•حرصت إسرائيل على اختيار أهداف ممكنة ومحدودة في الحرب ضد غزة. في البداية تحدث المجلس الوزاري عن فكرة "إحلال الهدوء والاستقرار الأمني في الساحة الفلسطينية لوقت طويل، على أساس اعتبار "حماس" العنوان المسؤول بعد إضعافها عسكرياً وضبطها في غزة، ومن خلال تحقيق الاستقرار الاقتصادي والمدني". في مرحلة متأخرة، وضعت أربعة أهداف واضحة لقرار المجلس الوزاري: توجيه ضربة قوية لـ"حماس" والجهاد الإسلامي؛ تحييد الأنفاق وتدميرها؛ تقليص القدرة على المس بالجبهة المدنية؛ ونزع السلاح في غزة والحد من قوتها العسكرية ما بعد توقف القتال.
•بعد مرور 25 يوماً على القتال، يبدو أن الجيش الإسرائيلي حقق الأهداف الثلاثة الأولى. فمعالجة الأنفاق توشك على الانتهاء، والنجاحات التي حققتها القبة الحديدية ليست بحاجة إلى شرح، كما أنه لا خلاف في تلقي منظمات الإرهاب ضربة قاسية. ويمكن تلخيص موقف القيادة الأمنية كالتالي: لم تنجح "حماس" في تنفيذ مخططاتها الاستراتيجية، فالغوّاصون والمظليون والأنفاق لم يحققوا الهدف الذي كانت الحركة تأمله، وأصيبت منظومتها الصاروخية إصابات قاسية في مجالي الإنتاج والبنية التحتية من دون أن تنجح في تكبيد الجبهة الخلفية الإسرائيلية ثمناً كبيراً.
•بيد أن الضرر الأساسي الذي لحق بـ"حماس" هو المتعلق بمقاتليها. فقد سقط لها قرابة 400 قتيل استناداً إلى التقديرات الرسمية، أي ضعف التوقعات في إسرائيل. فإذا أضفنا إلى ذلك التدمير المنهجي لمنازل قادة الحركة من رتبة قائد سرية وما فوق - دُمرت مئات المنازل - فإن هذا يضاعف من قساوة الضربة التي لحقت بالبنية التحتية وبالمنظومات القتالية للحركة.
•لكن من جهة أخرى، لم تنجح إسرائيل في إفقاد "حماس" توازنها. فقد استمر جهاز القيادة والتحكم لديها في العمل حتى تحت الضغط العسكري، واستغل جيداً الهدنات الإنسانية من أجل ترميم المواقع وتنفيذ خطة منهجية لاستبدال القتلى والجرحى. وتدل هجمات الأنفاق التي بلغ عددها خمسة داخل أراضي إسرائيل، ليس على وجود خطة منهجية فحسب، بل وأيضاً على وجود قدرة على التنفيذ بصورة دقيقة في وقت القتال. ويبدو أن هناك قوات جرى تدريبها جيداً وإعدادها مسبقاً من خلال دورات متخصصة شملت التدريب على خطف جنود، وهذا يشكل الخطر الأساسي الذي يحوم باستمرار فوق القتال في غزة.
•إن الفشل في ضرب القيادة العسكرية لـ"حماس" يتطلب تغييراً. فعلى عكس عملية "عمود سحاب" التي بدأت باغتيال أحمد الجعبري، نزلت هذه المرة قيادة الحركة إلى مقرات محصنة تحت الأرض فور إعلان نبأ خطف الشبان الثلاثة في غوش عتسيون. لقد كانت إسرائيل تعرف أن هذا ما سيحدث، لكنها على الرغم من ذلك لم توفّر رداً ملائماً عليه. وتبدو حظوظ القيام بهذا الأمر خلال القتال ضعيفة. ومن بين المسائل التي تتطلب توضيحاً وتفسيراً بعد انتهاء المعركة أنه لماذا لم يستغل الوقت بين العمليات العسكرية من أجل جمع المعلومات الاستخباراتية وتحضير خطط يمكن تنفيذها وذات فائدة مزدوجة: تحقيق إنجاز كبير لقواتنا؛ وزيادة شعور الطرف الثاني بالملاحقة، الأمر الذي يمكن أن يدفعه إلى وقف سريع للقتال خوفاً على بقائه.
•أما الهدف الرابع لقرار المجلس الوزاري، أي نزع سلاح غزة وتقليص قوتها العسكرية بعد الحرب، فما يزال الغموض يلفه. ويعود تحقيق هذا الهدف إلى إسرائيل نفسها (وإلى مدى الحزم الذي ستظهره إزاء تجدد النشاط في مجالي الصواريخ والأنفاق). ويعتمد أيضاً على مصر (التي من المنتظر أن تقوم بدورها في محاربة تهريب السلاح ووسائل تطوير منظومات قتالية). كما أنه يعتمد على العالم (الذي يجب أن يفرض حظراً على إدخال مواد معينة من شأن عدم دخولها إلى غزة أن يجعل من الصعب معاودة إنتاج السلاح). كما يعتمد على الدول العربية (التي من المفترض أن تقدم الأموال للمشاريع المدنية وليس للأنفاق والصواريخ). لكن على الرغم من ذلك، نحن بحاجة إلى قدر كبير من التفاؤل كي نصدق أن غزة ستجرد من السلاح.