هل هذه نهاية سورية؟
المصدر
مركز بيغن-السادات للدراسات الاستراتيجية

تأسس في سنة 1993 على يد الدكتور توماس هيكت، وهو من زعماء اليهود في كندا، وكان تابعاً لجامعة بار إيلان، وأُطلق عليه هذا الاسم تخليداً لذكرى اتفاق السلام الإسرائيلي -المصري الذي وقّعه مناحيم بيغن وأنور السادات. يعالج مسائل النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني والصراعات في المنطقة والعالم. يميل نحو وجهة نظر اليمين في إسرائيل. كما أصدر المركز مئات الدراسات والكتب باللغتين العبرية والإنكليزية.

– طاولة مستديرة

 [عقد معهد بيغن - السادات طاولة مستديرة في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي لمناقشة تداعيات الحرب الدائرة في سورية وانعكاساتها على إسرائيل، شارك فيها عدد من الباحثين في المعهد هم: جوشوا تيتلباوم، ومردخاي كيدار، وماكس سنجر، وشموئيل ساندلر، وهيلل فيشر، وإيتان شمير، وجوناثان رينولدز، وإيتان غلبواع، وداني شوهام، ورئيس المعهد  افرايم عِنبار. وفيما يلي أهم ما جاء فيها.]

 

·       إلى متى سيستمر الصراع؟

جوشوا تيتلباوم: على الأرجح نحن بصدد حرب طويلة الأمد في حال استمرار الروس والإيرانيون في تقديم العتاد العسكري للرئيس السوري بشار الأسد، الذي يعتبر الحليف الوحيد للروس في منطقة الشرق الأوسط، ناهيك عن أهمية مرفأ طرطوس بالنسبة إلى موسكو. أمّا بالنسبة إلى إيران فهي تعتبر سورية دولة أساسية في المحور الشيعي الذي يشمل سورية وإيران وحزب الله، والمناهض للمحور السني، لذا فهي لن تتخلى عن الأسد بسرعة. وفي حال استمرار الصراع، من المحتمل أن يتحول إلى حرب باردة بين الغرب الذي يدعم قوى المعارضة، وبين الروس والإيرانيين الذين يدعمون الأسد.

·       هل في إمكان الأسد وقاعدته العلوية الانتصار واستعادة السيطرة على البلد؟

ماكس سنجر: قد تمر أعوام قبل أن تتضح الأمور في سورية. لكن على الرغم من ذلك، فإنه من غير المستبعد انتصار العلويين، مع الأسد أو من دونه، بسبب الدعم الإيراني غير المحدود للنظام السوري من أجل قمع الثورة. كما أن خوف الأقليات ومجتمع رجال الأعمال من نظام سني يقوده الإخوان المسلمون والسلفيون دفعهم الى عدم تقديم الدعم الذي يحتاجه السنة لإسقاط النظام، ذلك بأن جميع الأقليات تتخوف من نظام يسيطر عليه السنة، وهناك أسباب وجيهة لخوفهم هذا.

أفرايم عِنبار: إن الحصانة التي يتمتع بها الأسد لن تزول، وذلك بفضل الدعم العسكري الروسي والإيراني. وعلى عكس الجيش المصري، فإن الجيش السوري لا يتورع عن إطلاق النار على المدنيين.

مردخاي كيدار: في استطاعة إيران إرسال جنودها إلى سورية عن طريق العراق لدعم الأسد، وذلك بطلب سوري رسمي وبموافقة ضمنية عراقية، وعلى غرار التدخل السعودي العسكري في البحرين. ومن شأن هذا الأمر في حال حدوثه أن يغير المشهد برمته في المنطقة، ولا سيما إذا ما بقي الجيش الإيراني في سورية مدة طويلة، وإذا ما طلب حزب الله، الذي يسيطر حالياً على الحكومة اللبنانية، من الجيش الإيراني توسيع انتشاره بحيث يشمل لبنان أيضاً.

