•جاء رئيس الحكومة نتنياهو إلى الأمم المتحدة حاملاً مجموعة مختلفة من الحجج أرفقها كعادته بإيضاحات بصرية مؤثرة. فقد ألقى خطاباً جيداً استهله بالحديث عن توق إسرائيل إلى السلام، لكنه فيما بعد بنى من خلال كلامه حجراً فوق حجر جدار العداء الذي يحيط بنا، بدءاً من داعش، مروراً بـ"حماس" وصولاً إلى حزب الله وإيران.
•لقد حاول نتنياهو أن يثبت بالاستشهادات والأمثلة كيف أن هذه الدول والتنظيمات لا تختلف عن بعضها، وأنها كلها تشبه في جوهرها ألمانيا النازية.
•ومن الأساس الإيديولوجي الاجرامي الذي ألصقه نتنياهو بالأصوليين الإسلاميين، انتقل إلى الجزء الثاني من خطابه، أي تصفية الحساب مع أبو مازن. وكانت الحجة التي استخدمها حادّة، فقد تساءل كيف يمكن في الوقت الذي يسعى فيه قاطعو الرؤوس هؤلاء الذين لا فرق بينهم إلى القضاء على إسرائيل، أن يتهمنا أبو مازن بارتكاب جريمة ضد شعب؟ وهل يخطر على بال أحد أن تطلق "حماس" النار من داخل الأحياء السكنية مثلما تثبته الصورة التي عرضها، وأن يتهمنا أبو مازن بجرائم حرب هو المسؤول عنها لوجوده في حكومة واحدة مع إسماعيل هنية؟
•وأنهى رئيس الحكومة هذا الجزء من الخطاب بالهجوم على العالم كله الذي يوجه انتقادات إلى إسرائيل، ويصدق الأكاذيب ويتسبب بنزع الشرعية عنا. واتهم العالم كله بالعداء للسامية من دون التفريق بين منتقدين شرعيين لسياسته بينهم أصدقاء لإسرائيل ومعادون لها.
•لقد تحدث نتنياهو بصوت عال وبانفعال صادق وحظي بالتصفيق أكثر من مرة، لكنه لم ينجح في تحريك العالم. مشكلتنا كانت وستبقى أن المجتمع الدولي يعتبرنا الطرف الأقوى الذي نجح في اعتراض جميع الصواريخ التي أطلقت علينا، وقتل نحو 2000 شخص في غزة ربعهم من الأطفال، وجرح آلاف آخرين أبرياء، واستخدم القوة المفرطة في مواجهة المدنيين في غزة.
يعرف نتنياهو ذلك لكنه ليس مستعداً للتنازل، وبدلاً من أن يحل المشكلة فهو يزيدها حدة. وهو حوّل بالأمس أبو مازن إلى أخطر عدو لإسرائيل ولليهود، وناكر للمحرقة النازية، وأنه يتطلع إلى القيام بتطهير عرقي في المناطق من اليهود (نتنياهو ليس دقيقاً في هذا الصدد، فأبو مازن ليس مستعداً للقبول بالمستوطنات داخل أراضي الدولة الفلسطينية، لكنه حسب ما أذكر لم يتحدث عن اليهود).
•صحيح أن أبو مازن استخدم نعوتاً قاسية غير مقبولة، لكن نتنياهو استغل ذلك كي يقضي على الشريك المحتمل الوحيد له في العملية السياسية. وللتذكير أبو مازن هو الذي حارب مع نتنياهو والقوى الأمنية إرهاب "حماس". لكن يبدو أن نتنياهو ينوي تخطي المفاوضات الإسرائيلية- الفلسطينية والتوصل إلى اتفاق مع دول عربية مهمة معتدلة تتعاون معها إسرائيل منذ زمن طويل.
•إن حلم نتنياهو هو توقيع اتفاقات سلام مع هذه الدول التي ليس لدينا معها أي مشكلة جغرافية، وأن تبقى القصة الإسرائيلية- الفلسطينية عالقة في الهواء. ولكن هل من المحتمل حدوث مثل هذه التسوية الإقليمية الجديدة، أي سلام مع مصر والأردن والسعودية ودول الخليج، من دون قيام دولة فلسطين؟