الدعم الروسي لإيران وسورية: ماذا يشمل وإلى متى سيستمر
تاريخ المقال
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي
–
مباط عال
معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
- تحولت روسيا في الأعوام الأخيرة إلى مدافع عن إيران وسورية في وجه ضغوط المجتمع الدولي، في وقت تخوض فيه هاتان الدولتان جنباً إلى جنب مع حزب الله وحركة "حماس"، من خلال "محور الشر" المعادي للغرب ولإسرائيل، حرباً على النظام العالمي من أجل تحقيق أهدافهما الراديكالية. لكن على الرغم من ذلك، وفي هذه المرحلة التي تمتاز بالضغط الدولي على سورية احتجاجاً على القمع الدموي الذي تمارسه أجهزة الدولة ضد حركات الاحتجاج الشعبي، وفي ظل التطورات التي أثارها نشر تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن المشروع النووي الإيراني، يمكننا التمييز بين الموقف الروسي تجاه سورية وموقفها تجاه إيران.
- ففيما يتعلق بالموضوع السوري، يجري الكلام على احتمال تدخل عسكري دولي مباشر هناك. ولكن، على الرغم من أن روسيا تعمل على عرقلة أي تدخل دولي مباشر في سورية فإنها، كما يبدو، باتت تدرك منذ فترة أن هناك احتمالاً لسقوط نظام الأسد حتى من دون تدخل خارجي. لذا، تسعى للمحافظة على وضعها المستقبلي في هذه الدولة عبر التحرك على صعيدين: على الصعيد الإعلامي، وذلك عبر إرسال رسائل علنية إلى النظام السوري تطلب منه وقف استخدام العنف المفرط، وعلى صعيد الاجتماع بزعماء المعارضة السورية، إذ تستعد روسيا لاحتمال سقوط النظام السوري الحالي من خلال تعبيد الطريق أمام التعاون مع النظام الجديد.
- بيد أن التعامل الروسي مع الموضوع الإيراني يختلف عن التعامل مع الموضوع السوري. فقد زاد الدعم الروسي لإيران بعد نشر تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وما زالت روسيا ترى في كبحها الضغوط الدولية على إيران عاملاً مهماً من أجل الدفع بمصالحها قدماً في دولة أساسية في الشرق الأوسط. وتعتبر روسيا إيران لاعباً إقليمياً أساسياً بحد ذاتها، وأيضاً لانتمائها إلى المحور المعادي للغرب ("محور الشر")، ناهيك عن أن الدعم الروسي لإيران دفع الغرب إلى التقرب من روسيا نظراً الى حاجته الماسة إلى التعاون معها من أجل احتواء الطموح الإيراني في المجال النووي، ونجحت روسيا في استغلال ذلك من أجل تحسين وضعها الدولي.
- وعلى الرغم من ذلك كله، فإن الدعم الروسي لا يعتبر مؤيداً لإيران بقدر ما هو معادٍ للغرب، وهو يواجه اليوم اختباراً جديداً في إثر نشر تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ففي الماضي شهدت العلاقات الروسية – الإيرانية حالات من الصعود والهبوط، لكن الدولتين كانتا تحرصان على جسر الخلافات بينهما بسبب حاجتهما إلى التعاون المشترك الذي كان يتغلب على كل الاعتبارات الأخرى. ومع ذلك، فلدى روسيا أسباب كثيرة تدعوها إلى الحذر من إيران، ومن أهمها التخوف من كيفية تصرف الزعامة الإيرانية مستقبلاً فيما لو حصلت على القدرة النووية. ويبدو أن من مصلحة روسيا ألاّ تتحول إيران إلى دولة نووية، ليس بسبب الانعكاسات الاستراتيجية المباشرة لذلك على أمن روسيا فحسب، بل أيضاً نتيجة التخوف من استخدام إيران هذا السلاح لتوطيد مكانتها كدولة عظمى مع كل ما يستتبع ذلك من انعكاسات جيوسياسية على المنطقة، بما فيها إلحاق الضرر بالمصالح الروسية. ويمكن أن نضيف إلى ذلك تخوّف روسيا من انهيار الجهاز الدولي لمراقبة السلاح، والذي تعيره أهمية كبيرة.
- فإذا كان هذا كله صحيحاً، لماذ إذاً تواصل روسيا معارضتها المساعي الدولية لوقف المشروع النووي الإيراني؟
- هناك عدة أسباب لذلك، منها: أولاً، إن المصلحة الأساسية لروسيا في المنطقة تقوم على كونها دولة عظمى ذات نفوذ في الشرق الأوسط، ومنافسة للغرب، وعلى هذا الصعيد تشكل إيران الشريك الأساسي لها في بلورة المحور المعادي للغرب. من هنا فإن سقوط النظام في إيران معناه سقوط هذا المحور.
- ثانياً، لقد تضررت روسيا كثيراً جراء "الربيع العربي"، إذ سقطت الأنظمة الصديقة لها، ويسود الغموض التوجه السياسي للأنظمة الجديدة. وسواء أكانت هذه الأنظمة إسلامية أم ديمقراطية فإنها ستكون غير مريحة لروسيا. لذا، فإن إيران وسورية تشكلان خط الدفاع الأخير عن المصالح الروسية في الشرق الأوسط.
- ثالثاً، يوجد تنافس علني بين روسيا والصين على النفوذ في المنطقة، ونظراً إلى حاجة الصين الماسة إلى مصادر الطاقة من الشرق الأوسط، فهي مستعدة لأن تأخذ مكان روسيا في حال تخلت هذه الأخيرة عن مكانها.
- لا يعني هذا أن روسيا غير خاضعة للتأثير وللتغييرات. فقد سبق أن شاركت في الماضي في فرض العقوبات عندما تهيأت لها الظروف المناسبة، وحصلت على الثمن في مقابل موقفها. من هنا، ليس مستبعداً أن تكون العراقيل التي تضعها روسيا في وجه الضغوط الدولية على إيران نابعة من اعتبارات مشابهة، ومن الممكن جداً أن تقبل روسيا بالتعاون جدياً مع الغرب لدى حصولها على الثمن الملائم.
- ويمكننا أن نلاحظ حالياً أن هذا المسار بدأ فعلاً مع طرح روسيا اقتراحاً جديداً لحل الموضوع النووي الإيراني من خلال تقديمها مبادرة "خطوة في مقابل خطوة" التي تقترح فيها حواراً دبلوماسياً مع إيران. ويمكن أن نُدخل في هذا الإطار أيضاً تصريح الرئيس باراك أوباما في هاواي في 12/11/2011 بعد لقائه الرئيس ميدفيديف، والذي قال فيه إن الولايات المتحدة تتعاون مع ورسيا في الموضوع الإيراني.
- وتدل القرارت الأخيرة للمجتمع الدولي، والتصريحات المختلفة للصين وروسيا، على أن التعاون الروسي والصيني مع الولايات المتحدة المتحدة في الموضوع الإيراني قد تحقق بشكل جزئي. ومن الممكن أن يكون إعلان الرئيس أوباما قبول روسيا عضوة في منظمة التجارة العالمية، وهو وضع كانت تسعى له روسيا منذ أكثر من عقدين من دون أن تنجح في ذلك، يهدف في الأساس إلى التغلب على المعارضة الروسية في الموضوع الإيراني....