة إلى استخدام الفيتو؟ وبغض النظر عن التبريرات، فمن الواضح أن المعركة السياسية الفلسطينية تتجه اليوم نحو ساحة مختلفة قليلاً. ونتائج الانتخابات في آذار/مارس 2015 قد تشجع الفلسطينيين وغيرهم على النظر في إعادة طرح الفكرة على مجلس الأمن. وإذا حدث ذلك، فإن الفيتو الأميركي سيصبح مهماً جداً، لكن متغيرات كثيرة جداً لا تسمح بصورة قاطعة بالجزم بأنه سيستخدم. ومن بين هذه المتغيرات صيغة مسودة القرار، والوضع السياسي الداخلي سواء في إسرائيل أو لدى الفلسطينيين، والضغوط التي سيستخدمها حلفاء أوروبيون معينون على الولايات المتحدة، وكذلك الضغوط من دول عربية محددة. إن قيادة فلسطينية أكثر مهارة في إمكانها أن تجعل من الصعوبة بمكان الجزم بما سيكون عليه القرار الأميركي المتعلق بشأن كيفية التصرف في التصويت الجديد على مشروع القرار الذي سيطرح على مجلس الأمن.