في الأسبوع الثالث من عملية "الجرف الصامد" إسرائيل امام خيارين: إعادة احتلال القطاع أو وقف إطلاق النار
المصدر
يسرائيل هيوم

صحيفة يومية توزَّع مجاناً وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية. صدرت للمرة الأولى في سنة 2007، مالكها شيلدون أدلسون، وهو من الأصدقاء المقرّبين من بنيامين نتنياهو، وتنتهج خطاً مؤيداً له. ونظراً إلى توزيعها المجاني، فقد تحولت إلى الصحيفة الأكثر توزيعاً في إسرائيل.

•دخلت عملية "الجرف الصامد" أسبوعها الثالث، والسؤال الحقيقي الذي بقي من دون إجابة واضحة ويتعين علينا أن ندرسه في الأيام المقبلة هو: هل يجب أن نتوقف الآن، أم علينا المضي قدماً بأقصى سرعة؟

•لقد بدأت "حماس" الجولة الحالية بإطلاق مئات الصواريخ على إسرائيل، ووسعت نطاق النار وحاولت مهاجمة غلاف غزة من خلال الأنفاق، ومهاجمة عسقلان من خلال البحر وبواسطة الطائرات من دون طيار، وكلّ ما توفر لها. ونجحت في إجبار العديد من مواطني إسرائيل على الإسراع نحو الملاجئ والمناطق الآمنة. 

•ولكن باستثناء ذلك كانت إنجازاتها ضئيلة: فقد قتل ثلاثة مدنيين بنيران القذائف والصواريخ، الأول بالقرب من معبر إيرز، والثاني من البدو بالقرب من ديمونا. وفي الاشتباكات في القطاع وبالقرب من السياج الحدودي قُتل نحو ثلاثين جندياً إسرائيلياً وأصيب العشرات بجروح. أما الضرر الاقتصادي الذي لحق بإسرائيل فهو ضئيل بالمقارنة مع الناتج الوطني الخام. أما في ما يتعلق بقرار شركات الطيران الأجنبية وفي طليعتها الأميركية، وقف رحلاتها إلى إسرائيل فهي بمثابة ضربة معنوية واقتصادية مهمة.

•وربما الانطباع الأصعب هو أن إسرائيل لا تسيطر على الوضع وأنها انجرت إليه. فمن الصعب استيعاب حقيقة أن تنظيماً إرهابياً يأتي في الدرجة الأخيرة بين أعدائنا من حيث القوة، يتحدى أقوى دولة في الشرق الأوسط طوال أيام عدة من دون أن يستسلم، وهناك كثيرون من حولنا وفي الحركة يعتبرون ذلك بمثابة نجاح لـ"حماس".

•في المقابل، ردت إسرائيل بحزم. وأمطر سلاح الجو غزة بآلاف الأطنان من القذائف الموجهة بدقة، مع تقيده بعدم إلحاق أذى بالمدنيين والأبرياء. ومنذ بداية العملية طُرحت مسألة معالجة الأنفاق بقوة، فقد كان الجيش ومتخذو القرارت يعرفون خطر هذه الأنفاق وكذلك صعوبة معالجتها. ومع استمرار العملية ورفض "حماس" اقتراح وقف النار الذي وافقت عليه إسرائيل، برز احتمال القيام بعملية ضرورية لكن صعبة سواء من وجهة نظر الشرعية الدولية، أو الخسائر المتوقعة خلالها للجيش الإسرائيلي وللسكان المدنيين الذين منعتهم "حماس" من إخلاء المناطق التي حفرت فيها الأنفاق. وما يمكن قوله إن العملية البرية المحدودة جداً جغرافياً تهدف إلى أمر أساسي واحد: تحديد وتدمير القدرة على استخدام الأنفاق التي بين غزة وأراضي إسرائيل. وبرغم أن المهمة محدودة إلا أنها ليست بسيطة أبداً لأنها تتطلب السيطرة على أراض مفتوحة بين السياج الحدودي والمناطق المبنية، والسيطرة بالقوة على مشارف المناطق المبنية التي تستخدم للدخول إلى الأنفاق، ومواجهة عدو مستعد جيداً ومتغلغل في عمق الأماكن المبنية في مناطق معينة.

