· أعلن بنك إسرائيل المركزي هذا الأسبوع أن المؤشر المركّب للوضع الاقتصادي[1] عن شهر آذار/مارس والبالغ 0,1%، ارتفع بنسبة أقل من معدل الارتفاع المسجّل في الأشهر الأخيرة. وأوضح البنك المركزي أن بيانات المؤشر المتعلقة بالفترة الأخيرة تشير إلى أن الاقتصاد الإسرائيلي يواصل النموّ بوتيرة أبطأ للعام الثالث على التوالي، إذ تظهر الأرقام أن معدّل نموّ اقتصاد إسرائيل هو دون نسبة 3% في العام.
· وكان معدّل النمو "الطبيعي" [المعتاد] في إسرائيل إلى ما قبل ثلاثة أعوام، يراوح بين 4,5% و5% في العام، باستثناء سنة 2008 التي انفجرت فيها الأزمة الاقتصادية الكبيرة. ومنذ ذلك الحين تغيّر معدّل النموّ، وأضحى المعدّل الذي يتكلم عنه البنك المركزي هو "المستوى المعتاد" الجديد للاقتصاد الإسرائيلي. وعند محاولة تجزئة هذا الوضع إلى عوامل، يعكس معدل النموّ الاقتصادي الإسرائيلي نموّاً سكانياً، وزيادةً متواضعةً في الإنتاج بنسبة 1% في العام. فمع أن معدّل البطالة لم يرتفع، والناس ينضمّون إلى سوق العمل، لكن الفجوة في الكفاءة والفاعلية بيننا وبين الدول الصناعية مستمرة في الاتساع في غير صالحنا.
· ومن منظور البيانات الإحصائية، يُعزى تباطؤ النموّ بدرجة كبيرة إلى تراجع متواصل لحجم التصدير نسبةً للاقتصاد الإسرائيلي، على الرغم من ارتفاعٍ متواصلٍ وملحوظٍ في صادرات الخدمات، ومساهمة الشركات الناشئة في دعم الاقتصاد. وتعود أسباب انخفاض التصدير جزئياً، إلى تراجع الطلب في الخارج ولا سيما في أوروبا؛ كما أن ذلك نتيجة مباشرة لارتفاع قيمة [سعر صرف] الشيكل في الأعوام الأخيرة.
· وأبعد من التحليل الإحصائي، يُطرح سؤال أساسي: ما هو العامل الكفيل بوضع إسرائيل على سكة النموّ السريع؟ إذا حكمنا على ذلك من خلال الصمت الحكومي، يتبيّن لنا أن السياسة الرسمية المعتمدة ليس لديها أي تصوّر حيال كيفية القيام بذلك. وفي ظل ظروف النموّ المنخفض، فإن الشاغل الرئيسي لوزارة المال هو "تيويم وتحديث مجمل الإنفاق الحكومي"، أي الحدّ كثيراً من ارتفاع نفقات الموازنة العامة المدنية [مجمل الإنفاق الحكومي باستثناء المجالين الأمني والعسكري] لمنع زيادة حصتها من الناتج المحلي الإجمالي.
· في ما مضى، قبل أن يغرق بنيامين نتنياهو في المعارك السياسية من أجل البقاء، أكثر من القول إنه سينقل إسرائيل إلى مصاف النخبة الاقتصادية العالمية بحيث تصبح "واحدة من أغنى 10 دول في العالم"، وذلك على حد تعبيره قبل سبعة أعوام. حدث ذلك قبل أن تُنشر بانتظام بيانات تفصيلية تقارن بين الاقتصاد الإسرائيلي واقتصاد الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)[2] والتي أظهرت صورته الحقيقية كاقتصاد يتّسم بعدم المساواة وانعدام الكفاءة، يواكبه إنفاق مدني غير كافٍ، وخدمات اجتماعية لا تستوفي المعايير المطبّقة في دول أخرى.
