•في رأي إحدى الشخصيات البارزة في الليكود من الذين كانوا على معرفة جيدة بأسرار المعركة الأخيرة ضد "حماس"، أن المؤتمر الصحافي الذي عقده رئيس الحكومة بالأمس كان فاشلاً ولا ضرورة له. فقد اضطر نتنياهو لاختراع "انتصار عسكري وسياسي كبير" غير موجود بالفعل، وجميع محاولاته للإقناع لا تنطبق مع صورة الواقع، وأدت إلى إثارة غضب جزء كبير من الجمهور الذي كان يتوقع نتيجة مختلفة.
•وفي رأي المصدر نفسه، أنه كان على نتنياهو أن "يشرح ببساطة الاعتبارات الاستراتيجية التي وجهته، وأن يقول إنه كان في الإمكان إخضاع حماس لكن الثمن باهظ، ويتطلب تجميع القوات في غزة للسيطرة عليها خلال السنتين المقبلتين في وقت تشتعل فيه الجبهات الأخرى. وكان عليه أن يقنع الناس بأن الوقت الآن ليس هو الوقت المناسب. لكن بدلاً من ذلك شرح وفسّر، بينما المنتصر الحقيقي لا يحتاج إلى عقد مؤتمر صحافي لتفسير انتصاره".
•على ما يبدو، فإن نتنياهو يفكر بطريقة مختلفة، ويشعر بأنه مضطر إلى إقناع الجمهور قبل فوات الأوان. فنحن نمر في لحظة حرجة، وخلال أسبوعين سنعرف ما إذا كان الشعور بالإحباط سينتشر ويزداد، أم أنه سيتبخر ويختفي شيئاً فشيئاً. ويرتبط هذا الأمر برد فعل سكان الجنوب وجنود الاحتياط والإعلام الرسمي، وبشبكات التواصل الاجتماعي، وأيضاً بالمعارضين الكثر لنتنياهو في الداخل.
•إذا واصل نتنياهو تراجعه في استطلاعات الرأي العام وتواصلت الانتقادات ضده، فمن المحتمل أن يركب سياسيون هذه الموجة من أجل إسقاط رئيس الحكومة في وقت مبكر. ويعتبر وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان المرشح الأبرز للقيام بهذه العملية الفوضوية. فقد حاول بالأمس أن يقضي على المؤتمر الصحافي لنتنياهو قبل ان يبدأ عندما كتب على صفحته في "فايسبوك" إنه "يجب عدم التوصل مع حماس إلى أي تسوية، لا سياسية ولا أمنية".
•في تقديرات القيادة السياسية أن ليبرمان الذي يقوم بتصرفات غير متوقعة، قد يعقد مؤتمراً صحافياً يعلن فيه خروجه من الحكومة، ويتعهد بسياسة أمنية مختلفة وبإخضاع "حماس" فعلاً. وإذا استقال ليبرمان فمن المحتمل أن تذهب الدولة نحو انتخابات جديدة.
•أما الوزير نفتالي بينت فهو يوجه انتقادات يومية إلى رئيس الحكومة، لكنه ليس من الأشخاص الذين يستقيلون من الحكومة، بل على العكس، هو يعتقد أنه قادر على أن يعرقل من داخلها الخطوات السياسية التي يفكر بها نتنياهو من دون الخروج عن الإطار الرسمي. وفي هذه المعركة بدا بينت أكثر حذراً من ليبرمان، فهو لم يهاجم نتنياهو بصورة فجّة، ويعمل في المقابل على تلميع صورته شخصياً، وتتزايد شعبيته كثيراً في الاستطلاعات، بحيث قد يتحول حزب "البيت اليهودي" إلى أكبر الأحزاب التي لدينا.
•إذا استطاع نتنياهو تجاوز الأسبوعين المقبلين بسلام، فهو يستطيع أن يرتاح حتى 28 تشرين الأول/أكتوبر موعد عودة الكنيست من عطلة الصيف حيث سيبدأ فوراً مناقشة الميزانية. وسوف يكون في انتظاره هناك وزير المالية. فماذا سيفعل نتنياهو؟ هل سيوافق على ميزانية غير اجتماعية خاضعة لإنفاق أمني كبير لتغطية عملية "الجرف الصامد" ويخاطر بالتعرض للغضب والهبوط الحاد في شعبيته في الاستطلاعات؟ هل سيستقيل لبيد ويخوض نضالاً من أجل الانتخابات المقبلة من داخل المعارضة؟ أم أنه سيصر على فرض ضريبة القيمة المضاعفة ويحمّل رئيس الحكومة كل مشكلات الميزانية؟
•في هذه اللحظة من الواضح لجميع أعضاء المجلس الوزاري المصغر أن الدولة انجرت إلى حرب لا ترغب فيها، وأنها اضطرت للقيام بعملية برية لم تكن مستعدة لها ولم تتدرب عليها، وفشلت في قراءة نوايا "حماس" وأنهت العملية باتفاق موضع خلاف، لا يلحق ضرراً كبيراً بمكانة هذا التنظيم ولا بقوته.
