المثلث الإسرائيلي - الأردني - الفلسطيني
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال
المؤلف

·      فَصَل الانتداب البريطاني في سنة 1921 الضفة الشرقية لنهر الأردن [لدى تأسيس إمارة شرق الأردن] عن المنطقة الممتدة بين النهر والبحر الأبيض المتوسط، لكن هذا الفصل لم يُلغِ الروابط المتعددة التي تتبدل أشكالها باستمرار تماشياً مع التطورات السياسية. وقد تبدّل الارتباط الأردني - الفلسطيني كثيراً، اعتباراً من ضمّ الأردن للضفة الغربية في سنة 1950، والتي بقيت غداة حرب 1948 تحت سيطرة الفيلق العربي، وصولاً إلى فك الارتباط الكامل عن الضفة الغربية في سنة 1988. بيد أن اهتمام الأردن بما يحدث في الضفة الغربية لنهر الأردن لم يتوقف، وخصوصاً في كل ما يتعلق بالقدس. والواقع الديموغرافي المتمثل في أن أكثر من نصف سكان الأردن هم من أصل فلسطيني، يولّد بحد ذاته الحاجة إلى التدخل الأردني، لكن موضوع القدس يمنح المملكة الهاشمية مكانة فريدة في العالم العربي، وإن كانت لا تصل إلى مكانة المملكة العربية السعودية نظراً إلى أهمية مكة [المكرّمة] والكعبة [قبلة المسلمين].

·      وقد ترجم الأردن اهتمامه العملي بالقدس بوثيقتين رئيسيتين: ففي معاهدة السلام الموقّعة مع إسرائيل في تشرين الأول / أكتوبر 1994 [اتفاقية وادي عربة]، ينص البند التاسع من المعاهدة على التالي: "... تحترم إسرائيل الدور الفريد للمملكة الأردنية الهاشمية في الأماكن المقدسة للمسلمين في القدس. وعندما يحين أوان مفاوضات الحل الدائم، سوف تعطي إسرائيل أولوية عالية للدور الأردني التاريخي في هذه الأماكن المقدسة." والاعتراف الفلسطيني أيضاً بهذا الدور متضمَّن في الاتفاق الذي وقّعه في 31 آذار / مارس 2013 كل من الملك عبد الله الثاني بصفته "صاحب الوصاية على الأماكن المقدسة [في القدس الشريف]" للمسلمين والنصارى على السواء، ومحمود عباس بصفته "رئيس الدولة الفلسطينية". وينص البند الثاني من الاتفاقية على أن الملك الأردني "يضمن حرية جميع المسلمين في الانتقال إلى الأماكن المقدسة الإسلامية في القدس" (في الاتفاقية لا تشمل هذه الرعاية النصارى). والملك الأردني مسؤول عن "إدارة الأماكن المقدسة وصيانتها... ومتابعة مصالح الأماكن المقدسة وقضاياها في المحافل الدولية." كما تنص الاتفاقية على أن "الإشراف على مؤسسة الوقف في القدس وممتلكاتها وإدارتها يكون وفقاً لقوانين المملكة الأردنية الهاشمية." وتعطي هذه الاتفاقية موافقة رسمية فلسطينية على الادعاء الأردني بأن وصايته على الأماكن المقدسة في القدس مصدرها المناشدة الفلسطينية (من الحاج أمين الحسيني والرئيس السابق لبلدية القدس راغب النشاشيبي) في آذار/ مارس 1924، والموجّهة إلى الشريف حسين (والد الملك عبد الله الأول).

·      وفي الأشهر الأخيرة التهبت الأجواء السياسية في الضلع الإسرائيلي - الأردني من المثلث المذكور، حيال مسائل عديدة وأهمها قضية القدس. ويجري التراشق في المجال البرلماني، إذ دعا أعضاء في البرلمان الأردني إلى تجميد معاهدة السلام بين الدولتين، وإلى طرد السفير الإسرائيلي (في أعقاب الحادث على معبر جسر أللنبي الذي أدى إلى مقتل مواطن أردني). كما ناقش الكنيست بمبادرة من موشيه فايغلين مسألة السيادة الإسرائيلية على جبل الهيكل [الحرم القدسي الشريف]. وفي الحالتين عمدت القيادات السياسية في الأردن وإسرائيل إلى وضع حدّ للنقاش من دون اتخاذ قرارات ربما يكون لها تداعيات سياسية خطرة.