هيلل فيشر: أشك في أن ترسل إيران جيشها  إلى سورية، إذ ليس لدى الإيرانيين فرق كثيرة، وفي حال فعلوا ذلك فإنهم سيواجهون حتماً معارضة حلف شمال الأطلسي.

·       ما هو شكل الحكم المستقر بقيادة السنة والذي سينشأ عن هذا الصراع؟

شموئيل ساندلر: إن الحل الفيدرالي بقيادة سنية لا يمكن تطبيقه في سورية، إذ تتطلب القاعدة المشتركة لهذا الحل ثقافة سياسية - فيدارلية لا يعرفها العالم العربي في الشرق الأوسط. لقد جرّب لبنان ذلك وفشل.

ماكس سنجر: في المراحل الأولى للثورة ضد الأسد كان في إمكان الولايات المتحدة، وغيرها من الدول، المساهمة في انتقال السلطة إلى جهات غير علوية قادرة على الوقوف في وجه سيطرة الإخوان المسلمين، وعلى التعامل بصورة إيجابية مع الأقليات (بدلاً من قمعها وذبحها)، لكن الصراع استمر وقتاً طويلاً جداً، وبات الإخوان المسلمون والسلفيون أكثر قوة وسيطرة. لذا لا أرى احتمالاً لنشوء حكومة سنية معتدلة، ولا وجود لقوة عظمى قادرة على فرض تسوية تقضي بتقاسم السلطة بين السنة والأقليات.

هيلل فيشر: ثمة احتمال ضئيل لأن يسيطر الجيش السوري المحترف على الأمور بمساعدة السنة والطائفة العلوية والبيروقراطية المؤلفة من طبقة الموظفين، وأن يفاوض من أجل المحافظة على مؤسسات الدولة. لكن هذا الاحتمال يتضاءل مع مرور الوقت.

·       هل البديل من حكومة سنية مستقرة هو الفوضى؟

شموئيل ساندلر: إن الإمكانية الأولى والأكثر ترجيحاً هي صعود ديكتاتورية الإخوان المسلمين، وستحاول كل من تركيا وإيران التأثير في هذه الدولة والسيطرة عليها. ومن ضمن الاحتمالات الأخرى، تفكك سورية وتقسيمها إلى دويلات، وهذا أمر قد يهدد دولاً أخرى في الشرق الأوسط، ومن بينها تركيا مثلاً.

مردخاي كيدار: من الواضح بالنسبة إلي أن نتيجة  الحرب الأهلية الدائرة في سورية ستكون على الأرجح السقوط الكامل للمؤسسات الحكومية والاقتصادية، ونشوء مئات الميليشيات، ومن ضمنها الميليشيات الراديكالية الإسلامية، الأمر الذي يعني أعواماً من الفوضى. كما أرى في الأمد البعيد نشوء أقاليم كردية وعلوية ودرزية في إطار حكم ذاتي أو دول مستقلة، وفي رأيي قد تكون هذه هي النتيجة الأفضل بالنسبة إلينا.

هيلل فيشر: لا أوافق على ذلك، فالدول لا تتفكك بسرعة. خذوا لبنان، على سبيل المثال، فقد ظل طوال 15 عاماً لا يعمل كدولة موحدة، لكن ذلك لم يؤد إلى تفككه. وأظن أن سورية ستبقى قائمة لكن بصورة مجزأة كما هي حال العراق اليوم، إذ سيظل السنة يواجهون التحدي من جانب العلويين والأكراد، بيد أن الدولة ستحافظ على وحدتها.

 

·       ما هي تداعيات استمرار حالة عدم الاستقرار في سورية على إسرائيل والمنطقة؟

افرايم عِنبار: اولاً، يجب القول إن إسرائيل تستفيد من قتال أعدائها بعضهم لبعض، وهي أيضاً لا تكن المودة للأسد. فضلاً عن ذلك، فإن الصراع الدائر في سورية يعمق الانقسام الشيعي - السني، ومن شأنه أن يضع إيران في مواجهة مع تركيا، كما أن تراجع النفوذ الروسي والإيراني في سورية نتيجة الصراع الدائر هناك يصب في مصلحتنا.

