رؤية إيران للواقع الحالي في الشرق الأوسط: فرصة ملائمة لمواصلة العمل على مخططها النووي
المصدر
Israel Defense

موقع إلكتروني متخصص بالمسائل العسكرية، يصدر باللغتين العبرية والإنكليزية.

المؤلف

[ملخص: تسعى إيران إلى استغلال الواقع الحالي في منطقة الشرق الأوسط من أجل تحقيق تسوية ملائمة بشأن برنامجها النووي تؤدي إلى رفع نظام العقوبات المفروضة عليها. ويستعرض البروفسور زكي شالوم تفاصيل "الصفقة الشاملة" التي تقترحها إيران على القوى الغربية].

 

•جدّد الرئيس الإيراني حسن روحاني في الخطاب الذي ألقاه أمام المنتدى الاقتصادي الذي انعقد في 12 آب/أغسطس 2014 في طهران، دعمه للمفاوضات مع مجموعة دول"5+1" الرامية إلى التوصل إلى تسوية بشأن نشاط إيران النووي. وكان وصف قبل أسبوع فقط أولئك المعارضين للتسوية بـ"الجبناء". ومن ضمن الأمور التي أوضحها روحاني تأكيده أن إيران تجري هذا الحوار مع القوى الكبرى بجدية وتصميم، وأنها معنية بالتوصل إلى تسوية وأنها ليست مهتمة بالمماطلة، ومع ذلك، ينبغي أن تدرك القوى الكبرى أن نافذة الفرص التي فتحتها إيران أمام الحوار ليست غير محدودة بمهلة زمنية. وأكد روحاني أن إيران لم تسع يوماً، ولن تسعى أبداً لإنتاج أسلحة دمار شامل. وأنها ملتزمة بهذا المبدأ حتى من دون ضغوط مجموعة الدول الـ "5 +1"، والوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA)، ومعاهدة الحد من انتشار السلاح النووي (NPT). وذكّر روحاني القوى الكبرى بأن إيران هي التي دعت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى تركيب كاميرات مراقبة في المنشآت النووية [الإيرانية].

•وفي الوقت نفسه، أكد روحاني أن على العالم أن يتصالح مع الواقع الحالي، وأن يدرك أن إيران لن تتنازل عن حقوقها. وأوضح الرئيس الإيراني أن من شأن التوصل إلى اتفاق نهائي مع القوى الكبرى أن يساعد على تعزيز الاستقرار في المنطقة. وإذا توفرت النية الحسنة لدى الجانبين، يمكن التوصل إلى تسوية نهائية حول المسألة النووية. وينبغي أن تفضي المحادثات مع القوى الكبرى إلى حلّ مقبول من قبل الجانبين بمهلة زمنية منطقية. إننا [إيران] مستعدون للتحاور بالطريقة المنطقية السليمة. 

يريدون رفع العقوبات

•والمقابل الرئيسي الذي تطمح إيران إلى إحرازه، بحسب روحاني، هو بالطبع رفع العقوبات عنها، وهي تعمل بتصميم لتحقيق هذا الهدف. فقد نجحت في إضعاف وزعزعة نظام العقوبات ضدها. والواقع الذي كان قائماً في الماضي لن يعيد نفسه. كما يخدم إلغاء العقوبات المصالح القومية للدول المشاركة في نظام العقوبات، وليس فقط مصلحة إيران. وقال روحاني: تلقينا رسائل من دول عديدة تفيد أن العقوبات ضد إيران مؤذية لها أيضاً، وأن رفع هذه العقوبات سيساعدها. وذكّر روحاني بأن نظام العقوبات وسيلة قمع لاإنسانية. فقد حالت العقوبات دون معالجة مرضى في إيران بحكم فقدان الأدوية. وهذه وصمة عار تاريخية. وقال روحاني إن إيران ستسعى لإلغاء نظام العقوبات ضدها في مقابل الحوار الذي تجريه مع القوى الكبرى. وهذا تلميح إلى أنها مستعدة لرفع تدريجي للعقوبات وليس دفعة واحدة.

