الأردن يغلي
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال
المؤلف
  • في الأشهر المقبلة، سيواجه العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني أحد أهم وأصعب الاختبارات التي يمر بها منذ توليه الحكم قبل نحو 13 عاماً، إذ ستشهد المملكة، سواء على الصعيد الداخلي أو على حدودها المتاخمة لثلاث دول مجاورة، تطورات ستكون لها تأثيرات بعيدة المدى في المنطقة عامة، وفي استقرار الأردن خاصة.
  • ففي داخل الأردن، تتحرك المعارضة وتثور، سواء تلك المتمثلة في المسلمين أو تلك المتمثلة في العشائر والمدن الجنوبية التي هي، عامة، موالية للملك.
  • أما على صعيد الخارج، فإن الانسحاب الأميركي من العراق والفوضى التي ستنتج عنه سيزيدان في تدفق اللاجئين من العراق إلى الأردن، حيث يوجد أكثر من نصف مليون عراقي نزح إلى هناك في إثر الغزو الأميركي للعراق سنة 2003، وقد تسبب هؤلاء بزيادة الضغوط الاقتصادية على الأردن وارتفاع معدل التضخم. ويمكن أن نضيف إلى ذلك أن استمرار التوتر بين السنة والشيعة قد يجر الأردن إلى المواجهة غصباً عنه، مثلما حدث في سنة 2005 عندما قام انتحاري أردني بقتل 127 عراقياً أغلبيتهم من الشيعة، وذلك في مدينة الحلة الواقعة على بعد 100 كيلومتر جنوب بغداد.
  • لقد وضعت الثورة في سورية النظام في الأردن أمام تحد جديد، فخلال العقود الماضية كان الملك حسين يتعامل مع النظام السوري بقيادة حافظ الأسد بكثير من الحذر والريبة، والسبب هو معرفة الملك بمناورات النظام السوري، والأطراف الأخرى، التي وجدت ملجأً لها في دمشق، لكن على الرغم من ذلك بقيت العلاقات بين الدولتين "طبيعية". بيد أن الثورة الأخيرة في سورية أثارت من جديد التخوف الأردني الدائم من تحوله إلى شاطىء أمان للهاربين من وحشية النظام السوري الحالي، فضلاً عن التخوف من تحول الأردن فيما بعد إلى ملاذ للهاربين من أبناء الطائفة العلوية في حال سقوط النظام الحالي، ووصول الأكثرية السنية إلى السلطة.
  • وبعد أشهر من الصمت على ما يجري في سورية، خرج الملك عبد الله عن صمته وقال في مقابلة أجرتها معه شبكة "سي. إن. إن" في أواسط هذا الشهر أنه اتصل مرتين بالرئيس السوري وناشده القيام بإصلاحات، لكن الرئيس السوري رفض الاستماع إليه، وأضاف: "لو كنت مكان الأسد لاستقلت."
  • إن تغير النظام في سورية، سواء أدى إلى قطع العلاقة بين دمشق وطهران أم إلى تراجع علاقة النظام السوري بالمجموعات التي حاولت في الماضي التآمر على استقرار الأردن، هو أمر جيد بالنسبة إلى عمان. لكن من ناحية أخرى، فإن وقوف الإخوان المسلمين في الأردن إلى جانب القوى المعارضة للنظام السوري وطلبهم من الملك الأردني في 16 تشرين الثاني/نوفمبر الاعتراف بالمجلس الوطني السوري، يجعل الملك عبد الله في وضع غير مريح. ومما لا شك فيه أن تزايد التعاون بين الإخوان المسلمين في الأردن والإخوان في سورية يضاعف من مخاوف القصر الأردني. ومن الأمثلة على المشكلات التي قد تنشأ مستقبلاً، موت شاب أردني الأسبوع الماضي في مدينة الرمثا الحدودية. ويبدو أن هذا الشاب قد اعتُقل بتهمة مساعدة السوريين على شراء السلاح ومات في السجن، لكن السلطات الأردنية أعلنت أنه انتحر، الأمر الذي أدى إلى خروج الأردنيين إلى الشوارع للتظاهر احتجاجاً، معلنين عدم تصديقهم الراوية الرسمية. وقد دفع ذلك بالسلطات الأردنية إلى إرسال وفد من كبار الشخصيات لتقديم العزاء إلى عائلة الشاب، في خطوة تدل على مدى حساسية وهشاشة الوضع على الحدود مع سورية.