ثانياً، يجب أن نعترف بأن ما يحدث في سورية سيؤثر في مسائل الأمن القومي في شرقي البحر الأبيض الأوسط برمته، بما في ذلك قبرص، الجزيرة ذات الأهمية الاستراتيجية الكبيرة. ومن المعلوم أن هذه المنطقة تحتوي على مخزون هائل من الغاز الذي إذا ما استُغل بالطريقة الصحيحة فإنه سيساعد أوروبا في التخفيف من اعتمادها[في مجال التزود بالغاز] على روسيا وتركيا.

جوشوا تيتلباوم: من الواضح أن الأفضل بالنسبة إلى إسرائيل والغرب هو قيام نظام جديد، بغض النظر عن الجهة التي ستقوده، يكون مهتماً بمسائل التنمية الداخلية ولا يدعم حزب الله وإيران. إن نشوء دولة كردستان المستقلة التي تضم أكراد إيران وسورية والعراق وتركيا، هو تطور جيد بالنسبة إلى إسرائيل وإلى دول الغرب على حد سواء.

إيتان شمير: دعونا لا ننسى أن الجيش السوري ينهار ببطء ويتفكك. لقد كان هذا الجيش آخر جيش مسلح بفرق المدفعية والدبابات وسلاح الجو على الحدود مع إسرائيل. وعلى افتراض أن مصر والأردن ستحترمان اتفاقيات السلام مع إسرائيل، فإن ذلك يعني أن إسرائيل لم تعد تواجه خطراً عسكرياً تقليدياً مباشراً على حدودها.

جوناثان رينولدز: إن استمرار الحرب الأهلية وتراجع سيطرة النظام على الحدود السورية سيكون لهما انعكاسات على الحدود مع إسرائيل في هضبة الجولان، إذ سيسعى الجهاديون والمنظمات الأخرى لمهاجمة إسرائيل. ان  هذا في حد ذاته لا يشكل خطراً جدياً على إسرائيل، ولكن نظراً إلى الأوضاع السائدة في المنطقة، فان أي اشتباك مهما يكن صغيرا يمكن أن يتحول إلى مواجهة تدخل فيها أطراف أخرى. لذا ينبغي أن تكون إسرائيل أكثر حذراً من السابق في ردود فعلها ، وأن توازن بين الحاجة إلى الردع وبين حاجتها إلى تجنب حدوث تدهور.

إيتان شمير: بالتأكيد، قد تتحول المنطقة على جانبي الحدود في الجولان إلى منطقة غير خاضعة لسيطرة  أي دولة[no mans-land]، الأمر الذي سيجعلها مرتعاً للمجموعات الإرهابية، كما في سيناء حاليا، أو من الممكن أن تتحول إلى منطقة يسيطر عليها تنظيم معاد قوي، كما هي الحال في غزة وجنوب لبنان. وفي الحالتين، ستواجه إسرائيل مشكلات كثيرة.

هيلل فيشر: أعتقد أن حدوث ذلك لا يشكل خطراً كبيراً، فالأراضي السورية فيما وراء الجولان ليست كثيفة السكان، الأمر الذي يسهل رصد إسرائيل لها. كما أن قلة الأهداف الإسرائيلية الموجودة في الجولان نفسه، تجعل عملية التحكم الأمني بالمنطقة سهلة.

إيتان غلبواع: في رأيي، إن إسرائيل والغرب سيخسران في جميع الحالات، ذلك بأن صمود الأسد سيكون بمثابة انتصار لحزب الله وإيران، كما أن ضعفه قد يساعد إيران على بسط سلطتها على البلد وايجاد منطقة نفوذ تشمل العراق ولبنان. ومن المحتمل قيام حكم إسلامي متطرف قد يتسبب بعدم استقرار على الحدود الإسرائيلية - السورية.

ماكس سنجر: في نظرة إلى الوراء، يبدو أن عدم إعادة الجولان إلى سورية كان أمراً حكيماً، إذ إن سورية ليست دولة حقيقية، ذلك بأنها، ومنذ نشوئها، لم تحكم الجولان سوى 22 عاماً، ومن المؤكد أنها لن تحصل عليه اليوم.

