إسرائيل والربيع العربي: رؤية المؤرخَين بِني موريس وآفي شلايم
المصدر
The Jerusalem Post

صحيفة يومية تصدر باللغة الإنكليزية، تأسست في سنة 1933، وكان اسمها في البداية "فلسطين بوست" إلى أن غيّرته في سنة 1950 إلى جيروزالم بوست. تصدر عنها نسخة باللغة الفرنسية. حتى الثمانينيات من القرن الماضي، انتهجت خطاً يسارياً، وكانت قريبة من حزب العمل الإسرائيلي، لكنها غيّرت توجُّهها وأصبحت قريبة  من اليمين، ومن الوسط في إسرائيل.

·       بالنسبة إلى أمن اسرائيل القومي ، فإن الربيع العربي يحمل أخباراً سيئة للدولة اليهودية، إذ لا أحد يعتقد أن إسرائيل ستكون أفضل حالاً وهي محاطة بحكومات إسلامية متشددة. 

·       إن أبرز خصائص العلاقات الدولية هي أن الدول الديمقراطية لا تحارب بعضها البعض، فما الذي جعل دولة إسرائيل الديمقراطية غير متحمسة للتحولات الديمقراطية في الدول المجاورة لها؟ هذا هو السؤال الذي طرحته مجلة  The Oxonion Globalist على المؤرخَين بِني موريس وآفي شلايم، المعروفَين بآرائهما المتباينة بشأن كل شيء تقريباً.

·       يقول بِني موريس إنه " لطالما تمنت إسرائيل حدوث تحول ديمقراطي في العالم العربي." ويضيف أن أول رئيس حكومة للدولة، بن - غوريون، أمِل بأن تصبح منطقة الشرق الأوسط ديمقراطية بعد حرب 1948، غير أن الملوك والحكام العرب المستبدين عندما رحلوا حل محلهم طغاة عسكريون معادون.

·       تخشى إسرائيل من تداعيات زوال الأنظمة التي حافظت على السلام البارد وعلى معاهدات السلام. ويتفق موريس وشلايم على أن مخاوف إسرائيل الأمنية هي التي تملي عليها ردة فعلها، لكن شلايم يعتقد أن ردة الفعل هذه هي بمثابة "جنون الارتياب"  (imperial paranoia)، في حين أن موريس يأخذ الأمور بجدية أكبر.

·       وبرأي إسرائيل، فإن مبارك كان حاكماً مستبداً، لكنه حافظ على السلام على الحدود بين البلدين. وقد لا يتكرر هذا الأمر مع الإسلاميين الراديكاليين الذين يجسدون أبشع مخاوف إسرائيل. فالإسلام السياسي في حالة صعود، ولقد ظفرت جماعة الإخوان المسلمين، على سبيل المثال، بأغلبية مقاعد مجلس الشعب المصري، الأمر الذي تنظر إليه إسرائيل بعين الريبة، بسبب العلاقات التي تربط هذه الجماعة بحركة "حماس" الإرهابية التي تسيطر على قطاع غزة وتطلق الصواريخ على المدن الإسرائيلية.

·       إلاّ أن شلايم ينبذ هذه الفكرة ويرى فيها ذعراً من دون مبرر، فيقول إن "خطاب المسلمين المتشددين [المناهض لوجود إسرائيل] مقلق للغاية من وجهة نظر إسرائيل"، لكن الأحزاب الإسلامية تتمتع بدرجة عالية من البراغماتية، وخير دليل على ذلك هو عرض حركة "حماس" وقف إطلاق نار طويل الأجل مع إسرائيل.

·       أمّا موريس فهو قلق على معاهدة السلام، التي هي، في نظره، "معرضة للخطر الجدي". فلقد تبخرت الاتفاقيات التجارية والدبلوماسية التي تمثل أركان هذه الاتفاقية، ولا تزال السفارة الإسرائيلية في القاهرة مغلقة منذ اقتحامها في أيلول/سبتمبر الماضي، كما أغلقت مصر خط الأنابيب الذي كان يزود إسرائيل بالغاز، رضوخاً للضغط الشعبي الكثيف من جهة، ومن جراء عمليات التخريب المتكررة، من جهة أخرى. ويخشى موريس أن تخرق مصر بشكل أحادي اتفاقية السلام من خلال نقل قواتها إلى شبه جزيرة سيناء المنزوعة السلاح، الأمر الذي يعني أن "الحرب أصبحت احتمالاً وشيكاً في المستقبل."

