•يعكف المستشار القانوني للحكومة في هذه الأيام على دراسة قانونية الأمر الذي يمنع الفلسطينيين من ركوب حافلات المواصلات العامة التي يستخدمها المستوطنون في يهودا والسامرة [الضفة الغربية]، كما تبحث الموضوع لجنة في الكنيست.
•ومن الحجج التي يقدمها المستوطنون لتبرير هذا المنع، أن الفلسطينيين يملأون الحافلات، ويضطر اليهود إلى الانتظار وقتاً طويلاً حتى مجيء حافلة فيها مقاعد شاغرة؛ وأن الفلسطينيين يزعجون اليهوديات جنسياً؛ وأن السائقين العرب يفضلون أبناء قومهم؛ والأهم أن الحافلات المختلطة تنطوي على خطر أمني خشية وقوع عمليات إرهابية.
•لقد ردت وزيرة العدل تسيبي ليفني على هذه الحجج بأنها حجج تميّز سياسة الفصل العنصري. وكذّب ضابط في الدفاع الإقليمي في قيادة المنطقة الوسطى هذه الحجج. لكنني أفترض أن مخاوف المستوطنين حقيقية وأن فيها جزءاً من الواقع، فالمشكلة تكمن في الواقع نفسه الذي يشهد مواجهات دائمة بين اليهود والعرب، وكراهية متبادلة. وليس هذا ما أراده آباء الاستيطان ومن بينهم يغآل آلون الذي اعتبر الاستيطان اليهودي في الخليل استمراراً للاستيطان في حانيتا [مستوطنة تقع غرب الجليل]، وهو لم يتنبأ بالواقع الحالي. لا بل على العكس، فقد اعتبر آلون وكثيرون غيره في حزب العمل ووسط زعماء المستوطنين أن المستوطنات اليهودية في يهودا والسامرة مدخل إلى التعايش. قلائل تنبأوا بالواقع الحالي، وعدد قليل فهموا الفارق بين حانيتا ومستوطنات الضفة الغربية وغزة.
•لكن ثمة فارق كبير بين الاثنين، فالذين أقاموا مستوطنة حانيتا والمستوطنات التي تشبهها اعتبروا الاستيطان أساساً للدولة اليهودية التي تساوي بصورة كاملة بين اليهود والعرب وفق وثيقة الاستقلال. في حين أن الاستيطان في الضفة الغربية وغزة جرى بناء على توجه معاكس، أي إعطاء مكانة خاصة لليهود والتمييز القانوني بينهم وبين السكان الفلسطينيين، وتوظيف أغلبية المال في تطوير المستوطنات اليهودية، وهذا يشكل فارقاً جوهرياً.
•يشتكي المستوطنون وهم محقون في ذلك، من الخطر الأمني الكامن في التنقل المشترك لليهود والفلسطينيين، وهم يستخدمون حجتين إضافيتين تبرران مطالبتهم: الأولى لها علاقة بالعودة إلى أرض التوراة وإلى الأماكن التي سار عليها الأنبياء وملوك إسرائيل. والثانية أن الاستيطان يخدم هدفاً أمنياً هو الدفاع عن "إسرائيل الصغيرة". وهذه الحجة موضع خلاف ولكن بعدما تحولت غزة إلى معقل للتنظيم الإرهابي "حماس"، ازدادت رسوخاً وسط الجمهور الإسرائيلي.
•لكن هناك اعتباراً آخر يتناقض مع هاتين الحجتين وهو أن الواقع الناتج عن الفصل في الحافلات بين اليهود والعرب يعرض للخطر وجود إسرائيل كدولة يهودية ديمقراطية. والفصل في الحافلات ليس الظاهرة الوحيدة في مناطق يهودا والسامرة، فهناك الفصل في الطرقات وفي الخدمات العامة وفي الدخول إلى مؤسسات التعليم.
•ويشكل هذا كله جزءاً من عملية الفصل الجوهرية بين اليهود الذين يتمتعون بجميع الحقوق، والعرب الذين لا حقوق لهم تحت الحكم العسكري. فهل سيؤدي هذا الفصل إلى الأبرتهايد؟ نعم ولا.
•لا، لأن الأبرتهايد في مفهومه الأصلي معناه الفصل بناء على لون البشرة، أي العرق، ولا ينطبق هذا على الفصل في يهودا والسامرة. ومثال على ذلك، في إمكان يهود أثيوبيا السود التنقل في هذه الحافلات، بينما الفلسطيني الأبيض البشرة لا يستطيع ذلك.
•لكن هذا الفصل هو أيضاً بمثابة أبرتهايد لأنه يستند إلى أصل الإنسان، وهو يتعارض مع الوثائق الدولية لحقوق الإنسان، وغير مقبول في أي ديمقراطية، ومكروه من جانب العديد من يهود الشتات. ولا يغير شيئاً كيف نطبق هذا الفصل، فالعالم لن يقبل دولة يهودية تطبق قانوناً ثابتاً بالفصل يستند إلى أصل الإنسان.
•لقد أدرك دافيد بن-غوريون هذه الحقيقة، لكن هذا الإدراك تبدد تحت موجات القومية التي تجتاح الحكومة. إن إسرائيل تحتاج إلى التعاون الاقتصادي العلمي مع أوروبا، وإلى المساعدة العسكرية والاقتصادية من واشنطن، وإلى الحوار مع الشتات.
•ماذا يتعين علينا أن نفعل؟ نضم الضفة الغربية ونعطي حق الاقتراع إلى الفلسطينيين؟ إن هذا ينطوي على خطر كبير وهو تصدع الأكثرية اليهودية والتحول إلى دولة ثنائية القومية. هناك أشخاص في معسكر اليمين يؤيدون هذه الفكرة. لكن كما شرح أليكس يعقوبسون في مقاله، فإن هذه الدولة ستضطر إلى الاعتراف بحق العودة لأبناء اللاجئين الفلسطينيين. إلى جانب ذلك، لا وجود لسابقة من هذا النوع، وليس هناك أي حظوظ لدولة ثنائية القومية تكون واحدة من القوميتين عربية - إسلامية. إن مثل هذه الخطوة ستقضي على اتفاق السلام مع الأردن، وستدمر إسرائيل اقتصادياً (بسبب الحاجة إلى منح الفلسطينيين خدمات عامة من المستوى الذي يحصل عليه الإسرائيليون)، وستعزل إسرائيل عن الغرب.
•يشير مؤيّدو هذا الخط إلى إمكانية المحافظة على الأغلبية اليهودية بعد ضم الضفة الغربية من خلال منح حق الاقتراع لليهود في الخارج. فإن المؤسسة الحاكمة لن تسمح أبداً بنشوء أكثرية عربية وسط المقترعين للكنيست، ولن تتردد في منح حق الاقتراع لليهود في الخارج. والنتائج من ذلك ستكون رهيبة، فإسرائيل غير الديمقراطية ستخسر علاقاتها مع المجتمع الدولي الليبرالي، والعديد من أبنائها المتعلمين سينزحون عنها وستتحول إلى دولة فقيرة.