معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
خصائص موقف الإدارة الأميركية
•منذ بداية المواجهة العسكرية في قطاع غزة، تبنى الرئيس أوباما موقفاً واضحاً لا لبس فيه بالنسبة لحق دولة إسرائيل في الدفاع عن نفسها. وفي المراحل الأولى، عندما كان التهديد الرئيسي المحدق بإسرائيل هو إطلاق صواريخ في اتجاهها، طلبت الإدارة الأميركية من إسرائيل الاكتفاء بالرد بعمليات جويّة والامتناع عن عملية برّية. وبعد أن برزت مسألة الأنفاق كتهديد فعلي محدق بإسرائيل، أكدت الإدارة الأميركية مجدداً على حقّ إسرائيل في الدفاع عن نفسها، لكنها طالبت بأن يقتصر الردّ على إزالة التهديد المتصل بإطلاق الصواريخ والتسلل عبر الأنفاق. وفي أعقاب الانتقادات التي طالت الإدارة على عدم دعمها القوي لإسرائيل، سعى وزير الخارجية الأميركي نفسه- على الأقل في مناسبة واحدة [في 23 تموز/يوليو في القاهرة]- إلى تعزيز شرعية العملية الإسرائيلية من خلال قوله إنها: "رد مناسب ومشروع" (appropriate and legitimate).
•وفي المقابل، أعرب كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية مجدداً عن قلقهم العميق إزاء الأذى البالغ الذي لحق بالسكان المدنيين في قطاع غزة خلال عملية "الجرف الصامد". وبرغم الإشارة هنا وهناك إلى معاناة السكان في إسرائيل، فقد كان تركيز الإدارة الأميركية أكثر على معاناة "الأبرياء" في قطاع غزة. ومع العلم بأن الإدارة الأميركية تعرف جيداً أن إسرائيل تفعل كل ما في وسعها للامتناع عن إلحاق الأذى بالسكان المدنيين، فإنه يمكن إلى حد كبير تفسير التصريحات العلنية التي تشدد على معاناة سكان قطاع غزة، على أنها محاولة للحد من حرية المناورة الإسرائيلية في عمليتها العسكرية في القطاع.
•وفي مناسبة واحدة على الأقل، كانت هناك رسالة صريحة من الرئيس الأميركي إلى إسرائيل يطلب منها تخفيف الضغط العسكري على قطاع غزة في ضوء أن ضرراً بالغاً لحق بحركة "حماس" من جراء العملية العسكرية الإسرائيلية.
•وأكثر من مرة، ربط الرئيس أوباما بين المواجهة العسكرية في قطاع غزة وفشل عملية السلام. لم يقل ذلك صراحةً، لكن تضمنت تصريحاته رسالة فحواها أنه برغم كون "حماس" مسؤولة عن التوتر مع إسرائيل، فإن هذه الأخيرة ليست بريئة من كل تهمة. وقد وقع وزير الخارجية الأميركي في زلة لسان خطيرة تجاه إسرائيل وعمليتها العسكرية، من خلال مطالبته الجانبين "بالعودة إلى رشدهما"
)When is everybody going to come to their senses(
التي ساوت بين أفعال إسرائيل وحركة "حماس". وفي الختام، تجدر الإشارة في هذا السياق إلى تصريح نائب مستشار الأمن القومي بن رودز، الغريب وغير المجامل لإسرائيل والذي أوحي بأن إسرائيل لا تبذل ما في وسعها لتفادي سقوط مدنيين قتلى في قطاع غزة. وتأكيداً على كلامه، فقد اقترح على إسرائيل أن تتعلم من تجربة الجيش الأميركي في أفغانستان، فقال ما يلي: "أعتقد أنه في وسعكم بذل المزيد من الجهود. القوات العسكرية الأميركية تبذل جهداً كبيراً في أفغانستان. لكننا نعتقد أنه في مناطق ذات كثافة سكانية مثل تلك [قطاع غزة]، ينبغي بذل المزيد من الجهود لتفادي سقوط ضحايا مدنيين."[1]
موقف الإدارة بعد خرق هدنة وقف إطلاق النار
•بعد انهيار وقف إطلاق النار في أعقاب القتل والخطف الذي نفذه مقاتلو حركة "حماس" في الأول من آب/أغسطس 2014، لاحت بوادر تحول إيجابي من جانب الإدارة الأميركية تجاه عملية إسرائيل العسكرية في قطاع غزة: فقد دانت الولايات المتحدة أفعال "حماس" معلنةً أنها تشكل "خرقاً فاضحاً للهدنة (outrageous violation). وألقت تبعات الوضع الجديد بشكل لا لبس فيه على حركة "حماس" (unequivocally). وأعلنت الإدارة أن التفاهمات حول الهدنة تمنح إسرائيل حق مواصلة عملية تعطيل الأنفاق، وأن إسرائيل محقة تماماً (entirely right) بإصرارها على هذا الحق. ومع ذلك، لا ينبغي للقوات الإسرائيلية أن تواصل تقدمها في اتجاه التجمعات السكانية إلى ما هو أبعد من مواقع انتشارها الحالية.
•وأوضح كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية أنه إذا كان الفلسطينيون جديين في عزمهم على حل الأزمة، فعليهم الإفراج عن الجندي المختطف في أسرع وقت ممكن ومن دون شروط (and unconditionally immediately). وأكد الرئيس الأميركي مجدداً أن الولايات المتحدة تدعم إسرائيل بالأفعال وليس فقط بالأقوال. وهي حولت إلى إسرائيل هبة بقيمة 225 مليون دولار لتوسيع نطاق منظومة "القبة الحديدية" المضادة للصواريخ. وستساعد الولايات المتحدة إسرائيل بكل ما أوتيت من إمكانات لتعزيز قدرتها على حماية مواطنيها، وهي تربطها بإسرائيل علاقات وثيقة على المستويات العليا وعلى "المستوى الميداني" كذلك.
