معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
· فشلت المفاوضات التي دارت بين إسرائيل والفلسطينيين تسعة أشهر بوساطة من وزير الخارجية الأميركي جون كيري. لم ينجح الطرفان في الاتفاق على وثيقة مبادئ، الأمر الذي دفع بالولايات المتحدة الأميركية إلى وقف مساعيها في الوقت الحالي لاستئناف المفاوضات، وإعادة تقييم العملية السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين من جديد. ويطرح هذا الفشل سؤالين أساسيين: لماذا فشلت المفاوضات؟ وماذا نفعل من الآن فصاعداً؟
· إن أحد الأسباب الرئيسية لفشل المفاوضات هو مشاركة الطرفين فيها من دون اقتناع بأن الطرف الآخر شريك في اتفاق. وكان هدف الطرفين منذ بدء المفاوضات إنهاءها وإلقاء مسؤولية فشلها على الطرف الآخر. وهذه الروحية لا تساعد في إجراء مفاوضات جدية يمكن من خلالها جسر الثغرات بين المواقف.
· اعتقد الفلسطينيون أن نتنياهو لا يريد إنهاء الاحتلال مع استمرار المشروع الاستيطاني وكذلك السيطرة على المناطق الفلسطينية، وأن كل هدفه مواصلة القيام بهذا كله بطريقة مختلفة تمنح الشرعية للسياسة الإسرائيلية وتخفف الضغوط الخارجية والداخلية عليه. ومما أكد شكوك الفلسطينيين، المطالبة باستمرار الوجود العسكري الإسرائيلي في المناطق الفلسطينية حتى بعد توقيع الاتفاق وقيام دولة فلسطينية، ورفض الدخول في نقاش جدي بشأن الحدود بين الدولتين، وتسريع وتيرة البناء في المستوطنات.
· واعتقد الإسرائيليون أن الفلسطينيين ليسوا موافقين فعلاً على حل الدولتين، دولة يهودية وأخرى عربية، كما أنهم لا يعترفون بحق إسرائيل في الوجود، وهم يرغبون على المدى البعيد في القضاء عليها. وفُسر الرفض الفلسطيني للاعتراف بإسرائيل دولة يهودية ورفض التخلي عن حق العودة، بأنه يؤكد هذه الشكوك. وإذا افترضنا أن مواقف الطرفين حيال هذه القضايا مواقف مبدئية وأنه من الصعب تغييرها أو الالتفاف عليها من خلال حلول عملية، فإنه يمكننا القول إن الطرفين على حق وإنه لا مجال للتوصل إلى اتفاق دائم أو اتفاق مبادئ قبل أن يغير الطرفان هذه المواقف الأساسية بصورة جذرية.
· كما يمكننا الإشارة إلى عدد من المشكلات التي تتعلق بالطريقة التي أدارت فيها الولايات المتحدة تلك المفاوضات. فقد قرر وزير الخارجية الأميركي إجراء مفاوضات بشأن حل دائم فقط، ولم يرغب في مناقشة الاحتمالات الأخرى مثل اتفاقات موقتة غير كاملة، وخطوات ملائمة أحادية الطرف، خوفاَ من إعطاء حجة للطرفين للتهرب من مناقشة موضوعات الاتفاق الدائم. والمشكلة في أنه في اللحظة التي بدا فيها الطرفان غير مستعدين لاتخاذ القرارات المطلوبة من أجل تغيير مواقفهم الأساسية، لم يبق ما يمكن الحديث بشأنه، وانهارت العملية برمّتها. لقد حاولت الولايات المتحدة في البداية التقدم في موضوعي الأمن والحدود، لكن هذه المقاربة لم تنجح، أولاً بسبب صعوبة الفصل بين هذين الموضوعين والموضوعات الأخرى، فموضوع الأمن مرتبط ارتباطاً وثيقاً بموضوع سيادة الدولة الفلسطينية ونهاية الاحتلال، كما أن موضوع الحدود مرتبط بموضوعات حساسة مثل القدس والمستوطنات.