·       من جهته، يبدو شلايم أكثر تفاؤلاً، إذ هو يعتقد أن إسرائيل تبالغ في مخاوفها لأنها "لا تواجه تهديداً وجودياً من أي صوب"، فلا يوجد دولة عربية منفردة أو مجموعة دول عربية قادرة على تحدي تفوقها العسكري أو احتكارها النووي. ومن هنا، فإن "مجرد تفكير جماعة الإخوان المسلمين بالتخلي عن اتفاقية السلام يُعدّ تصرفاً غير براغماتي بشكل غير معهود"، ذلك بأن هذه الاتفاقية تخدم المصلحة الوطنية المصرية أيضاً. ويرى شلايم أن المخاوف العقلانية الوحيدة لدى إسرائيل تكمن في احتمال أن تكون الحكومة المصرية الجديدة  أقلّ طواعية في الملف الفلسطيني.

·       يعترض موريس على ذلك بلهجة شديدة، إذ يقول "صحيح أن الديمقراطيات لا تحارب بعضها البعض، لكنها قد تفعل ذلك عندما تقودها حركات عقائدية، ومتعصبة، ودينية." فقد رفعت جماعة الإخوان المسلمين طوال عقود شعار تدمير إسرائيل، فإذا تشكلت حول إسرائيل حلقة من الأطراف المتشابهة أيديولوجياً، فستغدو الدولة في ورطة.

·       علاوة على ذلك، تساور موريس شكوك جدية في إمكان نشوء ديمقراطية حقيقة في المنطقة: فلقد مضى على الثورة الروسية قرن كامل وليس هناك ديمقراطية، "فلماذا سيكون العالم الإسلامي أفضل حالاً؟"

·       ويبدي شلايم ازدراءه لنتنياهو الذي أنذر الغرب بأنه لا يستطيع صنع سلام مع طغاة غير جديرين بالثقة، ولكنه بقي على عناده حتى بعد أن رحل الطغاة. ويقر شلايم بأن على إسرائيل توخي الحذر، لكنه يلوم نتنياهو لأنه "عارض بحماسة وقوة الثورة المصرية منذ البداية"، بدلاً من أن ينتهج " سياسة الترقب والانتظار" والتي مفادها "إننا نرحب بديمقراطية أصيلة، وإننا إلى جانبكم."

·       يصر موريس على أن هامش المناورة الذي تملكه الحكومة الإسرائيلية بات ضيقاً، فبالنسبة إلى الأمن القومي، لا أحد يعتقد أن إسرائيل ستكون أفضل حالاً وهي محاطة بحكومات إسلامية متشددة.   

·       يرد شلايم بحجة معاكسة فيقول إن إسرائيل أضاعت فرصة تاريخية كي تشكل "قدوة ديمقراطية" للعالم العربي. فهو ينتقدها لأنها "تقوض الديمقراطية الفلسطينية" من خلال تآمرها للإطاحة بحكومة "حماس" المنتخبة في سنة 2006، على أساس أن الفلسطينيين "اقترعوا للأشخاص غير المناسبين.". فلو أن إسرائيل عمدت الى ايقاف التوسع الاستيطاني ، لكانت ساهمت في التخفيف من رياح العداءالإسلامي. كذلك من شأن السلام مع الفلسطينيين أن "يغير المناخ برمته"، وأن يفتح باب الفرص لتشجيع الديمقراطية في العالم العربي.

·       لا يرى موريس أن إسرائيل قادرة على فعل أي شيء لتشجيع الديمقراطية العربية، ويقول: "لو أن إسرائيل اتخذت موقفاً لمصلحة شخص ما، لاعتُبر هذا الشخص خائناً، وسيهبّ عرب آخرون للقول إن هؤلاء أشخاص مدعومون من إسرائيل." ويعتبر [موريس] آسفاً أنه لو سعت إسرائيل لتشجيع الديمقراطية، لكان فقد أي فريق ثائر مدعوم من الدولة اليهودية صدقيته ازاء شعبه. بيد أن شلايم يبقى أكثر تفاؤلاً، فيقول إن: "جميع الأوراق هي في يد إسرائيل. والعداء العربي ليس أمراً محتوماً."

·       بالتأكيد، يصعب توقع مآل الأمور فيما يتعلق بالربيع العربي، فالمستقبل، الآن، معلق في الهواء!