•كان موضوع الندوة التي عقدها معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب هو "خيارات إسرائيل بعد وصول الحل الدائم إلى طريق مسدود"، والمقصود بالطبع الحل الدائم للنزاع الإسرائيلي- الفلسطيني. لكن رئيس الحكومة ألقى خطاباً استراتيجياً استثنائياً تناول مجموعة من الموضوعات الأخرى التي كان يجب التحدث عنها. صحيح أنه تطرق إلى تفاصيل الشروط الأمنية لحل الدولتين، لكن هذا جاء في إطار الاستراتيجيا العامة للأمن القومي لإسرائيل. ولم يطرح رئيس الحكومة قط إمكانية استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين، ولا طرح خطة إسرائيلية مستقلة.
•لكن رئيس الحكومة عوّض عن ذلك عندما عرض على سامعيه "عقيدة بيبي" المحدّثة حيال الاضطرابات التي تجتاح الشرق الأوسط وانتشار الجهاد العالمي في المنطقة. ومما لا شك فيه أن هذا الخطاب الذي عرض فيه نتنياهو بوضوح وبصورة منهجية نظريته السياسية – الأمنية، هدفه الوصول إلى عواصم أوروبا وخاصة واشنطن، من دون أن يستثني الذين يسمعونه في المعسكر العربي.
•الحصة الأساسية في عقيدة نتنياهو مخصصة لعدم الاستقرار في الشرق الأوسط الذي برأيه سيستمر لسنوات عديدة، وخلالها حيث سيهدد الإسلام المتشدد السلام في المنطقة وأمن سكانها لعقد من الزمن أو أكثر على الأقل. لكن نتنياهو مقتنع بأنه بعد سنوات، وربما في نهاية العقد الحالي، فإن الإسلام الراديكالي والجهاديين من أتباع القاعدة سيهزمان مثلما هُزم النازيون.
•بعد ذلك انتقل نتنياهو إلى شرح عقيدته الأمنية التي من المفترض أن تسمح لإسرائيل بأن تعبر بسلام المرحلة الحالية من الاضطرابات وتسونامي الإسلام الراديكالي. وتذكر هذه العقيدة كثيراً "باستراتيجية دول الطوق الثالث" التي وضعها ديفيد بن غوريون في الخمسينيات والستينيات.
•وكانت فكرة بن غوريون التحالف مع دول في الشرق الأوسط لها مصالح مشتركة مع الدولة اليهودية ولكن لا حدود مشتركة لها مع إسرائيل، وهذه المصالح هي التي سمحت لإسرائيل بالتعاون مع هذه الدول بهدف إضعاف أو كبح النيات العدوانية للدول المجاورة لها، مثل التحالف مع شاه إيران، والتحالف مع تركيا، ومساعدة الأكراد وغير ذلك.
•إن التحدي الأمني القومي الأول بحسب نتنياهو هو تحصين الحدود والدفاع عنها، من طريق بناء سياج أمني في الشرق مع الحدود مع الأردن، إلى جانب السياج الموجود في هضبة الجولان وذلك الموجود في سيناء. يضاف إلى ذلك وجود عسكري على نهر الأردن والمحافظة على استقلالية إسرائيل العسكرية.
•وأوضح نتنياهو أنه في ظل الشروط الحالية، لا يمكن الاعتماد على قوات عربية درّبها أجانب. وأعطى نماذج على فشل هذه النظرية غامزاً من قناة واشنطن التي دربت الجيش العراقي، وبعد انسحابها من هناك انهار هذا الجيش.
•التحدي الثاني وفقاً لنتنياهو هو السيطرة الأمنية على المنطقة الواقعة بين الأردن والتجمعات السكانية الإسرائيلية. وبكلمات بسيطة، فإن إسرائيل لا تريد أن تكون الدولة الفلسطينية منزوعة من السلاح الثقيل فحسب، بل تريد أن تكون إسرائيل قادرة على القيام بعمليات إحباط وردع عسكرية داخل أراضيها، وبذلك تكون الدولة الفلسطينية ذات سيطرة سياسية واقتصادية فقط. ودحض نتنياهو القول بأن السيطرة الأمنية الإسرائيلية تشكل تعدياً على السيادة الفلسطينية وأعطى مثالاً اليابان وألمانيا وجنوب كوريا التي توجد فيها قوات عسكرية أميركية للدفاع عن المصالح الأمنية للولايات المتحدة.
•التحدي الثالث هو التعاون الإقليمي المحدود بين إسرائيل ودول عربية معتدلة بهدف كبح الإسلاميين الجهاديين المتشددين. كرر نتنياهو رغبته بالتعاون مع دول الخليج وفي طليعتها السعودية، لكنه أقر للمرة الأولى علناً بأن إسرائيل مستعدة لمساعدة الأردن عسكرياً وأنها تؤيد تطلع كردستان نحو الاستقلال السياسي. ويعتبر نتنياهو مصر شريكاً في هذا المعسكر.
•وهنا نصل إلى البند الأساسي والجديد في عقيدة نتنياهو الأمنية. صحيح أنه لم يقل ذلك، لكن يُفهم من كلامه أنه يرى الحل الموقت للنزاع مع الفلسطينيين في إطار هذا التعاون الإقليمي. لم يقل هذا صراحة، لكن دفاعه عن مطالبة كردستان بالاستقلال أمر جديد. فمن الواضح جداً لكل من ينظر إلى الخريطة أن موقع كردستان المستقلة بين إيران وتركيا وسورية والعراق من شأنه أن يجعل منها حليفاً استراتيجياً مهماً لإسرائيل.وهكذا، فإن التعاون السري الموجود منذ سنوات سيصبح حقيقة رسمية اليوم.
•أما التحدي الرابع فهو منع إيران من التحول إلى دولة عتبة نووية. ففي رأي نتنياهو أنه من الأفضل لإسرائيل وللسلام في العالم عدم التوصل إلى اتفاق مع إيران على التوصل إلى اتفاق سيئ. وسبب ذلك أنه إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق، فإن العقوبات الاقتصادية على إيران ستستمر، وفي النهاية ستضطر إيران إلى الرضوخ لمطالب الغرب بدلاً من أن يخضع الغرب لمطالبها.
•ويطالب نتنياهو بتجريد إيران من قدرتها على تخصيب اليورانيوم، مثلما جرى مع سورية في تجريدها من القدرة على إنتاج سلاح كيميائي.