حقيقة قوة داعش وخطرها على إسرائيل
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال

•منذ سقوط الموصل في قبضة داعش، ترسم وسائط الإعلام صورة وضع كارثي يتضمن احتمال سقوط العراق بيد هذا التنظيم. فاستناداً إلى التقارير الإعلامية، فإن التنظيم ينوي السيطرة على بغداد واستكمال سيطرته على العراق كله. كما جرى الحديث عن أن الأردن والكويت ودولاً خليجية أخرى تتخوف من أن تلقى مصيراً مشابهاً على يد هذا التنظيم القوي الذي يجري تصويره وكأنما هو قوة عظمى قيد التشكّل. ومن دون الاستخفاف بخطر هذا التنظيم، ولا سيما في ضوء إنجازاته المحلية وأعماله الوحشية، يجب أن نفهم المحيط الذي استطاع أن يحقق فيه إنجازاته وقوته.

•بداية، يجب أن نوضح قضية انتمائه إلى تنظيم القاعدة. صحيح أن داعش ينتمي إلى معسكر الجهاد العالمي الذي يريد إنشاء خلافة إسلامية في الشرق على نمط طالبان، لكن الخلاف الكبير الذي نشب بين زعيم داعش أبو بكر البغدادي، وزعيم القاعدة أيمن الظواهري، أدى إلى طرد داعش من التحالف الذي أنشأته القاعدة مع عدد من الشركاء الأساسيين. 

•ويمكن أن نضيف إلى ذلك أن انتصارات داعش ليست نتيجة قوتها وقدراتها العسكرية الاستثنائية، بقدر ما تعود قبل كل شيء إلى فقدان المالكي رئيس الحكومة الشيعي، الشرعية الشعبية، وإلى الضعف الكبير للجيش العراقي وقيادته الفاشلة. 

•إن جزءاً كبيراً من عمليات هذا التنظيم امتازت بأسلوب الهجوم المباغت على طريقة اضرب واهرب، أو بإظهار وجود عسكري رمزي في الأماكن التي احتلها من خلال الاستعراضات العسكرية. أما في المناطق حيث نجح التنظيم في رفع علمه، فقد حصل ذلك بسبب لا مبالاة السكان المحليين وعدم مقاومتهم، وأحياناً بسبب مساعدتهم للتنظيم نظراً إلى عداوتهم العميقة لنظام المالكي الذي يعتبرونه طاغية فاسداً يمارس سياسة تمييز واضحة ضد السّنة. هذه المشاعر حيال النظام العراقي الشيعي دفعت سكان المناطق التي احتُلت في غرب العراق، على الأقل في المرحلة الحالية، إلى اعتبار داعش أقل سوءاً. ومن الواضح أن المواجهة مع التنظيم مؤجلة إلى المستقبل، ومرتبطة بمدى محاولته فرض نمط حياة إسلامياً متشدداً عليهم، مثلما فعل في الماضي في العراق وهذه السنة في سورية.

•إن تباهي داعش بقوته والضجة الإعلامية حوله يفوقان حجمه كثيراً. فأولاً تبدو الأرقام التي تنتشر في الإعلام عن عدد قوات التنظيم داخل العراق غير موثوقة. وحتى لو اعتبرناها موثوقة فهي لا تتعدى 10 آلاف مقاتل جزء منهم متطوعون أجانب. ومن الواضح أن هذه القوة لا تكفي لاحتلال العاصمة بغداد حيث لنظام المالكي وسكان العاصمة مصلحة جوهرية في الدفاع عنها كجزء من الدفاع عن سلامة دولتهم. وعلاوة على ذلك، ليس في مقدور داعش السيطرة بصورة كاملة على المناطق الأخرى التي احتلها في العراق وحتى في سورية، فالتنظيم لا يسيطر هناك على مناطق واسعة، ويكتفي بالسيطرة على منطقة الرقة وأجزاء من دير الزور.

•إن المخاوف والقلق اللذين يثيرهما نجاح التنظيم لدى الدول المجاورة للعراق وفي طليعتها إيران وتركيا والأردن، قد يشكلان عائقاً في وجهه. فإذا حقق داعش على الرغم من ذلك، إنجازات جغرافية في بغداد وأصبح يهدد بصورة مباشرة الأمن القومي للدول المجاورة للعراق، فإنه سيُجابه بمعارضة إقليمية وبتدخل أميركي شبه حتمي ولو بشكل محدود، بسبب الخوف الأميركي من العودة إلى التورط بوجود عسكري كثيف في العراق. لكن إيران على سبيل المثال، سوف تهب لنجدة نظام المالكي الشيعي الذي تعتبره حليفاً لها من أجل المحافظة على نفوذها داخل هذا النظام، وكي تمنع بالقوة الخطر الذي ينطوي عليه نشوء نظام إسلامي سّني جهادي معاد لها على حدودها. وكذلك من المحتمل ألا تبقى تركيا مكتوفة الأيدي. 

•إسرائيل مثل دول العالم كلها، تراقب باهتمام شديد تطورات المعركة في العراق، وسوف تضطر إلى رفع مستوى يقظتها الاستخباراتية حيال داعش وعلاقاته مع التنظيمات التي تنشط ضمن إطاره بهدف استباق الخطر الذي قد ينشأ عنه. في هذه المرحلة يبدو أنه ليس هناك خطر مباشر وفوري على أمن إسرائيل نتيجة التطورات في العراق، على الرغم من أن الأجواء الناجمة عن ذلك من شأنها تعزيز قوة أطراف الجهاد العالمي التي تنشط في الدول المجاورة لإسرائيل. 

•ويبدو من صورة الوضع في سورية، أن الخطر المحتمل على إسرائيل يمكن أن يأتي تحديداً من جهة تنظيم جبهة النصرة الموجود مع أنصار الجبهة الإسلامية في هضبة الجولان السورية وعلى الحدود مع الأردن. حتى الآن لم توجّه هذه التنظيمات سلاحها إلى إسرائيل، ولا يمكن ربطها بأغلبية عمليات إطلاق النار وعمليات التخريب المتقطعة التي جرت ضد إسرائيل من الجانب السوري، لكن احتمال التصعيد من جهة هذه التنظيمات في المنطقة وارد.

•إن العقيدة الأيديولوجية وخطاب داعش وجبهة النصرة والقاعدة الذين عبروا علناً عن نيتهم مهاجمة إسرائيل في المستقبل، تعزز التقدير بأن هذه التنظيمات ستنفذ تهديداتها ضدها. ويجب ألا ننسى في هذا الإطار أن اسم داعش برز هذه السنة في عملية إرهابية جرى إحباطها، خطط فيها نشطاء من القدس الشرقية وجنين بإشراف من غزة وتعليمات من باكستان، للانضمام إلى داعش في سورية، للقيام معاً بهجمات انتحارية في القدس وتل أبيب. 

 

•ليس واضحاً ما إذا كان هذا يبشر بتوجّه التنظيم نحو التسلل إلى الأراضي الإسرائيلية، أم أن ما جرى كان محاولة معزولة. في جميع الأحوال، فإن الثقة بالنفس التي اكتسبها تنظيم داعش من خلال إنجازاته في العراق وسورية، والمال الوفير الذي في حوزته والذي حوله إلى تنظيم شديد الثراء، لن يساعداه في احتلال العراق، لكنهما قد يشجعانه على استغلالهما من أجل توسيع عملياته نحو جبهات أخرى بما فيها إسرائيل، وكذلك القيام بمساعدة عمليات رفاق دربه وتمويلهم.