· يدلّ مؤشر الشعور بالعزّة القومية الذي ينشره معهد الأبحاث التابع لجامعة شيكاغو سنوياً، على أن إسرائيل تحتل إحدى المرتبات العشر الأولى من حيث الشعور بالعزّة القومية لدى مواطنيها.
· ووفقاً لمعطيات هذا المؤشر، فإن ما يحدّد مدى الشعور بالعزّة القومية للمواطنين في شتى الدول ليس الأوضاع الموضوعية لكل دولة، ولكن عوامل أخرى ولا سيما قوة الصراع الدائر فيها أو الذي تخوضه مع غيرها. وقد يكون هذا الصراع عنيفاً أو أيديولوجياً أو حتى رياضياً. ففي هذا المؤشر مثلاً، أن مواطني أوروبا لا يتميزون على نحو خاص بالشعور بالعزّة القومية، لكن هذه ترتفع في موسم ألعاب كرة القدم خلال دورات كأس أوروبا.
· وينسحب هذا الأمر على الإسرائيليين حيث يبلغ شعورهم بالعزة القومية ذروته حين يحظى فريق مكابي تل أبيب لكرة السلة بنجاحات كبيرة في دورة كأس أوروبا. ولا يعير الإسرائيليون أي أهمية إلى حقيقة كون اللاعبين المركزيين في هذا الفريق غير إسرائيليين لأن مكابي رمز، والرموز وسائل يمكن أن تُسقط عليها كل ما تشتهيه النفس ولا يمكن التعبير عنه.
· إن العلم والنشيد الوطني والاستعراض العسكري والشعار والصورة المؤسسة للوعي والشخصية التي تجسد في ظاهر الأمر "الخصال الوطنية"، أشبه بعكاز تتكئ عليه الهوية القومية.
· والرموز التي تصوغ الهوية القومية لا تنشأ مصادفة، ولكن يبلورها مهندسو رموز يكونون عادة من السياسيين أو ممن يعملون في خدمة السياسيين. وهي تصاغ في مواجهة الغير أو الآخر، لأنه لا توجد هوية للإنسان أو لمجموعة أشخاص إلا في مواجهة الآخرين. فـ"نحن" "لسنا الآخرين". وفي ظل انعدام آخر محدّد، لا يمكننا أن نُعرّف ذاتنا بهوية واضحة.
· معروف أن الصهيونية تأسست كحركة معارضة للاسامية، وأن الحركة القومية الفلسطينية نشأت كحركة معارضة للصهيونية، والإسرائيلية تشكل معارضة للمعارضة العربية. وفي حال طمس الفوارق بين اليهودي والعربي نتيجة خفض حدّة العداء بين اليهود والعرب، فمن المشكوك فيه أن ينجح يهود إسرائيل في تعزيز هويتهم، والفلسطينيون في تنمية تميزهم. وتتمثل نتيجة ذلك بأن الجانبين مدمنان على الصراع، لأن هوية كل منهما ستتلاشى من دون عداء الآخر.
· كان من حظ اليهود أن لم يفرّ كل العرب من إسرائيل، وكذلك أنهم لم يطردوا أثناء حرب الاستقلال [حرب 1948]. صحيح أن العرب في إسرائيل يضايقوننا لمجرد وجودهم، لكن الألم هو الذي يجعل الجسم يشعر بوجوده. ونحن بحاجة إليهم كي نفحص جوهر الإسرائيلية ودلالة المواطنة في دولة تعرّف نفسها على أنها "يهودية وديمقراطية". بعبارة أخرى، يمكن القول إن الأقلية تصوغ الأكثرية بواسطة نظرة الأكثرية إلى الأقلية.
· وكلما ضعفت ثقة الإسرائيليين اليهود بهويتهم انقسموا إلى أحزاب معادية لبعضها البعض بموجب أصولها الإثنية وعقيدتها الدينية ووضعها الاقتصادي. ولذا، نصادف في إسرائيل حملات مستمرة لتمجيد رموز الهوية اليهودية. ويُكثر أصحاب هذه الحملات من ابتداع الحيل التي يستطيعون من خلالها التفريق بين "نحن" و"هم" وتصنيف العرب، كما أنهم يكثرون من عمليات "جباية الثمن"، ويخترعون قوانين هدفها الوحيد إقامة الجدران بين المجموعتين ويتنصلون من مبدأ المواطنة/ الجنسية الذي من المفترض أن يجمع سكان منطقة جغرافية واحدة تحت تعريف واحد هو الإسرائيليون. فإذا ما أصبح العرب في إسرائيل إسرائيليين، مثلما أن يهود إسرائيل إسرائيليون، فما الذي سيُعرّف اليهود؟.
· في هذا الإطار أيضاً يجب أن نفهم مبادرة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الجديدة الرامية إلى سن قانون ينص على أن إسرائيل دولة قومية للشعب اليهودي.
شخصياً أشك في ما إذا كان نتنياهو يعتقد أن ثمة غاية محدّدة لهذا القانون، لأن الكلمات لا يمكنها أن تغيّر الواقع الذي تصوغ فيه الأكثرية اليهودية صورة المجتمع الإسرائيلي. لكن يبدو أنه بحاجة إلى هذا القانون من أجل إرضاء اليهود الذين يؤيدون أحزاب اليمين ولا ثقة لديهم بهويتهم، وهم بحاجة إلى تعزيزها من خلال تأجيج الكراهية تجاه الآخرين. بناء على ذلك، يمكن القول إن الاستقلال لم يحرّر اليهود من الحاجة إلى أن يكونوا مكروهين كي يكونوا يهوداً.