مخاطر حدوث تدهور أمني كبير بعد العثور على جثث المختطفين الثلاثة
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

•بالأمس (الاثنين) اتضح لغز اختفاء الشبان الإسرائيليين الثلاثة بعد العثور على جثثهم في وسط المنطقة التي جرت فيها أعمال البحث إلى الغرب من مدينة الخليل. لكن الأزمة الأمنية التي تسبب بها الخطف ما تزال في ذروتها، إذ تجد حكومة نتنياهو نفسها اليوم، من جهة، مضطرة إلى المناورة بين الغضب الشعبي العارم من جراء مقتل الشبان والضغط السياسي الذي يمارسه الجناح اليميني على الائتلاف لردّ إسرائيلي قوي، ومن جهة أخرى بين التخوف من مغبة التدهور نحو مواجهة عنيفة وواسعة مع "حماس" في قطاع غزة. وسيضطر رئيس الحكومة إلى بلورة سلسلة من الردود التي تثبت للرأي العام أنه لا يزال قوياً في مواجهة "حماس" من دون الانزلاق إلى ورطة عسكرية تستمر طويلاً.

•إن خطف تلامذة اليشيفا يثير موجة تعاطف شعبي مع عائلاتهم، ودعوات للانتقام من جانب اليمين المتشدد بصورة خاصة. وعلى الرغم من عدم وجود علاقة مباشرة بين هذا الخطف وحوادث أخرى، فإن حادثة الخطف في غوش عتسيون تختلط في وعي الناس مع حوادث أخرى جرى الحديث عنها في الفترة الأخيرة، مثل حادثة مقتل الشابة شيلي دادون من عفولة، ومقتل شابة من أشدود قبل تسع سنوات والمشتبه بأنه قام بها عربي إسرائيلي.

•إن جميع هذه الحوادث تشعل الأجواء بين اليهود والعرب في المناطق [المحتلة] وفي إسرائيل أيضاً. وليس من قبيل المصادفة إعلان الشرطة رفع درجة التأهب لجميع وحداتها في المناطق كلها. فمثل هذا الجو قد يؤدي إلى أعمال تحريض، وتظاهرات صاخبة، ومواجهات عنيفة، وتعديات على العرب داخل حدود الخط الأخضر. واستناداً إلى تجربة الماضي، نتوقع حدوث محاولات لإحراق مساجد وتعديات على الممتلكات الفلسطينية، في إطار ما أصبح يُعرف بأعمال "جباية الثمن".

•يسمع بنيامين نتنياهو الدعوات المطالبة بالانتقام، ويشعر أيضاً بأن الطاقم السياسي ينتظر رداً ملموساً من حكومته. وقد أجرى في الأيام الأخيرة سلسلة نقاشات هدفها بلورة خطوات ضد "حماس". وبحث من بين أمور أخرى، في تشديد الحرب الاقتصادية لمنع تدفق الأموال إلى "حماس"، وفي طرد زعماء الحركة من الضفة الغربية وهدم منازل المخربين.

•وكانت القيادة الأمنية أعلنت نيتها هدم منزل المشتبه به في قتل ضابط الشرطة باروخ مزراحي الذي سُمح بنشر خبر توقيفه الأسبوع الماضي. ومن المتوقع اتخاذ خطوات أخرى مشابهة، مما يشكل خروجاً عن السياسات التي أوقفت هدم منازل المخربين منذ سنة 2005. إن الهدف المعلن لذلك هو ردع الفلسطينيين، لكن الهدف الفعلي للحكومة هو تهدئة الإسرائيليين. فمن شأن عملية قاسية أن تلجم الغضب الداخلي.

•وكالعادة، فإن قطاع غزة هو أيضاً مطروح على جدول الأعمال. وهذا الأسبوع عاد وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان إلى الحديث عن الحاجة إلى البحث مجدداً في احتلال القطاع، بصفته حلاً وحيداً ضد "حماس". ولكن ثمة شك كبير في أن يكون أحد من الوزراء يشاطره هذا الرأي، وآخر شيء يمكن أن يبحث عنه نتنياهو لنفسه هو الدخول في مواجهة عسكرية طويلة مع "حماس"، وآخر شيء يمكن أن يسعى إليه هو السيطرة على القطاع وإدارة الحياة اليومية لنحو 1,8 مليون فلسطيني فيه.

