عباس لا يريد توقيع اتفاق مع إسرائيل ويفضل أن يكون شبحاً في الأمم المتحدة
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

•مرة تلو الأخرى تحاول دول في غرب أوروبا اتخاذ قرار بالاعتراف بـ"الدولة الفلسطينية" غير الموجودة، وحتى تحديد حدودها. في المقابل، ينشغل محمود عباس بمناورات هدفها الحصول لهذه الدولة الافتراضية على مقعد في بعض منظمات الأمم المتحدة، ودفع مجلس الأمن إلى تعيين موعد لقيام هذه الدولة، وكذلك تحديد نتائج المفاوضات بين الفلسطينيين وإسرائيل.

•وليس لهذه الجهود سابقة في تاريخ الدول وتاريخ الأمم المتحدة، وهي تُذكر بدعوة الجنرال ديغول "تحيا كيبك حرة" التي أطلقها خلال زيارته إلى مونتريال في تموز/يوليو 1967، والتي لم تغير شيئاً في وضع الكيبك. فالدول لا تنشأ بهذه الطريقة، ومما لا شك فيه أن هذا واضح للسياسيين وأعضاء البرلمان الذين ينشغلون بهذه المناورات. ولكن إذا كان الأمر كذلك، فلماذا هم يفعلون ذلك؟

•من المحتمل أن يكون السبب إيمانهم بحق تقرير المصير، ورغبتهم في أن يحشروا بالقوة دولة فلسطينية في حلق إسرائيل، فقد سحرهم شعار "دولتين لشعبين". وفي الحقيقة كيف يمكن للمرء الوقوف ضد هذا الشعار؟ ليس الأميركيون والأوروبيون وحدهم من وقع في حبه، بل العديد من الإسرائيليين أيضاً. لكن ثمة مشكلة من الصعب تجاهلها وهي أنه توجد اليوم دولة للفلسطينيين هي الأردن حيث 70% من السكان فلسطينيون.

•وإذا لم يكن الأردن هو الذي يعبر عن حق الشعب الفلسطيني بتقرير المصير، فمن يكون؟ في أحداث "أيلول الأسود" سنة 1970، حاول ياسر عرفات زعيم منظمة التحرير الفلسطينية السيطرة على الأردن بحجة أنه أرض فلسطينية فعلياً. فلماذا لا يرغب الأردن في تمثيل الفلسطينيين ولا يطالب بضم يهودا والسامرة [الضفة الغربية] وقطاع غزة إليه؟

•المؤيدون لإقامة دولة فلسطينية وأولئك الذين يدعون إلى "دولتين لشعبين" يعرفون تماماً الجواب على هذا السؤال. فالأردن لا يريد المزيد من الفلسطينيين على أراضيه، وإذا كان هذا هو الأمر، فالمطلب الحقيقي هو إقامة دولة فلسطينية أخرى. هم يريدون أن تتخلى إسرائيل عن سيطرتها على يهودا والسامرة وتضع حداً لما يسمونه "احتلالاً" لهذه المناطق. هذا هو الهدف الحقيقي لكل المناورات الدبلوماسية الأخيرة، إقامة دولة فلسطينية ثانية بكل الوسائل الشرعية وغير الشرعية.

•رد اليسار الإسرائيلي على ذلك هو: لم لا؟ فلنتحرر من عبء "الاحتلال". ومن الذي يهمه نتائج هذه الخطوة. صحيح أنه بعد خروج الجيش الإسرائيلي قد تستولي على المنطقة "حماس" أو داعش، وأن وضع السكان الفلسطينيين سيتفاقم بصورة كبيرة، وسوف تعاني مراكز التجمع السكاني الإسرائيلية من سقوط الصواريخ، والاستقرار في الأردن سيتزعزع، لكن من الذي يهمه ذلك؟ وأغلب الظن أن هذه النتائج هي أفضل في نظرهم من الوضع الراهن.

•ثمة مشكلة أخرى يتجاهلونها هي عدم وجود سبيل اليوم للانتقال من نقطة أ إلى نقطة ب، أي من الوضع الحالي إلى الاتفاق على إقامة دولة فلسطينية ثانية. عباس لا يمثل الفلسطينيين كلهم، ومكانته في يهودا والسامرة [الضفة الغربية] متهاوية، وهو يعتمد في بقائه على وجود الجيش الإسرائيلي، ولا يريد توقيع اتفاق مع إسرائيل، كما أنه ليس قادراً على تطبيق مثل هذا الاتفاق بعد توقيعه، وهو مدرك لذلك. ولهذا السبب فهو يفضل أن يكون شبحاً في الأمم المتحدة.

 

•إن الذين يطلقون الدعوة الجوفاء "دولتان لشعبين" منقطعون تماماً عن الواقع. من المحتمل أنهم لا يرون ذلك، لكن الافتراض الأكثر عقلانية أنهم لا يريدون رؤية ذلك. كثيرون منهم معادون لدولة إسرائيل مهما كانت حدودها. وهم لا يحبون حقيقة أن إسرائيل أصبحت دولة قوية قادرة على الدفاع عن نفسها. وهم فقدوا بوصلتهم الأخلاقية بشأن كل ما يتعلق بالشرق الأوسط.