التأثيرات المحتملة لتسريب الوثائق الأميركية في عملية التسوية الإسرائيلية ـ الفلسطينية
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال
المؤلف

·       إن التسريب الكبير للوثائق السرية سيزيد في تقديري، في الصعوبات التي تتعرض لها عملية التسوية مع الفلسطينيين في أكثر من جهة. فقبل أي شيء، يمكننا القول إن ظاهرة التسريبات ستلحق الضرر بمكانة الولايات المتحدة الدولية وبهيبتها. ومن الواضح أن ما حدث كشف ضعف الولايات المتحدة في مجال من المفترض أن تكون فيه متفوقة، وأقصد المحافظة على سرية المعلومات. وسيلقي هذا الفشل ظلالاً كثيفة على صدقية الولايات المتحدة في المجتمع الدولي عامة، ووسط دول المنطقة خاصة، الأمر الذي من شأنه أن يؤثر في قدرتها على دفع العملية السلمية في المنطقة. ومن الواضح أنه من دون التدخل الكثيف للولايات المتحدة، ومن دون هيبتها وقدرتها على الردع، فإن عملية التسوية الإسرائيلية - الفلسطينية لن تحقق تقدماً حقيقياً.

·       علاوة ذلك، فإن ظاهرة التسريبات ستقوض خيار اللجوء إلى الدبلوماسية والترتيبات السرية بين إسرائيل والفلسطينيين من جهة، وبين إسرائيل والإدارة الأميركية من جهة أخرى. وليس سراً أن كلا الطرفين، الفلسطيني والإسرائيلي، واقع تحت ضغط كبير من جانب الأطراف التي تُعتبر "متشددة"، والتي ليست راضية عن جوهر عملية التسوية، ولا مستعدة للقبول بها على أساس ربما يضر بالمصالح التي تعتبرها هذه الأطراف حيوية. فرئيس الحكومة نتنياهو يتعرض منذ وقت طويل لضغط الأطراف ذات المواقف "الصقرية" داخل حزبه وخارجه، الأمر الذي يجعل قدرته على المناورة محدودة للغاية، كما أن رئيس السلطة الفلسطينية يتعرض للضغط من الداخل، ومن جانب "حماس"، ومنظمات الرفض الفلسطينية الأخرى.

·       في مثل هذه الأوضاع، يبدو أن السبيل الوحيد لردم الهوات بين الطرفين هو التوصل إلى صوغ تفاهمات وترتيبات سرية ـ على الأقل في المراحل الأولى لبلورة التسوية. واليوم، وفي أعقاب التسريبات، يبدو هذا الإمكان غير واقعي، ذلك بأن كل طرف سيفترض أن أي اتفاق سري لا بد من أن ينكشف مستقبلاً،  الأمر الذي ربما يحرجه، ويضر بمستقبله السياسي.

·       فضلاً عن ذلك، وجهت التسريبات ضربة قاسية إلى مساعي إدارة أوباما لإظهار أن التسوية الإسرائيلية - الفلسطينية تأتي في رأس أولويات جدول أعمال المجتمع الدولي. وقد عبّر الرئيس أوباما عن ذلك في خطابه الأخير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، حين خص بكلامه مسألة التسوية الإسرائيلية ـ الفلسطينية، وأبعد الاهتمام عن مشكلات أخرى مثل إيران وأفغانستان والعراق والأزمة الاقتصادية.

·       واليوم، تبدو أن المشكلة الحقيقية التي شغلت وما زالت تشغل الزعماء العرب هي التهديد الإيراني، كما أن طلب هؤلاء الزعماء الواضح من الولايات المتحدة توجيه ضربة عسكرية ضد إيران، هو ظاهرة غير مسبوقة في العالم العربي. ويمكن اعتبار سلوك إدارة أوباما، ولا سيما الاهتمام المبالغ فيه بالقضية الفلسطينية، أنه تجاهل للمصالح الحقيقية للدول العربية. ومن المحتمل الآن وبعد نشر الوثائق، أن يكون صعباً على إدارة أوباما مواصلة توجهها السابق، فهي ستضطر إلى ايجاد توزان بين المشكلة الفلسطينية وبين المشكلات الأخرى المطروحة في المنطقة، الأمر الذي سيشكل ضربة جديدة لعملية التسوية الإسرائيلية - الفلسطينية.

·       ويمكننا أن نضيف إلى ما سبق عدداً من الإجراءات التي شهدتها الحياة السياسية الداخلية في إسرائيل، والتي طُبق بعضها، في حين أن بعضها الآخر هو في طريقه إلى التطبيق، وهذه كلها من شأنها عرقلة تقدم التسوية: إقرار قانون الاستفتاء العام؛ اقتراح منح الإسرائيليين في الخارج حق الاقتراع؛ اقتراح قانون جعل القدس عاصمة للشعب اليهودي، لا عاصمة دولة إسرائيل فقط.