  • كذلك عادت التظاهرات إلى شوارع عمّان والمدن البعيدة، مثل الكرك والشوبك ومعان. وعلى الرغم من كون هذه المناطق الجنوبية موالية للملك، فإن مشكلات الفقر والبطالة دفعت بالمتظارهين إلى العنف وأعمال الشغب. وقد رد الملك على حركة الاحتجاج الشعبي ضد الفساد الحكومي بتعيين عون الخصاونة رئيساً جديداً للحكومة. واتخذ هذا التعيين بعداً سياسياً أكبر من العادة، لأن الخصاونة من الشخصيات الأردنية البارزة، إذ  شغل، حتى تعيينه الأخير، منصب قاض في محكمة العدل العليا في لاهاي، وهو يعرف جيداً البلاط الملكي، فقد عمل رئيساً للوفد الدبلوماسي الأردني في المفاوضات مع إسرائيل التي أدت إلى اتفاق السلام سنة 1994.
  • ويبدو أن الملك سعى من خلال تعيينه قاضياً في المحكمة الدولية رئيساً للحكومة أن يثبت للأردنيين جديته في محاربة الفساد وتحقيق الشفافية. لكن هناك دافع آخر وراء تعيين الحصاونة، وهو الحصول على تأييد الإخوان المسلمين عبر إجراء إصلاحات معينة في الدستور وقانون الانتخاب. ومن المعروف عن الخصاونة علاقته الجيدة بالإخوان، ومعارضته لخطوة إزالة الصبغة القانونية عن حركة "حماس" في سنة 1999 واعتبارها خطأ.
  • لقد كانت مشكلة العلاقة بين الحكومة الأردنية وبين الإخوان المسلمين في ذهن الملك عبد الله عندما قرر زيارة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في رام الله في 21 تشرين الثاني/نوفمبر. إذ من المتوقع أن يتأثر الأردن بالمصالحة بين "فتح" و"حماس" وعودة التعاون بينهما، ولا سيما عندما سيسمح لـ "حماس" بالعودة إلى ممارسة نشاطها في الضفة الغربية، الأقرب إلى الأردن من غزة، جغرافياً وديموغرافياً. ناهيك عن أن التوصل إلى برنامج عمل مشترك بين "حماس" و"فتح" سيضع حداً لأي إمكان لاستئناف المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية، الأمر الذي يثير قلقاً كبيراً في عمّان، لأن غياب المفاوضات قد يتطور إلى احتكاكات وأعمال عنف بين إسرائيل والفلسطينيين مع كل الانعكاسات المترتبة على ذلك على جميع الأطراف، بمن فيهم الأردن. ومما لا شك فيه أن الأردن يتخوف من أن يؤدي انفجار جولة جديدة من العنف إلى دفع الفلسطينيين إلى الهرب من الانتفاضة الثالثة في اتجاه الأردن، بالإضافة إلى التخوف من اللاجئين السوريين والعراقيين.
  • لقد أدلى وزير الخارجية الإسرائيلي بتصريح مهم (في 14 تشرين الثاني/ نوفمبر)، حين قال إن الادعاءات التي تعتبر أن الأردن هو الدولة الفلسطينية تلحق ضرراً بالمصالح الأمنية الإسرائيلية، واستناداً إلى كلامه فإن "الأردن هو عنصر استقرار في المنطقة ولا سيما في ضوء ما يحدث في الدول الأخرى. والكلام على أن الأردن هو الدولة الفلسطينية يتعارض مع المصالح ومع الحقائق الإسرائيلية."