•ويبدو أن الجيش يقوم بهذه المهمة برغم الخسائر وسط قواته المقاتلة. فقد نجح في تحديد مكان عدد لا بأس به من الأنفاق، وهو يتصرف بحذر من أجل العثور على أنفاق أخرى وتدميرها. كما نجح الجيش في حماية الجبهة الخلفية القريبة من السياج والبعيدة عنه بواسطة القبة الحديدية التي اعترضت الصواريخ والقذائف، كما استطاع تحديد وتدمير كل قوة تسللت من القطاع، ومنع "حماس" وحلفائها من تحقيق أي إنجاز. ويبرز إخفاق "حماس" الكبير في الدمار الذي لم يسبق له مثيل لبنيتها التحتية وأملاكها في القطاع، وفي عزلتها في المنطقة والعالم.

•لكن "حماس" لم تنكسر ولم تركع، وهي تواصل إطلاق صليات القذائف على مختلف أنحاء إسرائيل، واستطاعت إغلاق مطار اللد في وجه الطيران الأجنبي، وتردّ بقوة في النقاط التي تسلل منها الجيش الإسرائيلي إلى القطاع بالقرب من السياج ومن فتحات الأنفاق التي لم يجر تحديدها بعد، كما أنها تنجح في قتل وجرح عدد لا بأس به من الجنود.

•لقد كانت غزة على الدوام مركزاً للإرهابيين، لكن منذ 1967 أي منذ احتلال القطاع في حرب الأيام الستة وحتى تنفيذ اتفاقات أوسلو لم تطلق منها النيران على إسرائيل. وقد بدأت عملية بناء قدراتها الصاروخية بعد تطبيق اتفاقات أوسلو عندما خرج الجيش الإسرائيلي من المناطق المبنية التي يسكنها أغلبية الفلسطينيين. وبعد مرور خمسة أعوام من الخروج من المناطق الفلسطينية المبنية، بدأ إطلاق صواريخ القسام. وبعد مرور عشر سنوات على أوسلو وفي خطوة تدل على عدم المسؤولية الأمنية انفصلت إسرائيل عن القطاع وسمحت بتواصله الكامل مع شبه جزيرة سيناء مركز الإرهاب الإسلامي في ذلك الوقت. وسارعت "حماس" إلى السيطرة على غزة من جميع النواحي العسكرية والسياسية والاجتماعية. وهناك تنظيمات إرهابية أخرى في القطاع (أهمها الجهاد الإسلامي الذي يعتمد على مساعدة إيران)، لكنها لا تشكل منافساً جدياً لمكانة "حماس" وسيطرتها.

•لقد دخلت كميات كبيرة من السلاح من مختلف الأنواع إلى القطاع (تسارعت هذه العملية بعد سقوط القذافي، حيث تحولت ليبيا إلى مصدر مهم للسلاح للتنظيمات الإرهابية وللدول المارقة) بمساعدة من حزب الله وإيران وجهات أُخرى. وبعد فقدان السيطرة على المعبر بين سيناء والقطاع تدفق إلى غزة خبراء لديهم خبرة كبيرة في تصنيع وسائل قتاليه ومواد حساسة. وكانت النتيجة أن لدى القطاع اليوم قدرة ذاتية على تصنيع الصواريخ البعيدة والمتوسطة المدى، ووسائل قتالية أخرى مثل طائرات من دون طيار.

•واليوم، تواجه إسرائيل قتالاً ضارياً، فخلال السنوات الماضية ترجمت "حماس" قدراتها على نحو أمثل من خلال منظومة متطورة تسمح لها بإطلاق الصواريخ لفترة طويلة، كما أقامت منظومة دفاعية محفورة جيداً مؤلفة من شبكة أنفاق تمنحها تفوقاً في وجه من يهاجمها.

