من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
•استخدام كلمة "إبادة" في خطاب محمود عباس في الأمم المتحدة يعبّر كرْب شديد ليس في وصف الحرب الأخيرة (والحروب السابقة) على غزة فحسب، بل في توصيف السيطرة الإسرائيلية على الفلسطينيين (على جانبي الخط الأخضر). ومن دون الدخول في ما إذا كان عباس يتمسك بهذا الكلام، أم أنه فهم أن عليه أن يعبر عن مشاعر شعبه بصورة أفضل من الماضي، فإن الخطاب في مجمله صرخة. ونظراً إلي كونه غير قادر على الصراخ من على المنبر فقد استخدم كلمات عالية النبرة.
•نميل إلى أن نصرخ عندما لا يصغي الناس إلينا. والإسرائيليون خبراء بعدم الإصغاء. وبدلاً من التحدث عن إخفاقهم في الإصغاء، يحولون النقاش إلى الصرخة. وهنا تكمن مشكلة كل صراخ، وكل خروج عن التقاليد المتفق عليها. فالصراخ يُجابه بالإدانة من جانب الأشخاص المتحضرين الذين لا يصرخون، لكنهم يقومون بأشياء كثيرة أخرى، هم يدمرون ويقتلون ويطردون، لكنهم يتصرفون بطريقة مهذبة في المناسبات الاجتماعية.
•ليس وحده عباس يعاني من هذه الضائقة في استخدام العبارات، بل يشاركه فيها كل من لا يريد أن يصف الواقع من خلال التوصيفات الموجودة في الكتب والمقالات، وإنما يريد تغييره. ولماذا نصل إلى الصراخ؟ لأن هناك كثيرين يستفيدون من الوضع القائم ولا يريدون أيضاً تغييره. وهم لا يريدون أن يسمعوا أن هذا الوضع لا يحتمل وظالم وغير عادل، لأن هذا لا يمسهم.
•إن كل من لا يريد استخدام الشعارات والكليشهات يواجه ضيقاً في التعبير، فالكتابة عن إنسان طرد من منزله وأرضه يری الإسرائيليون أنها تعبر عن حالة فردية لا تملك صفة تمثيلية. والكتابة عن الطرد الجماعي والإبعاد تتحول إلى إحصاءات جافة لا يمكن التواصل معها. أما الحديث عن طفل قتله الجنود فإنه يجعل مشاعر الإسرائيليين تتعاطف مع الجنود الذين حياتهم في خطر. ولدى الحديث عن مئات الأطفال الفلسطينيين الذين قتلهم الجيش الإسرائيلي، يتحدث الإسرائيلي عن الصواريخ التي سقطت في حديقة أطفال خالية. وهكذا عندما يجري محو التفاصيل والوقائع ودلالاتهما، فإن الكلمات التي تعبر عنها تتحول إلى شعارت وكليشهات في أسماع الذين يسمعونها.
•لهذا علينا أن نخترع الكلمات في كل مرة من اجل أن نروي القصة عينها بأساليب مختلفة. إن السنوات الـ25 الماضية يمكن اختصارها على الشكل الآتي وهو أن جميع الوسائل التي استخدمها الفلسطينيون للتعبير عن مقاومتهم للسيطرة الأجنبية التي فرضت عليهم فشلت، فإسرائيل لم تستمع إلى رسائلهم، بل طورت وصعدت الأدوات التي قمعت بها الوسائل التي استخدمها الفلسطينيون لنقل رسائلهم (نعم، الحجارة والصواريخ مثل الخطب والمقالات هي وسائل للمقموعين كي يقولوا ما لديهم). لقد طورت إسرائيل وصعدت وسائل قمعها، ثم تشتكي من مواصلة الفلسطينيين مقاومتهم.
•إن التصعيد والتحسين يتلاءمان مع الأساليب التي يستخدمها شعب الله المختار، من الأساليب البيروقراطية والتقنية (فرض القيود على التنقل، والتحكم بالتصاريح، وحظر أعمال البناء والتطوير)، مروراً بالأساليب العسكرية (السلاح والذخيرة اللذان يتقدمان في كل مرة درجات في القدرة على القتل، واستخبارات تصل حتى إلى أسرة المرضى)، ثم انتهاء بالوسائل الديبلوماسية.
•يبدو أنه لا يوجد لنا نظير في أساليب المكر والخداع التي نستخدمها في سيطرتنا على شعب آخر. فالعديد من الإسرائيليين الجيدين والسيئين تصرفوا بمكر ودهاء من أجل تحويل المفاوضات إلى غطاء لتوسيع المشروع الاستيطاني، ودفع الفلسطينيين نحو مناطق مزدحمة سكانياً (من على جانبي الخط الأخضر)، وقوضوا علاقتهم الطبيعية العميقة والتاريخية بأرضهم وموطنهم. وهم يحملون القيادة الفلسطينية مسؤولية مواطنيهم، لكنهم لا يعطونها الصلاحيات والموارد كي تتحمل هذه المسؤولية. هذا المكر والخداع هما اللذان يفسران لماذا صرخ عباس في الأمم المتحدة وهو من كبار المؤمنين بالمفاوضات.