ماذا سيحدث لمخزون سورية من الأسلحة الكيماوية والبيولوجية؟

داني شوهام: ثمة أسباب وجيهة تجعل إسرائيل تتخوف من وقوع الأسلحة الكيماوية والبيولوجية السورية في أيدي الإرهابيين داخل سورية، أو في أيدي حزب الله. وفي حال شعر الأسد بأن نهايته باتت حتمية، فقد يلجأ إلى استخدام سلاحه الأخير. وعلى الرغم من النفوذ الكبير لإيران في سورية، فإنه من غير الواضح ما إذا كانت قادرة على كبح الأسد، ناهيك عن أن إيران لا تعتبر في نظر المجتمع الدولي ركيزة للاستقرار. إن تحييد الأسلحة السورية غير التقليدية من جانب قوى دولية هو أمر مطلوب لكنه يبدو مستبعداً الآن، كما أن قصف مخازن هذا السلاح قد يؤدي إلى تلوث بيئي كبير. من هنا محدودية الخيارات التي تملكها كل من إسرائيل والغرب.

ماكس سنجر: لا الولايات المتحدة ولا إسرائيل تنويان السيطرة على الأسلحة السورية الكيماوية، على الرغم من أنهما البلدان الوحيدان القادران على القيام بذلك. من هنا، فإن السيناريو الوحيد لمنع انتقال هذه الأسلحة، غير انتصار الأسد في الحرب الأهلية، هو أن تعقد الولايات المتحدة صفقة مع الحكومة السورية تقضي بتقديم المساعدة لها للانتصار على الثوار في مقابل ازالة الأسلحة الكيماوية من سورية. وهو أمر مستبعد حدوثه.

·       ما الذي تستطيع إسرائيل أن تفعله في الوضع الحاضر؟

شموئيل ساندلر: لقد تعلمت إسرائيل خلال حرب لبنان الأولى أنها لا تملك القدرة على إحداث تغييرات سياسية بنيوية في العالم العربي.

جوناتان تيتلباوم: ينغبي أن يقتصر التدخل الإسرائيلي على جمع المعلومات الاستخباراتية، ومنع تسرب الصراع إلى هضبة الجولان. ويتعين على الولايات المتحدة تحديد مَن هي القوى الليبرالية، والعمل على تسليحها، وفي حال لم تستطع ذلك، عليها الامتناع من تسليح أي طرف كان. كذلك فإن إقامة منطقة حظر طيران ستكون خطوة جيدة شرط ألاّ تؤدي إلى تصعيد التوتر مع روسيا.

مردخاي كيدار: ما دامت الصورة غامضة في سورية، فإن على العالم وإسرائيل البقاء بعيداً عما يحدث. فيجب عدم تسليح المجموعات الراديكالية الإسلامية في سورية، ذلك بأن هذه المجموعات لن تقبل أبداً بوجود إسرائيل، وسرعان ما ستستخدم الأسلحة الغربية التي حصلت عليها ضد الغرب، تماماً مثلما فعل أسامة بن لادن.

إيتان غلبواع: على إسرائيل أن تستعد لمواجهة تحديات عسكرية جديدة من جانب سورية ولبنان. لكن يتعين عليها اليوم الامتناع من أي تدخل، سواء بالكلام أو بالفعل. كما يجب أن تكون لدينا استراتيجيا بعيدة الأمد لمساعدة الأكراد في سورية وتركيا والعراق من أجل تحقيق استقلالهم.

ماكس سنجر: ليس في إمكان إسرائيل القيام بالشيء الكثير، وكل ما في استطاعتها فعله هو حماية نفسها من نتائج الحرب الأهلية في سورية، واستخدام دروس هذه الحرب من أجل فهم أفضل للأخطار التي تواجهها.

أفرايم عنبار: إلى جانب الحذر، تحتاج إسرائيل إلى فرض الردع، وذلك بتكبيد كل من يطلق النار على أهداف إسرائيلية في الجولان ثمناً باهظاً.