•هذه هي صورة الوضع بعد أسبوعين من القتال. صحيح أن زعماء العالم يتفهمون ما تقوم به أعمال إسرائيل وهم مستعدون لمواجهة تظاهرات الشارع من جانب اليسار والفلسطينيين، لكن ساعة الرمل السياسية بدأت تنفد، ويجب أن نقرر ما ينبغي فعله إذا تمسكت "حماس" برفضها اقتراح وقف النار الذي بلورته مصر.

•لقد حان الوقت لطرح السؤال الحقيقي الوحيد المهم اليوم وهو: هل يتعين على إسرائيل التعامل مع خطر "حماس" بصفته مرضاً مزمناً لا مجال للشفاء منه، له انعكاساته السيئة على الحياة اليومية لكنها تبقى محتملة، وكل بضع سنوات يجب إخضاعه لعلاجات قاسية تمنح فترة من الهدوء؟ أم يجب المخاطرة بعملية صعبة ومعقدة ومحفوفة بالكثير من المخاطر، ولكنها إذا نجحت فإن جزءاً كبيراً من ظواهر المرض ستختفي، حتى لو احتجنا من بعدها إلى معالجته لفترة طويلة؟

•يمكننا التوصل إلى وضع لا تطلق فيه الصواريخ من قطاع غزة على إسرائيل مثلما لا تطلق النار من يهودا والسامرة [الضفة الغربية] على إسرائيل. ومن أجل ذلك يجب اتخاذ قرار بعملية صعبة ومعقدة وخطرة لاحتلال القطاع قد ندفع ثمناً كبيراً لها من حياة جنودنا (والدليل على ذلك عدد الجنود القتلى حتى اليوم في الاشتباكات التي دارت في المناطق المبنية في العملية البرية الحالية). ومثل هذه العملية ستواجه برأي عام معاد في العالم ولن تحظى بتأييد الزعماء الذين حتى الآن أيدوا خطوات إسرائيل. كما أن احتلال القطاع وحده لن يكون كافياً إذ سيتعين على الجيش والشاباك إعادة بناء قدراتهما الاستخباراتية التي خسراها بعد الانسحابات (أكثرها بعد أوسلو)، وتجنيد قوات كبيرة لتطهير منهجي لغزة من السلاح الصاروخي، ومن أجل اعتقال وقتل أعضاء "حماس" الذين لم يستسلموا والتوصل إلى الوضع الذي كان سائداً في القطاع قبل خروج الجيش سنة 1995 من المناطق المبنية، أي السيطرة العسكرية الكاملة على القطاع. وهذا معناه أمر واحد هو انتشار الجيش الإسرائيلي في القطاع وفقاً لاعتباراته (لا حاجة للبقاء في كل مكان طوال الوقت)، والعمل داخل القطاع بما في ذلك المناطق المبنية عند الحاجة. 

•إن عملية تطهير القطاع من السلاح واعتقال أعضاء "حماس" ستستغرق، في تقديري، ما بين نصف سنة وحتى سنة، سيواجه خلالها الجيش مشكلات صعبة وسيتكبد إصابات. لكن قدرة "حماس" على تحدي الجيش ستتقلص ، وفي نهاية هذه المرحلة سيصبح الجيش الإسرائيلي هو الوحيد الذي يسيطر على المنطقة مثلما هو الوضع في يهودا والسامرة [الضفة الغربية].