•وفي الخطاب الذي ألقاه قبل أيام معدودة، أكد المرشد الأعلى [في إيران]، علي خامنئي، تأييده مواصلة الحوار مع مجموعة الدول الـ "5 +1" حول نشاط إيران النووي. ويجدر التذكير بأنه تكلم قبل عام حول ضرورة إبداء "مرونة بطولية" في المحادثات. كما أكد [خامنئي] أن المحادثات جرت بشكل جيد حتى الآن. ومع ذلك، أوضح أن المحادثات مع الولايات المتحدة حول مسائل أخرى لا طائل منها، ولا سيما أنها لم تؤد إلى تخفيف العداء الأميركي لإيران. بل بالعكس العداء ازداد.

•وقبل بضعة أيام، أعرب مساعد وزير الخارجية الإيراني [للشؤون الأوروبية والأميركية]، مجيد تخت روانجي، عن رضاه عن تقدم المحادثات مع مجموعة الدول الـ"5+1"، إذ قال إن المحادثات الجارية حالياً ترتكز من بين جملة أمور على حوار مباشر مع كل واحدة من هذه الدول وإيران، وهي محادثات مثمرة، وتهدف إلى تقليص التباينات قبيل اللقاء بين مسؤولين كبار من إيران ودول الـ"5 +1" في أيلول/سبتمبر 2014. ولهذا الغرض، من المقرر أن تجري محادثات بين وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، ومفوضة شؤون العلاقات الخارجية للاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر المقبل (2014). 

•إن الرسالة المتضمنة في هذه التصريحات واضحة للغاية: إن لإيران مصلحة أكيدة في مواصلة الحوار مع القوى الكبرى حول نشاطها النووي، وفي إبرام اتفاق معها. وتقترح إيران، عملياً، على هذه القوى، وبشكل أساسي على الولايات المتحدة، إبرام "صفقة شاملة" تقوم إيران بموجبها بمساعدة الولايات المتحدة على تحقيق مصالحها، وعلى إعادة الاستقرار والهدوء إلى العراق، وربما أيضاً إلى قطاع غزة. وفي غياب ظاهر لاستعداد أميركي للمشاركة في نشاط عسكري برّي في العراق، وقصر المشاركة على غارات جوية فقط، فإيران هي الدولة الوحيدة في المنطقة القادرة على لجم وكبح تنظيم "داعش" ومنع توسعه وانتشاره إلى دول مثل الأردن ولبنان. وإيران هي الدولة الوحيدة القادرة على تليين مواقف حركة "حماس" في مواجهة إسرائيل وإقناعها بالعودة إلى حالة التهدئة. وهي، بالطبع، تسيطر على حزب الله، وتمتلك القدرة على لجمه أو تحريضه على العمل ضد إسرائيل. 

•وفي المقابل، تأمل إيران من القوى الكبرى، وخصوصاً من الولايات المتحدة، التجاوب معها فيما يتعلق بنشاطها النووي. ويوضح الرئيس الإيراني بكياسة ملائمة، أنه ليس لدى القوى الكبرى، عملياً، خيار سوى قبول الاقتراح "المغري" الذي تعرضه إيران. وعلى هذه الدول أن تقبل بحقائق الأمر الواقع الذي فرضته إيران، وألا تطالبها بشروط لا تستطيع تلبيتها. وإيران مستعدة للذهاب بعيداً من أجل إنجاز التسوية، لكنها لن تتنازل عن "حقوقها"؛ بيد أن روحاني لا يعرّف معاني هذا المصطلح المهم. ومن شبه المؤكد أن المقصود بذلك هو موافقة القوى الكبرى على أن تواصل إيران نشاطها النووي على نطاق ووتيرة قريبين من المستويات الحالية. كما تنطوي تصريحات الرئيس الإيراني على رسالة تهديد أيضاً. إيران لن تنتظر طويلاً من أجل إبرام الاتفاق، والمقصود بذلك نافذة فرص بمهلة زمنية محدّدة، وعلى القوى الكبرى بالتالي استغلال الفرصة المعروضة عليها.

