الواقع الاستراتيجي الجديد في الشرق الأوسط يختلف عن الذي رسمه نتنياهو في خطابه]
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

•في الخطاب المصقول الذي ألقاه رئيس الحكومة في الجمعية العامة للأمم المتحدة أول من أمس (الاثنين)، صوّر نتنياهو الشرق الأوسط بصورة عامة، منطقة تعج بالمخاطر وفي وسطها إسرائيل، وعلى اليهودي عامة أن يفكر مرتين قبل الخروج من منزله. ففي العالم كما يراه نتنياهو، الإسلام موجود في كل مكان، وهو في أغلبيته إسلام راديكالي يبحث عن فريسة. فإيران، الدولة الإسلامية، هي داعش وهي "حماس"، وجميعهم مصممون على محاربة الغرب ورأس حربته إسرائيل. والاحتمال الايجابي بالنسبة لإسرائيل لا يتمثل في السلام المفترض مع ناكر المحرقة المعروف، أبو مازن، بل في الوعد الغامض بتحالف مصلحي مع الدول السّنية المعتدلة مثل مصر والأردن.

•إن الغيوم السوداء التي يصور رئيس الحكومة انها تظلل المنطقة، موجودة فعلاً، وثمة قدر من الحقيقة في تحذير نتنياهو المجتمع الدولي من نسيان الخطر النووي الإيراني بسبب صعود الخطر الجديد الأقل خطورة والمتمثل في التنظيمات الجهادية السنية وعلى رأسها داعش. فبالنسبة لإسرائيل إيران هي عدو أكثر حنكة وإشكالية إلى حد بعيد. ولا يعود هذا إلى السلاح النووي فقط، بل بسبب المساعدة الكبيرة التي تقدمها إيران إلى تنظيمات إرهابية وحركات سرية في كل أنحاء الشرق الأوسط. لكن على الرغم مع ذلك، فإن حديثاً مع مصدر امني رفيع قبل بضع ساعات من خطاب نتنياهو أظهر صورة مختلفة قليلاً عن الوضع الاستراتيجي في المنطقة، قد يكون أقل واقعية وإقناعاً من الناحية الدعائية، لكنه أكثر تعقيداً.

•ففي رأي هذا المصدر أن إسرائيل ليست مركز ما يجري في المنطقة، ولا يعود هذا إلى أن النزاع الفلسطيني لم يعد المفتاح الذي يمكن بواسطته حل مشكلات الشرق الأوسط، بل بسبب أن الأحداث التي جرت خارج حدود إسرائيل خلال العامين الأخيرين (نتيجة الربيع العربي) هي قصة أكبر بكثير، وعلاقتها بإسرائيل حتى الآن هامشية للغاية. فحرب الحياة والموت بين الشيعة والسنة الراديكاليين لا تطيح فقط بالحدود القديمة التي رسمتها اتفاقية سايكس- بيكو، بل هي تغير بصورة مطلقة حياة عشرات الملايين من الناس المقيمين في المنطقة الممتدة من لبنان حتى حدود العراق مع إيران. 

•ما يجري هو صراع تاريخي واسع النطاق لا تبدو نهايته في الأفق، زاد في حدته الصعود الكاسح لداعش الذي ملأ الفراغ الذي تركه ضعف النظام في العراق وسورية. ولولا انجراف التنظيم وراء الديماغوجية والألاعيب النفسية وإصراره على قتل صحافيين وعامل إغاثة أجانب ما بين منتصف آب/أغسطس ومنتصف أيلول/سبتمبر، لكان في إمكانه الاستمرار في ذبح آلاف الشيعة والعلويين والإيزيديين من دون أن يوقفه أحد.

•لكن نجاحات داعش تكمن في سقطاته. فقد ايقظ عرض أشرطة الرعب لقطع الرؤوس، الغرب من غفلته، وأدى إلى تشكيل التحالف الدولي الجديد بقيادة أميركية. وهكذا تقرر للمرة الأولى القيام بهجمات جوية للغرب داخل الأراضي السورية والعراقية. وما لم تنجح به ثلاث سنوات ونصف السنة من المذابح الفظيعة التي ارتكبها نظام الأسد في مناطق واسعة تابعة لمعسكر خصومه في سورية، ولا الهجوم الكيميائي في آب/أغسطس الماضي، نجحت به ثلاثة أشرطة  ضحاياها مواطنان أميركيان وبريطاني.

•من وجهة نظر إسرائيل، فإن الهجمات الجوية ضد داعش أعطت ثماراً أولية، وتحمل في طياتها فرص نتائج أفضل بكثير. فقد انسحبت قوات التنظيم بتأثير الضغط الذي يمارس عليها من بضعة مناطق في سورية، باستثناء المنطقة الكردية التي تأخر رد التحالف فيها. وبصورة تدريجية يؤقلم داعش نفسه مع الظروف الجديدة، وقد قلص من انتشاره العسكري الظاهر بهدف تقليص تعرضه للضربات من الجو. وفي أي حال، فإن الضربات الجوية ليست كافية لطرد داعش من مواقعه أو لتعزيز قوة تنظيمات المعارضة الأكثر اعتدالاً في سورية في حربها ضد نظام الأسد. وتأمل إسرائيل أن تشكل الضربات الجوية تغيراً في التوجه الأميركي يؤدي ولو متأخراً إلى تقديم مساعدة مالية وعسكرية أكبر إلى تنظيمات مثل الجيش السوري الحر.

•في هذه الأثناء استكملت تنظيمات الثوار سيطرتها في الجولان على نحو 90% من الحدود مع إسرائيل باستثناء جبل الشيخ والجيب الدرزي القريب من قرية الخضرا. وظلت التنظيمات المعتدلة ملتزمة بما يمكن تفسيره بتعهدات لإسرائيل ومنع انتشار جبهة النصرة التنظيم المتشدد بالقرب من الحدود. وعلى الرغم من ميوعة هذا الوضع، فإن المؤسسة الأمنية لا ترى أنه يشكل خطراً مباشراً حالياً.

•ما هو موقف إسرائيل من هذه الصراعات؟ ثمة إجماع في الرأي بين الأجهزة الأمنية المختلفة على أنه يتعيّن على إسرائيل عدم الانجرار إلى داخل هذه النزاعات، ومواصلة التصرف بمسؤولية وإظهار صرامتها حيال أي محاولة للمس بأراضيها، لكن يجب أن تفهم أنها ليست من يملي الوقائع الإقليمية.

•إن التصرف الحكيم يتطلب إقامة تحالفات دائمة وأحياناً موقتة مع دول وحتى مع تنظيمات محلية. ويجب أن يجري هذا من خلال فهم أن ما يجري حالياً سيستمر في زعزعة المنطقة لفترة طويلة.