•من المحتمل جداً أن يضاف إلى المشكلة العسكرية التي هي بحد ذاتها معقدة، تعقيدات مدنية وسياسية. إذ ليس أكيداً وجود طرف يوافق على تحمل المسؤولية في غزة بعد نجاح الجيش الإسرائيلي في مهمة فرض الهدوء. ولن يكون في استطاعة الجيش الخروج من هناك لأن أعضاء جدداً من "حماس" أكثر تطرفاً سيحلّون محلّه. ففي الشرق الأوسط الحالي كل فراغ تملأه العناصر الإسلامية غير المسؤولة. ولا يمكن السماح بحدوث ذلك من خلال انسحاب وفراغ في الحكم في القطاع المدمر. لذا من المحتمل أن تضطر حكومة إسرائيل إلى العودة للفترة التي سبقت اتفاق أوسلو أي إلى أيام "الحكم المدني" وإلى أن تدير بنفسها القطاع الذي يبلغ عدد سكانه 1,7 مليون نسمة. ومما لا شك فيه أن هذا سيشكل عبئاً سلطوياً واقتصادياً وسياسياً صعباً، لكن على الرغم من كل التبدلات التي تعود إلى مرور الزمن، فقد سبق أن عشنا هذا الوضع طوال 28 عاماً في الماضي (1967-1995). ومما لا شك فيه أن هذا سيكون وضعاً صعباً لكنه ممكن، وسف يكون طويل الأمد ومحفوفاً بالمخاطر، لكن نتائجه مهمة وقاطعة، ففي نهايته سيتوقف سقوط الصواريخ على إسرائيل من قطاع غزة وحفر الأنفاق التي تسمح بالاعتداء على سكان إسرائيل داخل أراضيهم.

•إن مثل هذه العملية الكبيرة ستكلف حياة الكثير من المدنيين في غزة نظراً إلى أن "حماس" تقاتل محتمية بهم وفي وسطهم. لكن على المدى البعيد، فإن احتلال غزة سينقذ حياة العديد من المدنيين الفلسطينيين، لأن ثمن "احتفاظ" الجيش الإسرائيلي بالقطاع سيكون أقل من الثمن الذي سيدفعونه خلال العمليات المختلفة طوال سنوات.

•الإمكانية الثانية هي العودة إلى اتفاقات "عمود سحاب" وتفاهمات "الرصاص المصهور" أي الدفع نحو اتفاق وقف للنار بوساطة فور الانتهاء من تدمير الأنفاق. ومن أجل التوصل إلى اتفاق وقف للنار يجب على إسرائيل تقديم تنازلات ولا سيما في المجال الاقتصادي، ولكن خلال المفاوضات يجب أن تتواصل في المقابل الجهود لضرب البنية التحتية لـ"حماس" من الجو وإيقاف القصف الصاروخي على إسرائيل. بعد اتفاق وقف النار ستعود "حماس" للسيطرة على غزة وستواصل بناء قوتها العسكرية وقدراتها تحضيراً للمواجهة المقبلة التي ستنشب عندما تشعر بأنها قوية بما فيه الكفاية. بالطبع لن يكون من السهل عليها إعادة بناء قدراتها وترميم الأضرار الكبيرة مثل الماضي، فنظام السيسي لن يتساهل معها، لكن كل ما سيتغيّر هو وتيرة العملية.

•سوف يستغل الجانب الإسرائيلي الوضع من أجل تحسين قدراته. لكن يجب الأخذ في الحسبان أن "حماس" هي التي ستحدد متى يخضع الطرفان للاختبار. وفي تقديري أن الأضرار الكبيرة التي لحقت بها والقيود المصرية والعزلة الدولية، ستجعل عملية إعادة البناء النسبة لـ"حماس" طويلة وصعبة، وبالتالي فوقف النار من دون عملية كبيرة باستثناء هدم الأنفاق، سيدوم لفترة طويلة جداً، حتى لو كان هذا الهدوء موقتاً وغير مطلق، مع احتمال أن يقوم مجنون في غزة من حين إلى آخر بإطلاق بعض الصورايخ على غلاف غزة.

 

•للأسف هذان هما الاحتمالان الحقيقيان الواقعيان: عملية طويلة وصعبة- تؤدي في نهايتها إلى توقف سقوط الصواريخ على إسرائيل؛ أو وقف إطلاق نار- يؤدي مستقبلاً إلى جولة جديدة مشابهة.

 

 

المزيد ضمن العدد 1941