من الأكثر عنصرية، نحن أم أوروبا
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

·       تسللت مسحة من الخوف المضبوط إلى التقارير الإسرائيلية التي تحدثت عن فوز اليمين المتطرف في انتخابات الاتحاد الأوروبي. وسبب هذا الخوف أن حركات اليمين المتطرف، وتلك التي ليست متطرفة جداً، تتبنى وجهات نظر معادية للسامية. أما سبب ضبط النفس فيعود إلى أن هذه الحركات تحديداً، هي التي تقود حملة الكراهية ضد المسلمين.

·       وهنا تجد إسرائيل نفسها أمام معضلة واضحة، فهل يتعيّن عليها إدانة فوز اليمين المتطرف وإعلان أوروبا قارة مصابة بالعداء للسامية؟ أم عليها الاستمرار في استضافة ممثلي أحزاب عنصرية عبّر قسم منها عن موقف معاد لمقاطعة إسرائيل، وله علاقات صداقة قوية مع زعماء المستوطنين؟

·       إن المخرج الإسرائيلي من هذه الورطة ليس معقداً، إذ تستطيع إسرائيل إدانة العداء للسامية وفي الوقت نفسه تبني العنصرية. صحيح أنها تنظر بقلق حقيقي إلى حليقي الرؤوس الذين تظهر على أجسادهم وشوم الصليب المعكوف، لكنها تتبنى وجهة نظرهم ومواقفهم حيال الأجانب. وبهذه الطريقة تستطيع الاستفادة من الأمرين.

·       بصورة عامة، فإن العداء الأوروبي للسامية عداء "مفيد"، لأنه كلما ازدهر دفع بالمزيد من اليهود نحو الدولة الملاذ، الدولة اليهودية. كما أنه من المنتظر أن يكون استيعاب يهود أوروبا عملية سهلة، فهم سيواصلون التمتع بالجو العنصري الذي يسود أجزاء من أوروبا، كما يستطيعون أن يعبروا بوضوح وحرية عن مواقفهم المعادية للعرب والمسلمين من دون أن يعتبروا عنصريين، وفي إمكانهم الامتثال لقوانين عنصرية يهودية وحتى تبني برامج الأحزاب العنصرية الأوروبية التي تطالب بوقف هجرة العرب والمسلمين والعمال الأجانب بصورة عامة. وبهذه الطريقة قد يجدون أن إسرائيل تستطيع بسهولة أن تصبح عضواً في البرلمان الأوروبي، الذي لا تزال ملامحه الجديدة بعيدة عن أن تكون في مستوى العنصرية في إسرائيل.

·       قبل عشرة أعوام نُشر بحث أجراه باحثون في جامعة حيفا درس مواقف الشباب اليهود والعرب من تلامذة الصف العاشر حيال بعضهم بعضاً، وجاءت النتائج مثيرة للقلق، فنحو 53% من التلامذة اليهود قالوا إنهم غير مستعدين للالتقاء بعرب، ونحو 74% قالوا إنهم غير مستعدين لاستضافة عرب في منازلهم، و65% ليسوا مستعدين للسكن في أحيائهم. صحيح أن هذا النفور برز أيضاً لدى التلامذة العرب، لكن الفجوات بين المجموعتين كانت نحو 20%.

·       وفي استطلاع آخر أجراه صندوق أبراهام في وقت لاحق، قال 50% من اليهود الذين شملهم الاستطلاع إن سماع حديث باللغة العربية يثير فيهم الكراهية.

·       إن التلامذة اليهود الذين شاركوا في هذين الاستطلاعين هم اليوم في العشرين أو الرابعة والعشرين من أعمارهم، وقد أصبحوا بالغين ويملكون حق الاقتراع، وعلى الأرجح فإن جزءاً منهم رُزق أولاداً. فهل تغير رأيهم؟ وهل هم وأولادهم سينجحون أو يرغبون، في التخلص من هذه المواقف المتجذرة؟

·       من الصعب حدوث ذلك، فتلامذة الصف العاشر حصلوا على كراهيتهم من مكان ما وجعلوها جزءاً من هويتهم. ويمكننا افتراض أنه إذا أجرت رابطة محاربة التشهير استطلاعاً عن العنصرية في إسرائيل، [باليهود] ستجد نتائج الاستطلاع الذي أجرته عن العداء للسامية عالمياً، باهتة مقارنة بنتائج العنصرية في إسرائيل. ففي إسرائيل مقارنة مع أوروبا لا مجال للتساؤل ما إذا كانت العنصرية سياسية أواقتصادية أودينية أو إيديولوجية، لأنها هذا كله.

·       إن الثرثرة والتحذيرات من توجه أوروبا نحو اليمين المتطرف كان يمكن أخذها مأخذ الجد لو أظهرت إسرائيل إصراراً فعلياً على اقتلاع المواقف العنصرية المتجذرة فيها، ولو أن قوانين التمييز العنصري لا تطرح على الكنيست، ولو لم تكن اللغة العربية مهددة بخسارة مكانتها الرسمية، ولو أن أصحاب الشقق الذين يرفضون تأجير شققهم للعرب يعاقبهم القانون، ولو أن الذين يقومون بثقب إطارات السيارات وكتابة شعارت "الموت للعرب" يعاملون كإرهابيين، تماماً مثل راشقي الحجارة من العرب.

·       إن أوروبا الخطرة، حتى بعد الانتخابات الأخيرة، بحاجة إلى بذل جهد كبير لبلوغ مستوى إسرائيل في السباق العنصري.