· قبل بضعة أيام فقط، أصبحنا نعرف ما يعرفه قراء الصحف في الدول العربية، وما تعرفه المؤسستان السياسية والعسكرية في إسرائيل منذ أشهر كثيرة، وهو أن السوريين قاموا بنقل صواريخ سكود متطورة إلى حزب الله في لبنان. ويدور الحديث على صواريخ باليستية بعيدة المدى قادرة على ضرب أهداف مدنية وعسكرية في أنحاء إسرائيل كلها، وهي ليست مثل صواريخ سكود التي أُطلقت على إسرائيل في إبان حرب الخليج الأولى [في سنة 1991]، والتي نجم عنها ضجيج وغبار فقط.
· ويعتبر المسؤولون في إسرائيل هذه الصواريخ بمثابة "أسلحة تخلّ بالتوازن"، وهذا تعبير مثير للقلق، ذلك بأن الحديث يدور عملياً على سعي لتحقيق توازن [عسكري] بين الجانبين [إسرائيل وحزب الله]، الأمر الذي ربما يؤدي إلى نشوء ميزان رعب في المستقبل.
· إن المصدر الذي قام بكشف النقاب عن ذلك هو صحيفة "الرأي العام" الكويتية، التي أشارت في الوقت نفسه إلى أن السوريين تغاضوا عن التحذيرات الإسرائيلية كلها، وقاموا بنقل الصواريخ إلى لبنان. بناء على ذلك فإن السؤال المطروح الآن هو: ما الذي سيحدث لنا في ضوء تعاظم قوة حزب الله في الشمال وتعاظم قوة "حماس" في الجنوب، وأيضاً في ضوء ازدياد الأصوات المتطرفة لدينا ولديهم، وفي ضوء الابتعاد عن أي تسوية سياسية بحجة أنه لا يوجد شريك نتحدث معه وأن هضبة الجولان ليست موضوعاً للتفاوض؟
· إن عمليات التسلح الكبيرة التي تجري حولنا، تؤكد أننا سنواجه حرباً أخرى. ومن المتوقع أن تكون هذه الحرب شبيهة بحرب لبنان الثانية [صيف سنة 2006]، أي أن تكون جبهة القتال الأساسية هي الجبهة الداخلية المدنية، لكن نتائجها ستكون أسوأ كثيراً.
· من ناحية أخرى، من المتوقع أن تكون الحروب المقبلة حروب استنزاف طويلة للغاية. وعلى ما يبدو، فإن المسؤولية عن دفع حزب الله نحو التزود بصواريخ سكود المتطورة تقع على عاتق الجيش الإسرائيلي الذي قام بقصف بيروت خلال حرب لبنان الثانية، وغزة خلال عملية "الرصاص المسبوك" [2008 ـ 2009].
· لا شك في أن الأسلحة التي يتم تزويد حزب الله بها، ستؤدي إلى حدوث توازن بين الجانبين، أي توازن بين منظمة لا تشكل دولة مثل حزب الله وبين الجيش الإسرائيلي الذي يعجز، منذ 30 عاماً، عن تفعيل قوته الحقيقية.
· إن حقيقة كون إسرائيل سادس دولة عظمى نووية في العالم، وفقاً لما نشرته مجلة "جينس" البريطانية المتخصصة في الشؤون العسكرية عشية القمة النووية في واشنطن، لن تجديها نفعاً في هذه الحالة. ويمكن القول إن إسرائيل تفقد، بمرور الأعوام، شيئاً فشيئاً، قدرة الاعتماد على قوتها الحقيقية التي تجعلها صاحبة القول الفصل في الشرق الأوسط.
· ما هو البديل إذاً؟ ثمة حل واحد فقط، هو التنازل ودفع الثمن والتوصل إلى تسوية. في ضوء ذلك، وما يتعين على إسرائيل فعله هو تغيير المعادلة التي اتبعتها حتى الآن، وهي إجراء مفاوضات جادة فقط في إثر اندلاع حروب، والبحث عن مسارات جديدة تسفر عن انطلاق مفاوضات كهذه قبل اندلاع حرب أُخرى.