· إن إعلان باراك اعتزاله للحياة السياسة لا يعني بالضرورة نهايته كوزير للدفاع، إذ ثمة احتمال كبير بأن يكون باراك وزيراً للدفاع في الحكومة المقبلة في حال ترأسها نتنياهو وليبرمان. صحيح أنه حتى الآن ليس هناك معلومات موثوقة يمكن الاعتماد عليها في تقديرنا هذا، لكن هناك أكثر من مؤشر يدل على أن الثلاثي: بيبي، ليبرمان، وباراك، يحبون العمل معاً بعد الانتخابات. كما أن باراك نفسه لم ينف مثل هذه الامكانية عندما طرح عليه السؤال. من هنا من المبكر الحديث على انجازات باراك كوزير للدفاع وتوقع ما سيحدث بعد ذهابه. لكن رغم ذلك من المفيد استغلال الفرصة لدراسة سياسة باراك الأمنية ونظرته الاستراتيجية بوصفه أهم وزير تولى حقيبة وزارة الدفاع منذ أيام إسحق رابين.
· إن سياسة باراك الأمنية بسيطة وسهلة الفهم، فهو يعتقد، مثل بن-غوريون، بعدم وجود حل للنزاع العربي ـ الإسرائيلي، كما يؤمن بأن العرب غير قادرين على رمينا في البحر، لا من خلال حرب نظامية تشنها علينا الجيوش العربية النظامية، ولا من خلال حروب الاستنزاف التي قد تشنها علينا الدول الإسلامية أو التنظيمات الارهابية المدعومة من جانبها. لكن من جهة أخرى يعتقد باراك بأن إسرائيل لا تستطيع بقوة السلاح أن تفرض على العرب التوقف عن محاربتها والاعتراف بوجودها كدولة يهودية مستقلة في وسط المنطقة الإسلامية. من هنا ضرورة العمل على ردع أعداء إسرائيل والتوصل إلى وقف اطلاق نار طويل الأمد يوقف جولات العنف، سواء أكانت هذه الجولات حرباً شاملة أو معركة محدودة مثل عملية "عمود السحاب". ويعتقد باراك مثل بن -غوريون ورابين أن التهدئة التي تتوصل إسرائيل الى تحقيقها هي التي تسمح لها بالتقدم على الصعيد الاقتصادي والأمني والاجتماعي، وهي التي تعطيها الأفضلية على أعدائها على الأمد الطويل.
· وبناء على ذلك تستند استراتيجية باراك أو "عقيدته الأمنية" إلى الأسس الثلاثة التي وضعها بن ـ غوريون وهي الردع والكسر والحسم، لكن باراك أضاف إلى هذه الأسس قاعدة جديدة هي الدفاع. ويمكن اعتبار منظومة "القبة الحديدية" لاعتراض الصواريخ القصيرة المدى تعبيراً عملياً لهذا المبدأ الرابع في عقيدة باراك الأمنية.
· ومن بين الميزات الأخرى التي تطبع استراتيجية باراك هي السعي إلى تحقيق انجازات سياسية وعسكرية من خلال الاستخدام غير المباشر للضغوطات السياسية على متخذي القرارت لدى الجانب الآخر. وهناك الكثير من الأمثلة على ذلك بدءاً من عملية "عناقيد الغضب" [سنة1996] عندما كان باراك رئيساً للأركان، وخلال الفترة الأخيرة من خلال معالجته للموضوع النووي الإيراني، والتهديد بالقيام باجتياح بري أثناء عملية "عمود السحاب".
· وحتى لو لم يكن باراك وزيراً للدفاع في الحكومة المقبلة فعلى الأرجح أن السياسة التي سيطبقها من سيحل محله لن تكون مختلفة عن سياسته. ويبدو أن الوزير موشيه يعالون هو المرشح الأكثر احتمالاً بالنسبة لنتنياهو لمنصب وزير الدفاع في الحكومة الجديدة. وفي الواقع ليس هناك اختلاف كبير بين سياسة يعالون الأمنية وبين سياسة باراك.