نظرة من الداخل إلى الاستخبارات الإسرائيلية
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

·       [لنتصور السيناريو التالي:] تقرر الأمم المتحدة فرض عقوبات جديدة أكثر صرامة على إيران؛ يُترقَّب صدور إعلان دراماتيكي من القيادة الإيرانية بشأن "حدث كبير"؛ تطرد طهران مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتمنع وصولهم إلى مواقعها النووية؛ تضع صواريخها البالستية في حالة تأهب. يعلن الجيش السوري أيضاً حالة تأهب عالية، ويشرع في مناورات عسكرية واسعة النطاق؛ يسرع الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله إلى دمشق في زيارة مفاجئة؛ يعقد مسؤولو الاستخبارات الإسرائيلية على أعلى المستويات اجتماعاً طارئاً.

·       يقدّر هؤلاء أن تسلسل الأحداث يشير إلى نية إيران إعلان أنها طورت أسلحة نووية، فتنسق سورية وحزب الله المواقف بينهما، تحسباً لاحتمال شن هجوم أميركي أو إسرائيلي عليهما، وتستعد جميع الأطراف للحرب.

·       هذا السيناريو رسمه العميد أمنون سوفرين لتوضيح مدى التعقيد الذي تنطوي عليه رؤية "الصورة الاستخباراتية" لهذا الأمر. وسيقوم سوفرين بعرض هذا السيناريو غداً في مؤتمر دولي بشأن الأمن والدفاع والاستخبارات سيضم مئات من المشاركين من عشرات الدول، ويرعى هذا الحدث شركة الأمن الدولي والمنظومات الدفاعية المحدودة (International Security and Defence Systems Ltd.)، وهي شركة خاصة يرئسها ليو غيلزر.

·       قبل عامين ونصف عام، أنهى سوفرين خدمته كرئيس لمديرية الاستخبارات في الموساد، وهو يعمل اليوم مستشاراً خاصاً للشؤون الأمنية. وقبل عمله مع الموساد تولى عدداً من الوظائف الاستخباراتية في الجيش الإسرائيلي، بما في ذلك، لفترات معينة، ضابط الاستخبارات في قيادة المنطقة الوسطى، وقائد مركز الاستخبارات والاستطلاع في سلاح البر.

·       ومع أن محاضرة سوفرين ستكون ذات طابع نظري، إلاّ إنه يعتقد أن تقديراته الاستخباراتية يجب أن تؤخذ على محمل الجد، وذلك نتيجة خبرته الواسعة، وخصوصاً تلك التي راكمها خلال خدمته خمسة أعوام كرئيس لمديرية الاستخبارات في الموساد.

·       تتكون هذه المديرية من عدد من الوحدات، بما في ذلك قسم أبحاث ووحدة مسؤولة عن تحديد الأولويات وتقويم المعلومات. وقد تولى مدير الموساد آنذاك إفرايم هَليفي إعادة هيكلة المديرية عقب المحاولة الفاشلة لاغتيال زعيم حركة "حماس" خالد مشعل في الأردن في سنة 1997.

·       خلال فترة [رئيس الموساد الحالي] مئير دغان، خضعت المديرية لبعض التعديلات الإضافية. ووفقاً لمصادر أجنبية، قام الموساد خلال الأعوام التي خدم فيها سوفرين ببعض العمليات الناجحة التي شكلت إسهاماً استراتيجياً كبيراً في الأمن الإسرائيلي. وكانت العمليتان البارزتان بينها هما الهجوم الجوي على المفاعل النووي في سورية في سنة 2007، واغتيال [القائد العسكري] في حزب الله عماد مغنية في شباط/ فبراير 2008 في دمشق، وقد امتنعت إسرائيل من إعلان مسؤوليتها عن العمليتين. ويمكن الافتراض أن هناك عمليات أخرى للموساد لا يعرف بها الجمهور. وقد وظف الموساد خلال الأعوام الأخيرة جهوداً كبيرة في المهمة الشاقة المتمثلة في جمع المعلومات عن البرنامج النووي الإيراني. ومن دون الكشف عن أسرار ، يمكن الافتراض أيضاً أن مديرية الاستخبارات في الموساد قدمت مساهمات لا تقدر بثمن لعمليات الموساد.

·       في حوار مع صحيفة "هآرتس"، أكد سوفرين أن عمل الاستخبارات يتجاوز جمع المعلومات ـ فعملية تقويم المعلومات معقدة وحاسمة أيضاً. ويلاحظ سوفرين أنه يمكن تفسير معطيات السيناريو المذكور أعلاه بشأن التأهب لحرب إقليمية بطرق مختلفة، [منها مثلاً] أن إيران لا تملك بالضرورة أسلحة نووية، لكنها بدلاً من ذلك تحاول ردع أي عدوان ضدها. ويمكن أن تكون تحركات الجيش السوري جزءاً من الروتين، كمناورة تدريب سنوية، وأن يكون ذهاب نصر الله إلى دمشق، وفقاً لهذا السيناريو البديل، من أجل تنسيق استمرار تدفق الأسلحة.

·       وقال سوفرين: "ليس هدف الاستخبارات أن تخدم نفسها، وإنما هي أداة تدعم عملية صنع القرار. وكخطوة أولى، يجب رسم صورة استخباراتية مترابطة منطقياً. وتكمن المشكلة في أن المعلومات المتوفرة، في معظم التقويمات الاستخباراتية، تكون ناقصة. إن 50 - 60% في المئة من الصورة الاستخباراتية تستند إلى معلومات مؤكدة، والباقي يأتي من التقويم والتفسير".

·       ويوضح سوفرين أن التقويم الاستخباراتي يُستمد من الخبرة والمعرفة المتراكمة، كما أن التقويمات ليست مضمونة، ويمكن أن تؤدي إلى الخطأ. وبعد جمع المعلومات وقيام ضابط استخبارات كبير بملأ الثقوب عن طريق وضع التقويمات، يحتاج الضابط إلى التشاور مع صنّاع القرار. وقد شارك سوفرين في كثير من هذه المشاورات، وهو يوضح أن صناع القرار لا يدركون جميعهم الفوارق الدقيقة والتفصيلات المهمة لتقويم المواد الاستخباراتية وتحديد الأولويات ووضع اللمسات النهائية على التقويم الاستخباراتي، وبعضهم يطلب الحصول على أجوبة قاطعة. وفي بعض الأحيان استخلص السياسيون استنتاجات تختلف عن التقويمات التي توصل إليها المسؤولون في أجهزة الاستخبارات.

·       واعترف سوفرين بأن الناس لديهم "توقعات كبيرة فيما يتعلق بالمسؤولين في الاستخبارات، ويعتقدون أننا سحرة، وهناك أسطورة لدى الجمهور الإسرائيلي فحواها أن الاستخبارات قادرة على كل شيء. عليك أن تأخذ في الاعتبار أننا نعمل في منطقة صعبة. علينا أن نحدد أولويات، وهذا يعني المجازفة". وخلص سوفرين إلى القول: "من دون التقليل من شأن العمل الذي يقوم به آخرون غيري، ليس لديّ شك في أن الاستخبارات الإسرائيلية متفوقة من حيث فهم منطقة الشرق الأوسط والحصول على معلومات عنها".