الطلاق المتأخر بين نتنياهو وليبرمان
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

•يعرف رؤساء حكومة إسرائيل أنه في أوقات التوتر- عندما تهدر أصوات المدافع وتدوّي صفارات الإنذار- فإن السياسة تتقوقع على نفسها في انتظار أيام أكثر هدوءاً. لكن يبدو أن نتنياهو في سنتة الثامنة المتواصلة في الحكم لا يحظى بهذه النعمة الصغيرة. فتحت غطاء "الوضع" يخوض وزراؤه ضده جولات سياسية علنية. وتحول المجلس الأمني أو الهيئة العليا لاتخاذ القرارات في الدولة، إلى جبهة مواجهة إعلامية بين المعتدلين والمتشددين- كما تحولت جلسات الحكومة إلى ناد للمصارعة الكلامية.

•لكن الذروة كانت ما حدث بالأمس في الكنيست، ففي اللحظة التي سبقت التصعيد الذي كثُر الحديث عنه، وبعد أن تبين أن استراتيجية نتنياهو ويعلون في ضبط النفس فشلت فشلاً ذريعاً، ومع استمرار سقوط عشرات الصواريخ على مدن الجنوب، أعلن وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان فك التحالف النيابي بين كتلة إسرائيل بيتنا والليكود بزعامة نتنياهو.

•لقد كان المنطق البسيط يقضي في مثل هذه الظروف ونظراً للخلاف العميق والأساسي على سياسة الحكومة حيال "حماس" في غزة، أن يستقيل وزير الخارجية من منصبه. لكن مثل هذه الخطوة كانت ستجر الدولة إلى انتخابات مبكرة ربما في الخريف المقبل. ولا مصلحة لزعيم إسرائيل بيتنا بحدوث ذلك قط. فأحد عشر مقعداَ في حوزته اليوم ليست مضمونة غداً. وحصته في الائتلاف التي تبلغ خمسة وزارء بينهم عضوان في المجلس الوزاري الأمني، لن يحصل عليها مجدداً. لذا اختار ليبرمان الاستقالة المشروطة، فهو فك الشراكة الفضفاضة والرسمية مع الليكود في الكنيست، لكن في الوقت عينه تمسّك بمنصبه الوزاري مصرحاً بأن حزبه سيبقى شريكاً مخلصاً في الائتلاف.

•هذا هو أسلوب ليبرمان الذي يريد الاستفادة من كل شيء: فهو بذلك يقرر جدول الأعمال السياسي؛ وينتقم من نتنياهو للإهانة التي وجهها إليه أول من أمس خلال جلسة الحكومة حين وبخه مثل تلميذ صغير لعدم حضوره جلسات المجلس الوزاري؛ كما أنه يطلق الطلقة الأولى في حملة إعادة إطلاق حزب إسرائيل بيتنا المستقل والمتحرر من عبء الليكود؛ وهو يقوم بمغازلة ناخبي اليمين المطالبين بالهجوم على غزة؛ ويحافظ على كرسيه في الحكومة والمجلس الوزاري. ويفعل هذا كله من دون خجل وبصفاقة وبرودة أعصاب ومن دون أن يرف له جفن، من أجل تجميع أرباح سياسية مباشرة وربما مستقبلية.

•إن ما جرى لا يعبر عن الصفاقة المجردة والحاجة السياسية لليبرمان للانفصال والمضي في طريق مستقل في أعقاب فشل مبادرة التوحيد الكامل بين حزبه وحزب الليكود، بل هو أيضاً تعبير عن رغبة ليبرمان في الابتعاد عن نتنياهو. فالخلافات التي بدأت بينهما في منتصف هذه الولاية في ما يتعلق بانتخابات بلدية القدس، وفيما بعد حيال انتخابات رئاسة الدولة، راكمت الكثير من الأحقاد بينهما. ويتوقع عدد من الأشخاص البارزين في الوسط السياسي ألا يكتفي ليبرمان مستقبلاً بتوجيه صفعة لرئيس الحكومة كما فعل أمس، بل أن يسعى إلى إسقاطه. وبعد الانتخابات المقبلة، عندما تتوجه الكتل إلى الرئيس ريفلين لاقتراح مرشحها لتأليف الحكومة، لن يكون في استطاعة نتنياهو الاعتماد على صوت ليبرمان الذي وقف إلى جانبه مرتين في 2009 و2013.

•إن الخطوة التي قام بها وزير الخارجية أمس من شأنها زعزعة استقرار حكومة نتنياهو الثالثة، حتى لو لم يكن هذا في المدى القريب. فعلى الأرجح سيصمد نتنياهو حتى نهاية الدورة الصيفية التي تنتهي في آخر هذا الشهر. لكن الاختبارات السياسية ستأتي في تشرين الأول/أكتوبر وتشرين الثاني/نوفمبر، اختبارات الميزانية والمفاوضات السياسية وإصدار تشريعات تتعلق بمسائل الدين والدولة وغيرها. 

 

•لكن قبل ذلك، يجب أن ننتظر لنرى كيف ستخرج إسرائيل من المواجهة العسكرية مع "حماس" في غزة. ويبقى السؤال الكبير: هل سيتأثر السلوك العسكري لنتنياهو الذي تصرف حتى الآن بحذر شديد ومسؤولية واتزان، بالحدث السياسي الذي جرى اليوم؟.