•لكن على الرغم من ذلك، فإن الإغراء السياسي للقيام بخطوات استعراضية ضد "حماس" في القطاع كبير. ومع أن إسرائيل لم تعثر على دليل قاطع يربط بين أعضاء "حماس" في الخليل الذين قاموا بعملية الاختطاف وقيادة الحركة في غزة، فإنها تعتقد أن العملية تمت وفق توجيهات عامة من القيادة. وكانت الأيام الأخيرة شهدت ارتفاعاً في درجة التوتر بين إسرائيل وقطاع غزة وزيادة واضحة في عدد الصواريخ التي أطلقت من هناك نحو النقب. كما زاد سلاح الجو هجماته. وليل يوم الاثنين قتل أحد أعضاء "حماس" في إحدى هذه الهجمات التي قالت إسرائيل إنها موجهة ضد مطلقي الصواريخ. واتضح لاحقاً احتمال وقوع خطأ وأن الخلية لم تكن متورطة بإطلاق صواريخ.

•في جميع الأحوال، هناك أرض خصبة للتصعيد. وتكفي عملية اغتيال إسرائيلية لمسؤول كبير في "حماس" كي تشعل حريقاً كبيراً. ومثل هذه الخطوة قد تجعل نتنياهو يحظى بتصفيق اليمين، لكنها تنطوي على مجازفة خطرة. فاستناداً إلى تقديرات الاستخبارات العسكرية، يوجد لدى "حماس" اليوم مئات الصواريخ التي تستطيع الوصول إلى غوش دان، وتدعي "حماس" أنها قادرة على الوصول إلى مسافة أبعد في شمال الدولة. على كل من يدخل في عملية واسعة ضد "حماس" في القطاع أن يأخذ في اعتباره أنها ستكون طويلة نسبياً وستلحق أضراراَ كبيرة في الجبهة الداخلية الإسرائيلية. ويجب أن يكون لهذه العملية هدف أوضح من إرضاء رغبة الانتقام لدى الجمهور.

•على الصعيد السياسي، فإن العثور على الجثث سيزيد من الضغط على رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس كي يتنكر لـ"حماس". وهذا ما جرى بصورة جزئية منذ الخطف الذي أدى إلى تدهور العلاقات بين المعسكرين الفلسطينيين الكبيرين، لكن من الصعب أن نرى عباس يستجيب لطلب نتنياهو ويقوم بحل حكومة التكنوقراط المشتركة مع "حماس".

•لقد تحقق بالأمس الهدف الأساسي لعملية "عودة الأبناء" أي العثور على المختطفين. وهذه النتيجة المأساوية- أي العثور عليهم جثثاً وليس أحياء- جاءت مطابقة لتقديرات كل من كان يعرف الصورة الاستخباراتية للتحقيق في الأسبوعين الأخيرين. كما أن تحليل أسلوب عمل خلايا الخطف السابقة كان يشير مسبقاً إلى عدم وجود أي فرصة لبقاء المختطفين على قيد الحياة.

•إن هذه النتيجة المؤلمة للقضية يجب أن تفتح النقاش مجدداً بشأن طريقة تصرف الحكومة والأذرعة الأمنية طوال هذه الفترة. فالتشديد على فرضية أن الثلاثة ما يزالون أحياء، وتغذية آمال الجمهور، ومبالغة جزء من الإعلام في التركيز على عائلات المختطفين، جميع هذه الأمور تطرح تساؤلات ما إذا كانت هذه المبالغات بثّت آمالاً لا أساس لها وسط الجمهور.

•ثمة مسألة أساسية هي تحديد مكان الخاطفين. الشاباك الذي لم يستطع إحباط العملية قبل وقوعها، نجح خلال وقت قصير نسبياً في معرفة هوية المخربين اللذين قاما بها وفي اعتقال عدد من الأشخاص من الحلقة الخارجية لبنية الإرهاب في الخليل. بيد أن الكشف عن لغز الخطف جرى بفضل تحليل النتائج الجزئية للتحقيق، والتمشيط الواسع الذي قام به الجيش الإسرائيلي في المنطقة حيث دفنت الجثث.

 

•من النادر أن يجري العثور على الجثث قبل اعتقال القتلة. وعلى الرغم من جميع الاخفاقات، فعاجلاً أم آجلاً سيتم القبض على القتلة. وما تجدر الإشارة إليه أنه عُثر على جثث الشبان الثلاثة على بعد بضعة كيلومترات من المكان الذي قتل فيه الشاباك سنة 1998 الأخوين عماد وعادل عوض الله، زعيمي الذراع العسكرية لـ"حماس" في الضفة بعد مطاردة طويلة. ومن المحتمل أيضاً أن يكون مصير مروان قواسمة وعمار أبوعيشه، المتهمين بخطف الشبان وقتلهم، مشابهاً.