•تجد دولة إسرائيل نفسها أمام ثلاث مشكلات أمنية داخلية، علينا أن نكون حذرين جداً من الربط بينها بصورة مصطنعة لأن ذلك قد يضرّ بدلاً من أن ينفع. وتأتي هذه المشكلات على خلفية الأحداث التالية:
أ-الضربة القاسية التي وجهتها إسرائيل في غزة إلى "حماس" والجهاد الإسلامي اللتين أدركتا قساوة تلك الضربة بعد مرور وقت على العملية، وأصبح من المهم بالنسبة إليهما الآن تحريك أتباعهما في يهودا والسامرة [الضفة الغربية] من أجل إشعال الحريق. كما أن الحرب على غزة أثارت موجة من الغضب وسط الفلسطينيين من جراء ما اعتبروه وحشية إسرائيلية تجلت خلال العملية. وتستغل التنظيمات في غزة هذا الغضب من أجل تحريك الارهاب وسط مؤيديهم في الضفة الغربية.
ب - مقتل فتى عربي بريء في شوفعاط بصورة وحشية انتقاماً لمقتل الشبان الإسرائيليين الثلاثة على يد فلسطينيين. وقد أثار مقتل الفتى غضباً كبيراً في منطقة القدس وكان من الأسباب الأساسية للتظاهرات وأعمال العنف وحتى الهجمات الإرهابية التي شهدتها المنطقة.
ج- شهد جبل الهيكل [الحرم القدسي الشريف] في الفترة الأخيرة محاولات قام بها يهود من أجل تغيير الوضع القائم هناك منذ سنة 1967. وتزايدت هذه المحاولات بعد محاولة اغتيال يهودا غليك. وارتفعت لهجة الكلام في هذا الموضوع وازدادت أهمية التحركات بهذا الشأن. وفي الواقع، فإن الحساسية التي تحيط بموضوع الحرم القدسي والتي تصور أن إسرائيل تحاول السيطرة عليه، تشكل قاعدة ملائمة للتحريض سواء في الضفة الغربية أو داخل دولة إسرائيل بقيادة الحركة الإسلامية (الجناح الشمالي). وهذا التحريض الديني الطابع يدخل مباشرة إلى قلوب العديد من الفلسطينيين ونفوسهم.
د- في تظاهرة قرية كفر كنا قُتل أحد سكان القرية وأشعل مقتله الشارع، فخرج المتظاهرون العرب الغاضبون داخل دولة إسرائيل للاحتجاج ضد قتل الشاب الذي كان غير مبرر في نظرهم، وأن سبب قتله كونه عربياً، وأن التحقيق في الحادث ليس جدياً.
•إن اجتماع هذه الأحداث يجعل إسرائيل أمام ثلاثة تحديات هي:
1-تحدي الإرهاب الفردي (وهو التحدي الأخطر) الذي يقوم به هؤلاء الذي يستيقظون في الصباح أو يخرجون من المساجد ويقررون قتل يهود. صحيح أنهم يكرهون إسرائيل، لكن تراكم الأحداث السابقة حوّل كراهيتهم السلبية إلى فعل.
2-التحدي الثاني هو رد فعل العرب في إسرائيل الذين يتظاهرون في شتى أنحاء الدولة. ويجب ألا نربط بينهم وبين الهجمات الإرهابية لأن أياً من هذه الهجمات لم يقم بها العرب في إسرائيل. وهذه الحقيقة مهمة ويجب ألا تفاجئ أحداً، فمشاركة العرب في إسرائيل في هجمات إرهابية في الماضي وفي الحاضر كانت محدودة جداً. وهم امتنعوا عن القيام بذلك حتى في الفترات الصعبة التي مرت بها العلاقات بين الدولة اليهودية ومواطنيها من العرب.
3-التحدي الثالث هو القدس، فقد أدى تزامن الضغط من أجل إحداث تغييرات في الحرم القدسي، ومقتل الفتى من شوفعاط إلى خروج السكان العرب في منطقة القدس إلى الشارع، وأدت هذه التظاهرات والهجمات الإرهابية التي نفذها أفراد إلى بروز مشكلة حقيقية في المدينة. ومن دون تغير هذه الأجواء، فإنه من الصعب إعادة الوضع إلى ما كان عليه. لذا عندما يُطرح السؤال: ما العمل؟، يجب أن نفصل بصورة واضحة بين الهجمات الإرهابية وعمليات الاحتجاج التي يقوم بها عرب القدس، وتلك التي يقوم بها العرب في إسرائيل.
•حتى الآن لا يوجد رد بسيط على خطر الإرهاب الفردي غير المنظم، لأنه في مثل هذه الحالات لا يمكن جمع المعلومات الاستخباراتية، ومن الصعب معرفة ما يجري في داخل شخص قرر تنفيذ عملية إرهابية، فهذه الأمور لا يمكن التنصت عليها ولا كشفها. لذا من المستحيل استباق هذه العمليات ومنع وقوعها. في الوقت عينه ونظراً إلى أن هذا الشخص لا ينتمي إلى تنظيم يشجعه على القيام بالهجوم أو يساعده، فلا سبيل إلى معرفة الهجوم مسبقاً.
•يمكننا أن ننتهج وسيلة تجعل المعتدي يدفع ثمناً كبيراً، ولا سيما من خلال المسّ بممتلكاته أو عائلته. وعلى سبيل المثال، فإن هدم المنازل التي يقطنها المهاجمون هو الأداة الأساسية المستخدمة حتى الآن. ومن غير الواضح إلى أيّ حد يمكن لهذه الأداة ردع المهاجمين، لكن قد تكون مفيدة (وفي هذه الحالة يجب أن ندرس هدم منازل الذين قتلوا الفتى من شوفعاط). كما يجب تعزيز الحماية الجسدية، ويجب ألا نخجل من وضع الحواجز الإسمنتية في نقاط التجمع حيث يكون من السهل الهجوم على عدد كبير من الناس في وقت واحد (محطات الحافلات والقطار الخفيف). وليس هناك حاجة أو منطق في أن نبرهن عن شجاعتنا من خلال الامتناع عن استخدام هذه الوسائل التي كلفتها ضئيلة وفائدتها كبيرة.
•وفي الوقت عينه، يتعين علينا البحث عن وسيلة للتخفيف من الدوافع للقيام بهجمات محتملة. لا تستطيع إسرائيل التأثير على تحريض "حماس" والجهاد الإسلامي، ولا على تحريض أبو مازن وأتباعه. وإذا كان العالم مهتماً بالتهدئة، فإن عليه أن يضغط على رئيس السلطة كي يوقف التحريض.
•في مقابل هذا كله، فإن إسرائيل تحتفظ بمفتاح التوتر النابع من الحساسية التي تحيط بالحرم القدسي. وعليها أن تقرر ما هو الأكثر أهمية بالنسبة إليها: التهدئة أو تشجيع أعمال فرض سيادتها على جبل الهيكل. هناك أسباب كثيرة تبرر فرض السيادة، لكن يجب ألا ننسى العلاقة المباشرة بين تزايد التوتر بشأن الحرم ومشاعر الانتقام وسط العرب المتدينين.
•ما يحدث يتضمن مجموعة معقدة من العوامل. ومن المهم ألا تربط إسرائيل بينها بصورة خطأ تزيد الوضع تعقيداً وصعوبة.