هل ستبيع إسرائيل الغاز الطبيعي إلى الصين؟
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال
المؤلف

·       لا يزال هناك العديد من القضايا المتصلة بإنتاج الغاز الطبيعي في "المنطقة الاقتصادية الخالصة" لإسرائيل التي لم يتم تحليلها بشكل معمّق ولم يتخذ بشأنها قرارات مؤاتية. وبعض من هذه القضايا له انعكاسات استراتيجية، اقتصادية وسياسية، ومن المهم أن يتم التمعّن فيها بدقة، وخصوصاً أنها تقع ضمن قطاع يتطلب سياسات وعقود بيع طويلة الآجال لخمسة عشر عاماً وأكثر. 

·       لقد جرى نقاش سياسة الحكومة بالنسبة لموضوع الغاز الطبيعي في إطار لجنة مشتركة بين الوزارات برئاسة المدير العام لوزارة الطاقة والمياه، شاؤول تسيمح، وقدمت هذه اللجنة توصياتها إلى الحكومة في صيف العام 2012. وتطرقت بعض هذه التوصيات إلى العلاقة بين التصدير للخارج والاستهلاك المحلي. ومع ذلك، فهي لم تقترح إعطاء الأولوية للأسواق الخارجية (وفي كافة الأحوال، لم تتبنّ الحكومة هذه التوصيات).  

·       على الرغم من ذلك، ففي النقاش الدائر حول تحديد الأولويات بالنسبة للأسواق، حتى لو كان الثمن الذي يدفعه جميع المشترين من الخارج متساوياً، لا يزال من المهم النظر إلى الجوانب الجيوستراتيجية للموضوع. وهذا ما يمكن أن تقوم به الحكومة نفسها، بمؤازرة مستشارين من القطاع الخاص. وليس من الواضح ما إذا كانت مثل هذه العملية قد تمت داخل الحكومة الإسرائيلية، كما أنه ليس من الواضح أيضاً إلى أي مدى يحق للحكومة أن تطالب القطاع الخاص أو حتى أن توجّهه للتصدير مباشرة إلى أسواق معيّنة. هذا  مع الافتراض أن العائدات الصافية لمنتجي الغاز وللحكومة في إسرائيل من الأسواق المحتملة المتعددة ستكون متساوية.  

·       أعلنت شركة "وودسايد بتروليوم" الأسترالية من جهة، والشركات التي تضم كلاً من الشركة الأميركية "نوبل إنرجي" المحدودة، والشركات الإسرائيلية "ديليك للحفر" المحدودة، و"أفنير" المحدودة، و"راتسيو" المحدودة، من جهة ثانية، عن توصّل الأطراف المعنية إلى اتفاق مبادئ في كانون الأول/ديسمبر 2012. وبموجب هذا ستكسب شركة "وودسايد بتروليوم" المحدودة حصةً بنسبة 30% من حقل التنقيب "ليفيتان"، الذي يحتوي بحسب التقديرات على 17 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي القابل للاستخراج. وأضافت الشركات المذكورة أنها في وارد إبرام اتفاق كامل بحلول نهاية شباط/فبراير 2013.[1]

·       وستقوم شركة "وودسايد"، وفق بيانها، بتسييل وتسويق الغاز الطبيعي بالاضافة إلى الغاز الذي يجري تزويده لإسرائيل. وستبقى شركة "نوبل إنرجي" المشغِّل الرئيسي لمشروع الغاز المخصص لإسرائيل. كما أعلنت شركة "وودسايد" أن جدولة سداد ثمن حصة  ال 30% التي ستشتريها، تعتمد على التشريعات الإسرائيلية التي ستجيز تصدير الغاز الطبيعي. فإذا أُبرم الاتفاق الكامل بين شركة "وودسايد" وشركائها، فهذا يعني أن شركتين أجنبيتين، أي "وودسايد" و "نوبل إنرجي"، ستستحوذان على 60% من حقوق استثمار حقل "ليفيتان".

·       وتكشف معاينة الموقع الإلكتروني لشركة "وودسايد" عن النشاط المكثف للشركة في الشرق الأقصى، مع التركيز على اليابان والصين. فمنذ العام 2002، تنشط شركة "وودسايد إنرجي" جنباً إلى جنب مع شركات صينية في مجال تسييل الغاز الطبيعي على وجه الخصوص. وفي العام 2006، كانت شركة "وودسايد" واحداً من الشركاء الذين وقعوا على اتفاق بناء منشأة نهائية [محطة طرفية] لإعادة الغاز المسال إلى حالته الغازية في مقاطعة غواندونغ الصينية. ولقد حضر حفل افتتاح المنشأة رئيس حكومة الصين آنذاك "وان جياباو" ورئيس حكومة أستراليا في ذلك الوقت جون هوارد. واعتباراً من العام 2007، بدأ توريد الغاز الطبيعي من الشركة الأسترالية "North West Shelf Venture" الى شركة "وودسايد" التي هي شريكة ل NWSV. ولقد أُبرم اتفاق بين شركة "وودسايد إنرجي" المحدودة وبين الشركة الصينية "بتروتشاينا" المحدودة على بيع الغاز الطبيعي المسال، في أيلول/سبتمبر 2007، وفي حضور جون هوارد والرئيس الصيني هو جين تاو.

