استخدام عباس المصالحة الفلسطينية للضغط على إسرائيل لاستئناف المفاوضات قد لا ينجح
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

·      يبدو أن إقدام محمود عباس على إحياء المصالحة بين حركة "حماس" ومنظمة التحرير الفلسطينية هو خطوة هدفها الضغط على إسرائيل من أجل إجراء مفاوضات حقيقية. لكن في ظل عدم رغبة الحكومة الإسرائيلية في القيام بذلك، فإن عباس سيجد نفسه داخل مسار قد يؤدي، على الرغم من إرادته، إلى جولة من العنف، إلاّ إذا تخلى الأميركيون عن "المهلة الزمنية" التي فرضوها على أنفسهم.

·      كان عباس يرى منذ عدة أشهر ضعف "حماس"، إذ انتهى زمن الدعم الذي حصلت عليه من إيران وتركيا وقطر وحكومة محمد مرسي في مصر. وقد حدث ذلك جرّاء التغييرات التي طرأت على الدول المؤيدة لها، وفي طليعتها مصر، ونتيجة الإدراك المحبط أنها لا تستطيع الجمع بين الاحتفاظ بالسلطة ومواصلة مقاومتها العسكرية لإسرائيل. لذا، فإن حكومة الوحدة الوطنية هي بمثابة ملاذ يسمح لها بالتخلص من مسؤولية إدارة "أزمات" القطاع، وفي طليعتها أزمة دفع الرواتب، وأزمتا الكهرباء والمياه.

·      أمّا عباس الذي يسعى من خلال المصالحة مع "حماس" لإعادة إسرائيل إلى المفاوضات بشأن الحدود، والتوصل من خلال ذلك إلى إطلاق الأسرى وتجميد البناء في المستوطنات، بواسطة تدخل أميركي فاعل، فلا ينوي التوصل إلى تحقيق ذلك بشروط "حماس". ففي الأسبوع الماضي وضع عباس شروطاً لهذه المفاوضات عبر جعل "حماس" تدفع ثمناً باهظاً. ففي الوقت الذي تصرّ "حماس" على عدم اعتراف حكومة الوحدة الوطنية التي تشارك فيها بإسرائيل، وتأمل بأن يسمح لها انضمامها إلى منظمة التحرير الفلسطينية بإقامة علاقات جديدة مع العالم مع الاحتفاظ بقوتها العسكرية، يعلن عباس أن "حكومة الوحدة ستكون حكومة تكنوقراط مستقلة، وأن تأليفها لن يجري من قبل المنظمات الفلسطينية، وستعترف بإسرائيل وستنبذ الإرهاب وستحترم الاتفاقات الدولية."

·      حتى الآن لم يُصدر عباس قراراً رئاسياً ببدء الاستشارات لتأليف الحكومة، وقد امتنع عزام الأحمد، ممثل "فتح" في المحادثات في غزة، من عقد مؤتمر صحافي بعد انتهاء لقاءاته هذا الأسبوع.

·      إن هذه الخطوات من جانب عباس هي بمثابة السير على حبل رفيع. وربما يجد نفسه يتطلع إلى استئناف المفاوضات في الوقت الذي تنشغل إسرائيل والولايات المتحدة بشؤونهما الخاصة. لذا، لن يكون من السهل عليه أن يشرح للجمهور الفلسطيني الذي يطالب بالمصالحة منذ عدة أعوام، لماذا لم يستطع إنجازها.

·      وحتى لو أُنجزت عملية المصالحة التي ستسمح لعباس بالتوجه إلى الأمم المتحدة بصفته ممثلاً لجميع الفلسطينيين داخل "فلسطين ضمن خطوط 1967"، من أجل الحصول على العضوية، فإن حظوظ ذلك ضعيفة من دون إدخال تغييرات جذرية على مكانة "حماس" التي تُعتبر تنظيماً إرهابياً.

·      وفي ظل عدم وجود بدائل أُخرى، فإن عباس قد ينجرّ إلى سلوك يتعارض مع تصريحاته ومواقفه الداعية إلى نبذ العنف، ومن المحتمل أن يتسع الشرخ الذي ظهر هذا الأسبوع من خلال الحديث أن "أجهزة الأمن الفلسطينية لم ترتكب أي خطأ فيما يتعلق بتعهداتها الأمنية، وجميع العمليات العسكرية ضد المستوطنين الإسرائيليين والجيش الإسرائيلي جرت خارج المناطق الخاضعة لسيطرتها"، أي أن عباس يحصر مسؤوليته عمّا يحدث بالمنطقتين أ وب، على الرغم من أن الهجمات التي تقع في المنطقة ج يقوم بها فلسطينيون يسكنون المنطقتين أ وب.

إن تطور مثل هذا السيناريو لا يخدم أحداً باستثناء هؤلاء الذي يرون في العنف مبرراً لسياستهم، وفرصة لتحقيق أهدافهم بالقوة. وقد أثبتت جولات العنف التي جرت خلال العقدين الأخيرين صعوبة حدوث ذلك، وكيف أن الأطراف اضطروا في النهاية إلى الاستجابة للاقتراح الأميركي بالعودة إلى طاولة المفاوضات. ومن هنا نأمل بأن ينجح الأميركيون بتقديم اقتراحهم قبل انفجار العنف.