•ويجدر التذكير بأن ممثلي مجموعة الدول الـ "5 +1" أجروا، خلال الشهر الأخير في فيينا، محادثات مع ممثلي إيران طيلة ما يقارب أسبوعين. وزعم ممثلو إيران أن القوى الكبرى متمسكة بمواقف متصلبة ولا تقدم تنازلات. وبعد أن تبيّن أنه من المستبعد التوصل إلى تسوية، تقرّر تمديد مهلة المفاوضات، وإرجاء الموعد المحدد للتوصل إلى تسوية من 20 تموز/يوليو 2014، إلى 24 تشرين الثاني/نوفمبر 2014. وفي المقابل، وافقت الولايات المتحدة الأميركية على الإفراج عن 2,8 مليار دولار من الأرصدة الإيرانية المجمدة لديها. 

على خلفية أزمات دولية

•إن المشهد الذي يتشكل حالياً أمام بصر إيران يقودها بشكل شبه مؤكد إلى استنتاج أن مسألة تحول إيران إلى دولة نووية لم تعد على رأس قائمة أولويات القوى الكبرى. وعملياً، انخفض الاهتمام الدولي بهذه المسألة بشكل لافت. وساهم في ذلك اندلاع أزمات حادة على الساحة الدولية وعلى رأسها الخلاف الأميركي- الروسي حول أوكرانيا، والتوتر الشديد الذي نشأ في أعقاب سقوط الطائرة الماليزية، وتزايد خطر اجتياح عسكري روسي لأراضي أوكرانيا. ونتيجة هذه الأزمة، بإمكان إيران أن تقدر أن هامش مناورة الولايات المتحدة في مواجهتها، تقلص كثيراً. وتلقت قدرة الإدارة الأميركية على حشد القوى الكبرى وعلى رأسها روسيا، حول إجراءات شاملة ضد إيران في الظروف الحالية، ضربة قوية.

•وأدى الوضع الصعب في العراق الناجم عن تقدم قوات تنظيم "داعش" وخطر انهيار النظام الحالي في العراق، وانتشار حال من الفوضى، إلى تعزيز التعاون الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وإيران. فهما يحاربان الآن عدواً مشتركاً. وفي مقابلة أجراها الصحافي توماس فريدمان مع الرئيس الأميركي أوباما، أثنى الرئيس الأميركي على القيادة الإيرانية، منوّهاً بسياستها البراغماتية في العراق. ويشير إعلان إيران تأييدها لترشيح حيدر العبادي لمنصب رئاسة حكومة العراق بدلاً من نوري المالكي، بشكل شبه مؤكد وواضح، إلى تنسيق للمواقف بين كل من إيران والولايات المتحدة. وتدرك إيران جيداً أن الولايات المتحدة في أمس الحاجة إلى مساعدتها لتحقيق استقرار النظام في العراق والتصدي لقوات "داعش"، وتحاول إيران قبض ثمن هذا الدعم في مجال المباحثات حول نشاطها النووي.

•كما أن الحرب الدائرة في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس صرفت الاهتمام العالمي بعيداً عن المسألة الإيرانية. وتمتلك إيران نفوذاً كبيراً على حركة "حماس"، باعتبارها مزودة السلاح الرئيسية لها. وبالتالي، فإن كل تسوية من شأنها أن تؤدي إلى انتهاء الحرب في الجنوب، بهذه الطريقة أو تلك، تستدعي موافقة إيران. وتعي إيران جيداً مصلحة الولايات المتحدة في وضع حدّ للحرب في قطاع غزة، لأسباب عديدة من ضمنها أن هذه الحرب تضع الولايات المتحدة أمام معضلة صعبة في مواجهة الدول الحليفة لها، والمتخاصمة في ما بينها: مصر، وإسرائيل، والسعودية في مواجهة تركيا وقطر. ويجوز الافتراض أن دولة متمرّسة بالتفاوض مثل إيران لن تتنازل عن خيار قبض "عمولة"، مكافأةً لها على استعدادها للجم حركة حماس وإقناعها بقبول مشروع تسوية. 