غياب استراتيجيا بعيدة المدى
· اعتقد نتنياهو وقسم كبير من الجمهور الإسرائيلي، أن خفض الضرائب وخصخصة قسم كبير من شركات القطاع العام، والحدّ من الإنفاق الاجتماعي، هو مفتاح النمو السريع. وقد انقضت سبعة أعوام، وأظهرت الأزمة العالمية إلى أي حدّ يمكن أن يكون الاعتمادُ بشكل أعمى على قوى السوق مدمّراً.[3] وفي غضون ذلك، بقيت إسرائيل من دون استراتيجيا بعيدة المدى تستطيع وضع الاقتصاد الإسرائيلي على سكة النمو. وما لدينا الآن هو مجرّد كلام حول "المسؤولية المالية"، ودفاع لا هوادة فيه عن العمالة في قطاع الخدمة المدنية [القطاع العام]، وتقليص الموازنات المدنية [الرعاية الصحية والتعليم]، وسعي للإبقاء على أنظمة الضريبة والدعم التي تديم اللامساواة.[4]
· هذا هو واقع الحال عندما تعتبر الحكومة ومن يرأسها على وجه الخصوص، أن كل محاولة لتغيير ومعالجة مشكلات بنيوية بمثابة تهديد استراتيجي؛ ذلك أن العودة بالاقتصاد إلى طريق النمو تتطلب نمطاً جديداً من التفكير وإعادة هيكلةِ الموازنة العامة، وتحديد سلم أولويات مختلف على حساب "القطاعات المفضَّلة".
· والمطلوب سياسة مختلفة تسعى جاهدة إلى تضييق فجوة التفاوت والاختلالات في سوق العمل بهدف تحفيز زيادة متسارعة في معدّل نمو الإنتاج. وسياسة حكومية كهذه لن تخشى المساس بمنظومة الخدمات الاجتماعية القائمة على الجمعيات الأهلية الخاصة.
· ويمكن افتراض أن جميع هذه الإجراءات الهادفة إلى تحفيز معدلات الإنتاج والنمو لن تنفّذ ما دامت هذه الحكومة موجودة، فهذه الإجراءات تتطلب الكثير من الصدمات، ومواجهة "الشركاء في الائتلاف الحكومي".[5]
لقد أصبح الروتين في جميع المجالات في عهد هذه الحكومة يُعتبر نعمة، حتى لو كان ذلك يعني اعتياد أن يكون معدل النمو منخفضاً وكذلك سقف التوقعات، ومعهما تضييق أفق التغيير. فهذا هو الأمر "الطبيعي" المعتاد بالنسبة لحكومة إسرائيل.
[1] مؤشر توليفي لأهمّ المؤشرات التي تقيس النشاط الاقتصادي الحقيقي (مؤشر الإنتاج الصناعي، ومؤشرات التجارة والاستيراد والتصدير والبطالة والإيرادات الضريبية): المصطلح الإنكليزي بحسب نشرة البنك المركزي الإسرائيلي هو: Composite State-of-the-economy Index. أنظر: http://www.boi.org.il/en/newsandpublications/pressreleases/pages/economicactivity.aspx
- ترجمته عن العبرية: يولا البطل.
[2] منذ انضمام إسرائيل إلى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) في العام 2010 (المترجمة).
[3] أنظر الوصف التحليلي لسياسة اللبرلة الاقتصادية في تسعينيات القرن الماضي بقلم امطانس شحادة وإيناس خطيب في الدراسة القيّمة التالية "النخب الاقتصادية في المشهد السياسي الإسرائيلي"، الصادرة عن "المركز العربي للدراسات الاجتماعية التطبيقية"- مدى الكرمل، سلسلة أوراق بحثية، العدد 2، تشرين الثاني/نوفمبر 2013. المصدر: http://mada-research.org/wp-content/uploads/2014/02tickon-final.pdf (المترجمة).
[4] المقصود بذلك بنود التعليم والرفاه في موازنة الدولة والتي تموّل المؤسسات التعليمية الخاصة باليهود المتشددين الحريديم، وشبكة المؤسسات الاجتماعية الأهلية ولا سيما المؤسسات التابعة لحزب "شاس" العضو في الائتلاف الحكومي الحالي. فبحسب الاقتصادي الإسرائيلي المرموق بول ريفلين، أن هذا الإنفاق الذي لا مثيل له في أي بلد في العالم، لا يخدم الاستثمار والنمو الاقتصادي، وهو يبيّن الانحياز الجلي في الموازنة العامة. أنظر:
Paul Rivlin, “The Israeli Economy from the Foundation of the State through the 21st Century”, New York: Cambridge University Press, 2011, p. 181-186. (المترجمة).
[5] يقول بول ريفلين في هذا الشأن: "إن حجم هذه الميزانيات يعكس كلفة الائتلافات". أنظر: Paul Rivlin, op.cit. p. 181 (المترجمة).