·      ووصل السجال، على الرغم من التدخل السياسي لوقفه، إلى المجال الدبلوماسي أيضاً بعد تصريحات سفيرَي إسرائيل والأردن [لدى الأمم المتحدة] بشأن ما يجري في القدس. فقد صرّح السفير الأردني الأمير زيد بن رعد (الذي أعلن في وقت لاحق استقالته من منصبه) في 2 نيسان/ أبريل أمام مجلس الأمن (الأردن هو عضو غير دائم في المجلس)، أن أعمال وزراء وأعضاء في الكنيست من معسكر اليمين الإسرائيلي "تشكل استفزازاً وتهديداً للأردن." وذكر تحديداً "اقتحام الحرم القدسي الشريف"، و"الحفريات غير المشروعة والانتهاكات"، وترميم جدار المسجد الأقصى "من دون موافقة الجانب الأردني." وردّ سفير إسرائيل في رسالة موجهة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، مشيراً إلى البند التاسع من معاهدة السلام الإسرائيلية - الأردنية، وإلى الجهود التي تبذلها إسرائيل من أجل تهدئة الأجواء في محيط جبل الهيكل.

·      وفي مجال آخر يحظى بتغطية إعلامية أقل، يطور الأردن وإسرائيل شبكة علاقات استناداً إلى مصالح اقتصادية مشتركة، وإلى ضرورة مواجهة الظروف القاهرة السياسية - الأمنية الناجمة عن الاضطرابات التي تعم المنطقة منذ ثلاثة أعوام ونصف عام. وتدلّ الاتفاقيات بشأن المياه والغاز الطبيعي، الموقّعة في الأشهر الأخيرة بين إسرائيل والأردن والشركات العاملة في هذين المجالين في الدولتين، على توجّه مهم، وعلى قدرة القيادة السياسية في البلدين على حماية المصلحة السياسية من المحاولات الاستفزازية الهادفة إلى ضرب شبكة العلاقات. ويجري في المجال الأمني أيضاً تعزيز التعاون، ولا سيماً في ضوء التحديات المستجدة الناجمة عن الوضع في سورية، والعبء الكبير الذي تلقيه على كاهل المؤسسة الأمنية الأردنية التي تحاول إغلاق الحدود المشتركة مع جارتها الشمالية.

·      وتجب الإشارة إلى أن تجميد عملية التفاوض بين إسرائيل والفلسطينين له تأثير وخيم في العلاقات بين إسرائيل والأردن. وأبرز مثل على ذلك هو مقالة وزير الخارجية الأردنية السابق كمال أبو جابر في صحيفة "جوردن تايمز" (28/4/2014)، والتي يهاجم فيها إسرائيل مستعيناً بتعابير مقتبسة من كتاب "كفاحي" لهتلر، متهماً إياها بإفشال مساعي وزير الخارجية الأميركي جون كيري. ويُظهر النظام الأردني حساسية بالغة إزاء التغييرات في منظومة العلاقات بين إسرائيل والفلسطينيين، وغياب مسار سياسي بينهما، ويخشى من تدهور حالة الجمود السياسي إلى العنف. فالدوائر الرسمية الأردنية لم تبد حماسة تجاه اتفاق المصالحة بين الفصائل الفلسطينية، واكتفى رئيس الحكومة الأردنية بالقول عبر محطات التلفزة إن بلاده تدعم الاتفاق. فالعلاقات المعقدة بين الأردن وجماعة الإخوان المسلمين، وتحديداً فرعها الأردني، تفرض عليه الحذر وضبط النفس، لكن هذين لا يستطيعان إخفاء تفضيلات النظام الهاشمي. ويجوز الافتراض أن الأردن سيواصل العمل من وراء الكواليس في محاولة لمساعدة أبو مازن وحركة "فتح".

·      ونتيجة للتطورات المتوقعة في أعقاب تجميد التفاوض الإسرائيلي - الفلسطيني، والمسار السياسي داخل المعسكر الفلسطيني، واستمرار الحرب في سورية، والانعكاسات المحتملة لأزمة ذات أبعاد إقليمية في سياق برنامج إيران النووي، فإن القيادة السياسية في كل من الأردن وإسرائيل ستواجه تحديات صعبة، وهما ستحتاجان إلى إبداء كثير من ضبط النفس في سلوكهما المتبادل. وهناك حاجة إلى أن تبذل إسرائيل مجهوداً يهدف إلى دعم شبكة العلاقات مع القيادة السياسية - العسكرية للأردن. ويجب أن تكون ردات الفعل الإسرائيلية، حتى لو كانت مبررة، على أعمال وتصرفات ضباط أردنيين، ضمن إطار الرؤية الاستراتيجية للمصالح الإسرائيلية الإقليمية بمجملها.