•لكن أيضاً الرئيس الأميركي عاد فأكد مجدداً على أن الأذى الذي لحق بسكان قطاع غزة يثقل على "ضميرنا" (weigh on our conscience)، وأصر على أن يوضح للمرة الأولى منذ بدء المواجهة وبشكل صريح، أنه مدرك جيداً للمعضلة التي تواجهها إسرائيل في إطار عمليتها العسكرية. وأشار من جملة أمور إلى "تصرف حركة "حماس" غير المسؤول بشكل لا يصدق"
)incredibly irresponsible actions on the part of Hamas(
وقيامها بإطلاق صواريخ ضد إسرائيل من أماكن قريبة من الأحياء المزدحمة بالسكان المدنيين. كما أشار وزير الخارجية الأميركي أيضاً إلى أن حركة حماس "تصرفت بطريقة صادمة ولا تصدق" (most unbelievably shocking manner).
•وأكد الرئيس الأميركي أيضاً أن الواقع الناشئ لن يدفع الولايات المتحدة إلى أن تنفض يدها من الجهود والمساعي الرامية إلى وقف إطلاق النار، غير أن المهمة الآن أصعب من الماضي بحكم أن إسرائيل والمجتمع الدولي لم يعودا يثقان بتعهدات حركة "حماس" وقدرتها على ضبط الفصائل الأخرى في قطاع غزة.
•ومع ذلك، من المحتمل جداً أن يكون التغيير في تصريحات كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية نابعاً من الغضب الشديد تجاه حركة "حماس" بسبب خرقها الفاضح لتعهدات صريحة مُقدّمة للإدارة الأميركية في سياق الهدنة. وبناءً عليه، من الصعب تقدير ما إذا كانت الإدارة ستواصل إظهار تفهم عميق إلى كل هذا الحد، لعملية إسرائيل العسكرية في القطاع، وإلى متى. ومن شأن إدانة الإدارة لمقتل فلسطينيين من جراء قصف مدرسة تابعة للأمم المتحدة (الأونروا) في القطاع (disgraceful shelling [قصف مشين])
•أن تنبئنا بأن التحول في تصريحات كبار المسؤولين في الإدارة تجاه العملية العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة أصبح قريباً: أ) سارعت الإدارة إلى إصدار بيان إدانة يحمّل إسرائيل مسؤولية إصابة المدنيين قبل انتهاء التحقيق الذي يجريه الجيش الإسرائيلي؛ ب) حدد بيان الإدارة بوضوح أن الاشتباه بنشاط لمقاتلي حركة "حماس" في الجوار، لا يبرّر قصفاً يعرض حياة السكان العزل للخطر
)The suspicion that militants are operating nearby does not justify
strikes that put at risk the lives of so many innocent civilians(.
خاتمة
•إن إطلاق الصواريخ العشوائي في اتجاه مدن رئيسية في إسرائيل، وكشف الأنفاق التي كانت تشكل تهديداً خطيراً للمستوطنات المحيطة بقطاع غزة، وحقيقة أن حكومة إسرائيل أظهرت قدرة على ضبط النفس واستعداداً متكرراً لوقف إطلاق النار إبان المواجهة، والدعم الواسع لإسرائيل من قبل الكونغرس والرأي العام، كل ذلك دفع إدارة أوباما منذ بدء المواجهة إلى تأييد لا لبس فيه، متواصل وراسخ للغاية لحقّ إسرائيل في الدفاع عن نفسها في مواجهة حركة "حماس". وفي الوقت ذاته، قيّدت إدارة أوباما دعمها لإسرائيل بمطالبتها بأن تقتصر عمليتها العسكرية على إزالة تهديد الصواريخ والأنفاق والامتناع عن إلحاق الأذى بالسكان المدنيين في القطاع.
•ويمكن افتراض أن الذي أملى على الإدارة هذا الموقف هو ضرورة تفادي "كسر الجرة" مع الدول الحليفة لها والمتخاصمة [في ما بينها] في المنطقة: تركيا وقطر من جهة، في مواجهة مصر والسعودية وإسرائيل، من جهة ثانية. وكان واضحاً للإدارة أنها إذا كانت تودّ المحافظة على أهمية مكانتها في إطار الجهود الرامية للتوصل إلى تسوية، فإن عليها أن "توازن" بين دعمها لحق إسرائيل في الدفاع عن النفس، وبين إبداء تحفظات قوية إزاء سقوط ضحايا مدنيين في قطاع غزة.
•جدير بالذكر أن هذه هي المرة الأولى التي تخوض فيها إسرائيل مواجهة عسكرية لا تلعب فيها الولايات المتحدة دوراً مهيمناً في تحقيق تسوية لإنهائها. وهذا الواقع ناجم إلى حد كبير عن تأكل مكانة الولايات المتحدة في العامين الأخيرين، مما يشكل بلا ريب عبئاً على الإدارة. فقد مرت جهود الإدارة في سبيل "الانخراط" في المحادثات الرامية إلى تحقيق تسوية بلحظات محرجة عديدة. وقبلت الإدارة بصعوبة وتدريجياً، بحقيقة أن مصر وليست الولايات المتحدة الأميركية، هي الجهة القيادية في مساعي تحقيق التسوية. ولم يبق لها سوى "تقليل الأضرار" قدر الإمكان.
________________________________________
[1] في مقابلة مع Candy Crowley على قناة CNN في 27 تموز/يوليو 2014؛ أنظر النص الكامل للمقابلة على الموقع التالي: http://cnnpressroom.blogs.cnn.com/2014/07/27/u-s-russia/culpable-for-mh1... (المحرر).