•سيضطر المجلس الوزاري إلى أن يدرس كل الخطوات بعناية ودقة. فمن الواضح اليوم أن الجيش كان يعرف بالأنفاق التي بنتها "حماس" تحت غزة، وبتلك التي تصل بينها وبين أراضي إسرائيل، لكن الدولة لم تنجح في تحديد مكانها ولا في العثور على حل لها. ويبدو أن النظرية الأمنية الموجهة لها هي أن الدولة لا تشن حرباً رداً على التسلح الكبير لدولة معادية إلا في حال شكل هذا التسلح خطراً وجودياً عليها.
•في ضوء ذلك، يمكن افتراض أن حزب الله يقوم الآن بحفر أنفاق تحت الحدود اللبنانية من دون أن نفعل شيئاً، تماماً مثلما لا نفعل شيئاً لمواجهة آلاف الصواريخ التي نشرها الحزب منذ سنة 2006، وجميعها موجهة نحو تل أبيب و"ما بعد بعد" تل أبيب كما يقول حسن نصر الله.
•على المجلس الوزاري أو أي لجنة تحقيق أن تبحث ما إذا كان في الامكان توجيه ضربة قوية إلى البنية التحتية لـ"حماس" وإلى قياداتها من دون احتلال غزة. وقد تحدث اللواء السابق يوآف غلانت الذي كان قائداً للمنطقة الجنوبية، وموشيه تامير قائد فرقة غزة خلال الحرب عن بدائل ممكنة.
•إن تفحص هذه الأمور مهم جداً من أجل المستقبل، فالجميع يدرك أن الوضع ينطوي على احتمال الدخول في جولة جديدة في غزة عاجلاً أم آجلاً. يجب العثور على حل هندسي سريع لقضية الأنفاق، وأيضاً: كيف نخلي السكان من مناطق القتال بصورة رسمية ومنتظمة بدلاً من تشتيتهم في شتى أنحاء البلد من خلال تصريحات ووعود جوفاء.
•لقد أدار رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الحرب بحكمة ومسؤولية كبيرة ولم يحاول خداع جمهور ناخبيه مثلما فعل سياسيون سابقون. وعلى ما يبدو، فإن رئيس الحكومة ليس مهيئاً لخطوات سياسية وعسكرية تأسيسية ودراماتيكية، وكان هذا في مصلحتنا جميعاً. إلى جانب ذلك، تبين لنا أن الجيش هو الذي يقف على رأس الدولة وليس القيادة السياسية، إذ لم يقدم رئيس الحكومة ووزير الدفاع على أي خطوة تتعارض مع موقف الجيش. كما لم يقم نتنياهو بأي خطوة تتعارض مع رأي يعلون رئيس الأركان السابق.
•لم يغير الجيش من عقيدته القتالية، فمن يقارن بين المعارك في حرب لبنان الثانية وبين عملية الجرف الصامد يصل إلى نتائج مذهلة. ففي الحربين سيطرت القيادة العسكرية على موقف القيادة السياسية، وفي الحالين اعتقدت هذه القيادة أن الهجوم الجوي سيحسم المعركة. وفي الحربين استخدمت القوة البرية فقط عندما لم يعد هناك مفرّ من استخدامها وقامت بعمليات باهظة الثمن، وفي الحربين لم تسجل عمليات مبتكرة أو خارجة عن المألوف من شأنها إحداث تغيير أوتحول في كفة المعركة. فهل السبب يعود إلى كون رئيس الأركان بني غانتس، ونائبه غادي أيزنكوت اللذين أدارا المعركة، كانا في هيئة الأركان العامة خلال حرب لبنان الثانية [حرب تموز/يوليو 2006]؟
•على ما يبدو، سينجح نتنياهو في تخطي المعركة السياسية بسلام. وسيتصرف بحذر مثلما فعل خلال عملية الجرف الصامد ولن يمضي نحو خطوات سلام تاريخية، ولن ينشق عن الليكود من أجل إنشاء حزب آخر يوافق على قيام دولة فلسطينية ضمن حدود 1967 وتقسيم القدس واقتلاع المستوطنات وحل مشكلة اللاجئين منطقياً.