الوضع الأمني في القدس تغيّر جذرياً ومن الأساس
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

 

•الهجوم الذي جرى يوم (الأربعاء) وأدى إلى مقتل جدعان أسعد، هو العمل الإرهابي الثالث في القدس خلال أسبوعين. ومنذ مقتل الفتى محمد أبو خضير على يد إرهابيين يهود في تموز/يوليو الماضي، قُتل في القدس أربعة مواطنين إسرائيليين وستة فلسطينيين (بينهم أربعة مخربين نفذوا هجمات وقتلوا على يد قوات الأمن). إن تسلسل هذه الأحداث التي يجب أن نضيف إليها سلسلة طويلة من التظاهرات العنيفة ورشق الحجارة والزجاجات الحارقة على السيارات الإسرائيلية، أدى إلى تغيير الوضع الأمني بصورة جذرية في المدينة.

•ومما لا شك فيه أن هذا سيقلص الشعور بالأمان في الأحياء اليهودية الواقعة ما وراء خطوط 67، ومن المنتظر أن يؤثر على مجيء الزوار اليهود والسياح الأجانب من الخارج لزيارة شرقي المدينة. ويدل استدعاء الأردن سفيره في تل أبيب للتشاور، على خطورة الوضع. فعلى الرغم من استفادة الأردن من مساعدة أمنية واقتصادية استثنائية من إسرائيل، فقد شعر بأن عليه التعبير عن احتجاجه علناً نظراً لحساسية مسألة القدس في العالم العربي. وأضيف إلى التوتر القائم حصول عملية الدهس الثانية هذا المساء، ما أدى إلى إصابة ثلاثة جنود في غوش عتسيون.

•قبل سنة تحديداً، في خريف 2013 وقعت سلسلة حوادث إرهابية ضد جنود ومستوطنين في أنحاء شتى من الضفة الغربية برز في أعقابها نقاش بشأن ما يجري وهل هو انتفاضة ثالثة أم لا، لكن التوتر تراجع لسبب ما حتى مطلع السنة الحالية.

•وفي الواقع يبدو التوتر الحالي أكثر جدية. قبل سنة وقعت سلسلة حوادث قامت بها "ذئاب وحيدة" وهم عبارة عن مخربين عملوا بصورة فردية ولم يكونوا في أغلبيتهم ينتمون إلى تنظيم ولم تكن هناك سلسلة قيادة منتظمة وراءهم. التغير الذي يمكن لمسه في الأشهر الأخيرة هو بروز احتجاج شعبي إلى جانب الأعمال التي يقوم بها أشخاص بشكل منفرد، إذ يشهد شرق المدينة أسبوعياً مواجهات صاخبة بين المتظاهرين الفلسطينيين والشرطة. ويبدو العامل الديني هذه المرة مهماً جداً وبصورة خاصة بسبب الخوف الفلسطيني من محاولة إسرائيل تغيير الوضع القائم في الحرم القدسي بصورة أحادية. وتعتبر محاولة اغتيال يهودا غليك الأسبوع الماضي ذروة الحوادث المرتبطة بالوضع في الحرم.

•وفي حادثة يوم الأربعاء كانت الشرطة أيضاً هدفاً للهجوم، فالمخرب إبراهيم العكاري هجم على الشرطة حاملاً قضيباً حديدياً بعد دهسه مجموعة من حرس الحدود وعدداً من المارة في محطة القطار الخفيف الذي توقف في المحطة.

•ومثلما هو الحال في جزء كبير من الحوادث التي جرت في الفترة الأخيرة في مناطق رئيسية مجهزة بكاميرات، فإن الهجوم صُوّر في زمن وقوعه. وكما حدث في هجوم الدهس السابق، فإن ضابطاً في حرس الحدود أطلق النار على المخرب وقتله بعد سقوطه جريحاً على الأرض. ومرة أخرى برزت ادعاءات تقول إنه لم يكن في هذه الحال مبرر لقتل المخرب. لكن هناك على ما يبدو تدبير غير معلن أو مكتوب ظهر في نوعين من الاحداث: السيطرة على مخرب في ساحة الهجوم نفسها (مثلما حدث اليوم)، وتصفية مسلحين خلال توقيفهم (وهذا ما جرى مع الشخص الذي حاول اغتيال غليك قبل أسبوع، وكذلك في أيلول/سبتمبر في الخليل مع قتلة الشبان المختطِفين الثلاثة). فالشرطة تطلق النار أولاً ثم تطرح الأسئلة. ويبدو أن تصريح وزير الداخلية يتسحاق أهرونوفيتش بأن كل هجوم يجب أن ينتهي بقتل المخرب لا ضرورة له. وليس أهرونوفيتش أول سياسي يتحدث بهذه الطريقة في ظروف مماثلة، فهذا ما قاله في الماضي رئيس الحكومة يتسحاق شامير خلال موجة الهجمات بالسكاكين في الانتفاضة الأولى.

•صحيح أنه من المهم أن تتمكن القوى الأمنية من السيطرة على المخرب بأسرع وقت ممكن وأن تعمل بحزم من دون التخوف من أن تحال على المحاكمة. لكن الدعوات العلنية للقتل من دون وضع أي قيد أشبه بإعطاء أوامر بالقتل. وهذا يفتح الباب أمام فوضى قانونية وأخلاقية وحتى سياسية. 

•يشير هجوم اليوم إلى أن الطريق لا يزال طويلاً من أجل تهدئة النفوس في المدينة على الرغم من زيادة قوات الشرطة والتصريحات الحازمة لحكومة نتنياهو. وثمة أسباب كثيرة تدفع الفلسطينيين إلى الثورة في القدس الشرقية، واليد القوية التي أعلنت عنها إسرائيل لن تؤدي إلى قمع العنف بسرعة، فالمخرب الذي قام بهجوم اليوم مثله مثل المتهم باغتيال غليك، ينتميان إلى تنظيم إسلامي. وإذا أخذنا في الاعتبار أن المخرب شقيق ناشط في "حماس" من الذين أُطلق سراحهم في صفقة شاليط، وجرى إبعاده إلى تركيا (حيث يقيم هناك مع صلاح عروري، من كبار المسؤولين في الجناح العسكري)، فيمكن القول إن ما جرى لم يكن هجوماً كلاسيكياً من جانب "ذئب وحيد".

•في الساعات التي تلت الجريمة سارع وزراء الحكومة- يعلون، ليبرمان، شتاينيتس، بينت وغيرهم - إلى التسابق في ما بينهم لاتهام رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بالمسؤولية عن الهجوم. 

•صحيح أن المسؤولين الفلسطينيين صعّدوا تصريحاتهم في الأسابيع الأخيرة، وعباس نفسه بعث رسالة عزاء إلى منفذ اغتيال غليك، لكن يجب ألا ننسى أن السلطة وأجهزتها الأمنية تواصل التنسيق الأمني الوثيق مع الجيش الإسرائيلي والشاباك في الضفة الغربية، وتمنع نشوب أحداث مشابهة لتلك التي تجري حالياً في القدس. 

•وحتى لو كانت حكومة نتنياهو تبذل جهدها للتهرب من استئناف العملية السياسية مع الفلسطينيين، فهي ما تزال بحاجة إلى السلطة لمنع انزلاق العنف إلى جميع أنحاء المناطق، ويدل هجوم الدهس الثاني على أن هذا الأمر لن يكون مهمة سهلة.