•كان واضحاً أن خطاب الرئيس أوباما أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع الماضي لن يكون عادياً ولن يكرر فيه المواقف التقليدية المعروفة بشأن مكانة الولايات المتحدة ودورها داخل الأسرة الدولية. والسبب الأزمة في أوكرانيا، وبصورة أساسية تقدم داعش في سورية والعراق والخطوات المضادة التي اتخذها الرئيس من أجل "ضرب هذا التنظيم وتدميره" كما قال الرئيس أوباما.
•صحيح أن العملية العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة بمشاركة التحالف الدولي ما تزال محدودة للغاية، لكنها من وجهة نظر أوباما الشديد الحذر من تدخل أميركي لا لزوم له في النزاعات الدولية، تشكل منعطفاً مهماً بالمقارنة مع الشعار الذي تبناه سابقاً، وهو "القيادة من بعد".
•عندما وصل أوباما في خطابه إلى النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني خُيل إلي أنه سيكتفي بتكرار المعزوفة المعروفة من نوع: "لا يمكن استمرار الستاتيكو لفترة طويلة من الزمن" و"الولايات المتحدة ستواصل جهودها من أجل تحقيق السلام" وغيرها. لقد قال أوباما إن "العنف في المنطقة جعل العديد من الإسرائيليين يشعرون باليأس" وإن العالم سيكون "مكاناً أكثر أمناً في حال تحقق حل الدولتين". لكن كان مفاجئاً قوله أموراً لم يقلها أي رئيس أميركي من قبل بهذه الصورة الواضحة "إن الوضع في العراق وسورية وليبيا يجب أن يشفي الجميع من وهم أن النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني هو مصدر مشكلات المنطقة، فلوقت طويل استخدم (هذا النزاع) أداة لتحويل انتباه الناس عن المشكلات".
•عندما قرأت هذا الكلام في النص الرسمي للخطاب لم أصدق ما رأيته. فخلال سنوات عديدة جهدت الدعاية السياسية في دولة إسرائيل من دون أن تحقق نجاحاً يذكر، من أجل دحض الحجة غير الصحيحة بأن النزاع مع الفلسطينيين هو أساس جميع مشكلات الشرق الأوسط، وأنه بصورة أساسية سبب مشكلات الولايات المتحدة والعالم العربي. وها هو أوباما يقول من دون تردد وبصورة قاطعة كلاماً مغزاه الواضح والوحيد أننا كنا على حق. لم تعد "الطريق إلى بغداد تمر في القدس" كما قال زبيغنيو بريجينسكي مستشار الأمن القومي للرئيس جيمي كارتر؛ ولا مكان بعد اليوم للقول بأن "الخطر على حياة الجنود الأميركيين في العراق وأفغانستان سببه عدم حل المشكلة الفلسطينية" كما صرحت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون.
•من المحتمل أن تكون دوافع أوباما لقول هذا الكلام المنفعة السياسية، فانتخابات منتصف الولاية باتت قريبة، والفرضية التي تتهم النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني بأنه سبب جميع المشكلات في الشرق الأوسط تبرز فشل الولايات المتحدة في حل هذا النزاع، على الأقل في نظر جزء من المراقبين. ومن المحتمل أن الرئيس ومستشاريه توصلوا إلى الخلاصة المنطقية بأن الفوضى الآخذة في الانتشار في الشرق الأوسط والتي قد تزحف إلى أوروبا والولايات المتحدة نفسها أهم وأكثر خطراً من مواصلة التحجج بالموضوع الفلسطيني.
•وبغض النظر عن السبب وعلى أي حال، فإن هذا بمثابة نجاح كبير لسياسة الدعاية الإسرائيلية.
•مما لا شك فيه أن خطاب أوباما لم يكن مدعاة للسرور لدى أبو مازن الذي لا يفوت فرصة من دون أن يشتكي من أن مشكلات داعش ستجعل العالم ينسى المشكلة الفلسطينية. ومن المحتمل أن خطابه العدائي يعود إلى غضبه من الرئيس أوباما. فعلى الرغم من توضيح أوباما أن الموضوع الفلسطيني ما يزال على جدول الأعمال، فإنه من المحتمل أن يكون هذا الجزء المهم في خطابه إشارة إلى أن واشنطن قررت أن تضع الأمور في حجمها، وتلميحاً إلى عدم نية واشنطن دعم "مشروع السلام الجديد" لأبو مازن، ولا الخطوات التي ينوي القيام بها في مجلس الأمن.