•دخلت إسرائيل و"حماس" في دوامة التصعيد المعروفة، التي بدت بالأمس لا مفر منها. صحيح أن المصريين بذلوا جهداً واضحاً في محاولة تهدئة الطرفين، لكن الأحداث على الأرض كانت تسير في اتجاه آخر من خلال الارتفاع الكبير في القصف من القطاع، وفي المقابل الزيادة في حجم هجمات سلاح الجو الإسرائيلي.
•تختلف آراء المعلقين والخبراء بشأن الأسباب التي دفعت "حماس" إلى التصعيد. لكن على ما يبدو يعود هذا التصعيد إلى مزيج من ضائقة استراتيجية (عزلة دولية والحصار المصري) وسياسية (العقبات التي تواجه عمل حكومة الوحدة، وعدم دفع رواتب عشرات آلاف العاملين في القطاع العام في غزة) وعسكرية (فشل خطف الشبان الثلاثة، والضربة القاسية التي لحقت بالبنية التحتية للحركة في الضفة)، وربما أيضاً ضائقة شخصية (الخلاف بين الذراعين السياسي والعسكري للحركة).
•لكن قبل كل شيء، فالذي دفع بالحركة أمس إلى تحطيم القواعد والتفاهمات كان حادثاً من نوع آخر هو تفجير نفق في جنوب القطاع. والمقصود هنا نفق هجومي حُفر منذ وقت طويل مع منفذ يوصل إلى الجهة الإسرائيلية يمكن من خلاله عبور المخربين والقيام بعمليات مقايضة أو خطف. وخوفاً من أن تستخدم "حماس" النفق في الفترة الحالية هاجمته إسرائيل جواً مساء السبت وأصابته بصورة جزئية. في ليل يوم الاثنين دخل أعضاء من "حماس" إلى النفق من أجل تقدير الأضرار وتفخيخه في حال قرر الجيش الإسرائيلي تمشيطه. وخلال هذه العملية انفجرت عبوات ناسفة كانت في حوزتهم مما ادى إلى مقتل سبعة أشخاص من "حماس".
•هذه الضربة إلى جانب الاخفاقات على الجبهات الأخرى، دفعت "حماس" إلى تكثيف القصف الذي طال مناطق واسعة. وعلى عكس ما جرى في الأسابيع الثلاثة الأخيرة، فهذه المرة شنت "حماس" هجومها علناً، وشجعت التنظيمات الأخرى على أن تفعل مثلها. ورداً على ذلك قرر المجلس الوزاري عملية متدرجة: كلما زادت "حماس" عملياتها، يزيد الجيش الإسرائيلي الأهداف المستهدفه كماً ونوعاً. وحتى الآن امتنعت إسرائيل عن قصد عن استهداف كبار المسؤولين الفلسطينيين كي لا تصّعد القتال، على الرغم من أن هذه الخطوة واردة في حال توسع القصف من الجانب الفلسطيني.
•حتى يوم أمس لم تشمل سلة الردود الإسرائيلية عملية برية في القطاع. وبقي عدد الاحتياطيين الذين تم استدعاؤهم محدوداً، ولم يشمل أطراً كبيرة بل اقتصر على زيادة القوة البشرية في القيادات (بصورة خاصة في الجبهة الداخلية) وضمن نطاق سلاح الجو (خاصة القبة الحديدية). ومن المحتمل في الأيام المقبلة أن يعرض الجيش صور دبابات تناور بالقرب من القطاع- حيث يتجمع جزء من القوات المدرعة وسلاح المشاة- لكن هذا الأمر هدفه بصورة أساسية التهديد والردع.
•وعلى الرغم من الغضب الشعبي والسياسي والمطالبة الواسعة بالرد، فليس هناك نية لدى إسرائيل لشن عملية واسعة النطاق ضد غزة. والدليل على ذلك استمرار الاتصالات غير المباشرة من خلال مصر بهدف التوصل برغم كل شيء إلى تهدئة.
•حالياً لا يبدو أنه توجد فرصة لتحقيق ذلك والجهد الأساسي ينصب اليوم على منع تجاوز القتال خط الـ40 كيلومتراً. حتى الآن حرصت "حماس" على عدم توجيه الصواريخ نحو غوش دان، لكن هذا الأمر قد يتغير في حال ارتفع عدد المصابين في القطاع من جراء الغارات التي يشنها سلاح الجو. كما أن سقوط مصابين في الجانب الإسرائيلي سيكون له تأثير كبير على عملية اتخاذ القرارات في الحكومة، وعلى هامش المناورة للجيش الإسرائيلي. ولهذا طلبت قيادة الجبهة الداخلية والسلطات بالأمس من المواطنين الالتزام بدقة بتعليمات التحصين، كما استكملت عملية نشر بطاريات صواريخ "القبة الحديدية" التي من شأنها الحد من الخطر على الجبهة الداخلية.