· ثانياً، دفع التقدم في موضوع الأمن الولايات المتحدة إلى قبول المطالب الإسرائيلية في هذا المجال، لكن إسرائيل لم تتنازل عن رفضها تحديد مدة زمنية لوجودها العسكري وحرية تحركها في المناطق الفلسطينية. ولم تحصل الولايات المتحدة على موافقة إسرائيل على مناقشة موضوع الحدود مناقشة حقيقية. وكان التنازل الوحيد الذي نجح كيري في الحصول عليه من رئيس الحكومة نتنياهو هو صيغة عامة تقول إن الحدود ستستند إلى خطوط 1967 مع تبادل للأراضي، لكن من دون الموافقة على أن يكون حجم التبادل في الأراضي متساوياً بين الطرفين.
· والأمر عينه حصل في ما يتعلق بمسألة الدولة اليهودية. فقد توقع الجانب الأميركي أنه إذا جرى استرضاء الإسرائيليين في موضوعات الأمن وتعريف إسرائيل دولة يهودية، فإنهم سيكونون مستعدين لإظهار مرونة حيال موضوعات أخرى. وتبنى الأميركيون الموقف الإسرائيلي في هذا الشأن بصورة كاملة، وبرز ذلك في ورقة المبادئ التي اقترحوها. لكن الجانب الإسرائيلي لم يكن مستعداً للتفاوض على صيغ في مسألة اللاجئين، تسمح لعباس بالموافقة على الاعتراف بيهودية دولة إسرائيل. وفي الواقع، فإن من بين أهم المخاوف الفلسطينيية أن تعني الموافقة على تعريف الدولة اليهودية التنازل عن مطالبهم في موضوع اللاجئين.
· في الختام، يطرح السؤال: هل كان لدى الزعامة في الطرفين مصلحة وقوة سياسية للتوصل إلى اتفاق؟ الجواب هو: لا، إذ يقف نتنياهو على رأس ائتلاف حكومي معرض للسقوط حتى من دون اتفاق، في حال جرى التطرق إلى مسائل حساسة. وما يزال نتنياهو يحمل آثار صدمة سقوط حكومته الأولى سنة 1999 بسبب اتفاق "واي بلانتايشن". أما عباس فيعاني ضعفاً داخل معسكره السياسي وهو فاقد للشرعية وسط الجمهور الفلسطيني العريض. وثمة شك في أن الزعيمين شعرا بأنهما قادران على اتخاذ القرارات الحاسمة المطلوبة من أجل التوصل إلى اتفاق.
· لكن في المقابل، يتخوف الطرفان من انعكاسات انهيار المحادثات، فالخطر كبير والبدائل المطروحة غير جذابة، إذ يكثر الفلسطينيون من الحديث عن التوجه إلى المؤسسات الدولية كي تفرض اتفاقاً على إسرائيل، لكنهم يدركون جيداً أن هذا لن يحدث. وكذلك فإن خيار "الاحتجاج الشعبي" خطر بسبب احتمال الانزلاق إلى مواجهة مسلحة مشكوك في نجاحها. وتتخوف إسرائيل من انعكاسات استمرار الستاتيكو وثمنه على الساحة الدولية وتأثيره على علاقاتها بالولايات المتحدة.
· بناء على ذلك كله، يمكن إقناع الطرفين بمواصلة مفاوضات تجمع بين التفاوض على الحل الدائم وعلى اتفاقات مرحلية يمكن بعدها قيام دولة فلسطينية بصورة تدريجية في المناطق التي تتوسع على حساب منطقة ج، إلى جانب خطوات أحادية ملائمة تسمح بهذه العملية.
· إن ميزة هذا الاقتراح أنه يسمح بمخاطرة تدريجية ويؤكد حدوث تقدم نحو حل الدولتين برغم الأزمات التي قد تحدث في مفاوضات الحل الدائم، بيد أن تبني هذا الاقتراح يتطلب إرادة وقوة سياسيتين من كلا الطرفين.