هدوء في منطقة الشرق الأوسط لقاء وضعية دولة عتبة نووية

•إن الواقع الحالي ملائم جداً لإيران، ولا سيما أنه كشف أمام أنظار الجميع أن إدارة أوباما ارتدعت عن ممارسة سياسة هجومية على الساحة الدولية بعامة، وفي مواجهة إيران بخاصة. وظهر هذا الارتداع بجلاء في العام الأخير من خلال المواقف التي اتخذتها الإدارة الأميركية حيال الحرب الأهلية في سورية، والعدوانية الروسية في أوكرانيا. وأعطى الرئيس الأميركي هذا الأسبوع في مقابلته مع الصحافي توماس فريدمان لهذه السياسة "ركيزة أيديولوجية" من خلال قوله إن الولايات المتحدة ستتدخل في مناطق النزاعات مثل الشرق الأوسط فقط إذا تبنّت الدول المتنازعة صيغة "لا منتصر ولا مهزوم" (no victor/no vanquished). وتجسّد هذه الصيغة عملياً الحد الأقصى للالتزام الأميركي بسياسة المنع، لا الاحتواء، (prevention, not containment) المعتمدة تجاه برنامج إيران النووي.

•وأخيراً، من المحتمل أن تقدّر إيران أن المواجهة القتالية الصعبة بين إسرائيل وحركة "حماس" ستعزز موقف معارضي الخيار العسكري ضد إيران داخل إسرائيل. فقد "خَبِر شخصياً مباشرة" كل من القيادة والجمهور في إسرائيل معنى إلحاق الضرر بالجبهة الداخلية، برغم أن المنظومة الدفاعية في إسرائيل، وبشكل أساسي منظومة "القبة الحديدية" نجحت في إسقاط عدد كبير من الصواريخ والقذائف الصاروخية التي أطلقت في اتجاه مدن إسرائيل. ومن شبه المؤكد أن إيران تقدّر أن القيادة والجمهور في إسرائيل يدركان أنه في حال مواجهة حربية مع إيران وبالتالي مع حزب الله، ستكون عواقب الضرر اللاحق بالجبهة الداخلية أخطر بكثير. ومن شأن هذه التقديرات أن تردع كثيرين في إسرائيل عن توجيه ضربة عسكرية ضد إيران.

 

•وفي الختام، تشي تصريحات كبار المسؤولين في إيران بشكل شبه مؤكد، بأن النظام الإيراني يعتبر الفترة الزمنية الحالية ملائمة لإبرام "صفقة" شاملة بين إيران والقوى الكبرى حول نشاط إيران النووي. ويفهم من بين السطور أن المخطط الذي تقترحه إيران سيمنحها خيار الاستمرار في نشاطها النووي بمستوياته الحالية تقريباً. وستواصل إيران إعلان أنها لا تسعى لإنتاج أسلحة دمار شامل، وستسمح بإشراف القوى الكبرى على منشآتها النووية على أساس المخطط الحالي. وفي موازاة ذلك، ستتعاون إيران مع الغرب من أجل عودة الهدوء والاستقرار إلى بؤر التوتر الحالية أساساً في العراق، وفي قطاع غزة، ولبنان. أما في المقابل، فسترفع القوى الكبرى سيف العقوبات المصلت عليها، وستسمح لها بالعمل وفق المخطط الحالي لنشاطها النووي الذي يُبقي في يدها خيار دولة على عتبة امتلاك سلاح نووي.