·       كما أن الشركة الصينية للنفط البحري الوطنية "كنوك المحدودة" CNOOC هي أيضاً شريكة في المشروع الأسترالي NWSV. وتخوّلها هذه الشراكة الاستفادة بما نسبته 5,3% من إحتياطي وحقوق المشروع NWSV. فكما سبق وأشرنا، إن شركة "وودسايد إنرجي" المحدودة هي أيضاً شريكة على قدم المساواة وتعمل كمشغّل في هذا الحقل. كما أن الشركة الصينية  CNOOC هي من كبار أصحاب أسهم "وودسايد".

·       ومن هنا، من غير المعقول أن الشركاء الجدد لشركة "وودسايد" في حقل الغاز "ليفيتان" لم يكونوا يعرفون كل هذه المعلومات. على العكس من ذلك! فلقد أتوا على ذكر نشاط شركة "وودسايد" في الشرق الأقصى في الإعلان الموجّه لبورصة تل أبيب.[2]  وهكذا، وبدون تدخل الحكومة الإسرائيلية وبدون نقاشها لهذا الموضوع، فُتح المجال لكي تبيع إسرائيل الصين جزءاً من شحنات الغاز التي ستكون في نهاية الأمر متاحةً للتصدير (والتي تتراوح بين 25 و50% من الغاز المستخرج)، أو كامل الشحنات.

·       لم تكن شركة "وودسايد" هي الوحيدة التي أبدت الاهتمام في الحصول على جزء من حقوق التنقيب في حقل "ليفيتان". فوفق التقارير الصحفية،[3]  كانت الشركة الروسية "غازبروم"، والشركة الفرنسية "توتال"، والشركة الصينية CNOOC، قد أعربت عن اهتمامها بالموضوع. وعلى ضوء هذه الحقائق، باستطاعة الصين أن تتوقع أن تمنحها شركة "وودسايد" الأفضلية في حصتها من غاز حقل "ليفيتان" عندما يحين الأوان لتحديد الأولويات بالنسبة للأسواق، وذلك بفضل حصتها في شركة "وودسايد" من خلال الشركة الصينية CNOOC، وبفضل مساهماتها في مشروعات أخرى.

·       هكذا، وبدون قرار حكومي، قد تجد إسرائيل نفسها تصدّر الغاز الطبيعي إلى الصين، مع ما ينطوي عليه ذلك من انعكاسات استراتيجية مهمة. وليست عملية البيع بذاتها هي الاشكالية بالضرورة، لكن المقلق في الأمر يكمن في غياب الآلية الناظمة التي تسمح بدراسة مزايا ومساوئ بيع الغاز الطبيعي لزبائن محتملين معيّنين. وثمة احتمال في حال تحققت الخطوة المذكورة أعلاه أن تحول دون إقامة شراكات، ولو عن طريق طرف ثالث، مع منتجين إقليميين آخرين، في حال قرر كل من مصر، والفلسطينيين، ولبنان، وقبرص، وربما أيضاً سورية، كل على حدة أو مجتمعين، أن أوروبا هي السوق  المفضّل لديهم. إن وجود مثل هذا السيناريو، الذي تكون إسرائيل شريكة فيه، سيسمح بتصدير الغاز الإسرائيلي  إلى أوروبا وسيمنع فرض المقاطعة الاقتصادية على إسرائيل، وبالتالي، سيساعدها على المدى الطويل في رفع مستوى علاقاتها الرسمية مع الاتحاد الأوروبي. صحيح أن التعاون الاقتصادي مع المبادرات الرائدة في المنطقة لا يشكل بديلاً من العملية السياسية بين إسرائيل والدول المجاورة لها، إلا أنه يستطيع أن يساعد هذه العملية.  

·       في المقابل، فإن ربط إسرائيل بالاقتصاد الصيني العملاق له مزاياه الخاصة، التي قد تفوق تلك التي يمكن توقعها من عقد طويل الأجل مع الاتحاد الأوروبي. ومن هنا، ينبغي درس جميع هذه الجوانب بعناية وبطريقة منظمة، من قبل الوزارات والهيئات الحكومية الإسرائيلية ذات الصلة.



[1]  إعلان ASX : "شركة وودسايد تدخل في شراكة لاكتشاف الغاز الطبيعي قبالة سواحل إسرائيل"، 3/12/2012.

[2]  انظر الموقعين الإلكترونيين لشركة "أفنر" المحدودة، ولبورصة تل أبيب، بتاريخ 3/12/2012.

[3]  "هآرتس"، "ذي ماركر"، 5/12/2012، ص  28-29.